من المتوقع أن يتم  التصويت في الهيئة العامة للكنيست؛ يوم الاثنين القادم؛ بالقراءتين الثانية والثالثة على ما يسمى بمشروع قانون" الولاء بالثقافة". بعد ان تمت المصادقه عليه في الاسبوع الماضي في لجنة التربية والتعليم التابعة للكنيست؛ بعد أن شهدت الجلسة وما سبقها نقاشات حادة ومعارضة كبيرة ورفض واضح من قبل فئات مختلفة.

وبحسب الصيغة التي تم المصادقة عليها، فإن وزيرة الثقافة، تحظى بصلاحيات واسعه ومخولة بالتحكم بالميزانيات الممنوحة للمؤسسات الثقافية وللفنانين، وفي حال رأت الوزيرة بأن النشاط الثقافي يمس بإحدى العلل والذرائع المذكورة في القانون مثل:" الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية وديموقراطية" أو التحريض" أو تشجيع العنف والارهاب" أو " دعم الكفاح المسلح لدولة معادية لاسرائيل" أو " دعم تنظيم إرهابي" أو" التعامل مع  " يوم استقلال  إسرائيل كذكرى حزينه أو  تمزيق علم إسرائيل أو عدم إحترام رموز الدولة" كما ورد من قبل في "قانون النكبة" فإن الوزيرة مخولة بتقليص أو سحب الميزانيات بشكل كامل  عن هذه المؤسسات.

ومن الجدير بالذكر، بأن المستشار القانوني للكنيست صرح وبشكل واضح، بأنه يجب أن تجري تعديلات شاملة على مشروع القانون لكي يتجاوز شروط الدستورية.

 جزء من الصلاحيات المذكورة آنفا كانت قد منحت  لوزير المالية بحسب "قانون النكبة"، وقد طلبت الوزيرة ريغيف منه القيام   بتفعيلها إلا انها وجهت بالرفض من قبل وزير المالية والموظفين المهنيين.

من الجدير بالذكر، أن القانون يثير العديد من الاسئلة الهامة في المجالين المفاهيمي والعملي مثل، ما هو الولاء؟ ولمن الولاء؟ وما هي الثقافة؟ وهل يمكن للولاء والثقافة ان يتعايشا معا؟ وهل الولاء هو آحادي؟ بمعنى ان الولاء ضيق ومحصور ومحدود بالدولة والسلطة وأهدافها ومصالحها؟ أم أن الثقافة بحدد ذاتها هي نشاط مقاوم للسلطة؟ وهل اذا كان من الممكن أن يكون ولاء بالثقافة أليس من المفروض أن يكون للقيم الايجابية؟
لا يمكننا من خلال هذه المقالة الاجابة على جميع هذه الاسئلة التي تم معالجة جوانب كبيره منها بشكل عميق  في كتاب البروفيسور الفلسطيني إدوارد سعيد " الثقافة والامبريالية" ومساهمات مهمة لكل من جوليان بندا وجون بول سارتر وانطونيو غرامشي وبيير بوردية وميشيل فوكو وآخرين.
 
إن قانون "الولاء بالثقافة" هو قانون غير ديموقراطي وخطير ومكارثي النزعة وفاشي المنطلق، وليس فقط لأنه يتعاطى مع ميزانيات، بل لانه يحمل ويخفي في طياته تبعات أعمق وأقوى( وخصوصا أن هنالك تمييز منهجي ومستمر ضد المجتمع العربي ومؤسساته وخصوصا في مجال الثقافة)، فهو يهدف الى كم الافواه وسيطرة السياسة والسياسيين  على المضامين الثقافية. كما أنه يفرض هيمنة الخطاب السياسي،الصهيوني، القومجي، المؤسساتي على العمل الثقافي ويختزل ويقصي ويزدري الثقافة الفلسطينية ويجعل الثقافة العامة  مسرح مغلق ومنعزل يمجد القوة ويحتفي ويبجل الذات وحسب.  وهذا بحد ذاته عدم إعتراف بل إهانة واستخفاف بهوية الآخرين كما يؤكد الفيلسوف الالماني إكسل هونت. كما أنه يمس ويضرب قيم الحرية والفكر والابداع والنقد والديموقراطية والتنوع الثقافي والحضاري والمساواة والذائقة الفنية؛ ويعزز نظام الرقابة السلطوية والرقابة الذاتية ويحاول هندسة الوعي من جديد. أضف الى ذلك؛ فإن القانون يمنح الوزيرة، وبشكل شخصي ومطلق الحرية والصلاحيات بتفسير وتأويل العلل المذكورة بالقانون؛ بشكل إعتباطي وبما يتناسب وتوجهاتها وميولها السياسية؛ وخصوصا ان هذه العلل ضبابية وغير واضحة وفضفاضة، وبذلك تصبح وكأنها سلطة قضائية؛ لا بل أكثر من ذلك فهي من شرعت القانون وهي التي تنفذه وهي التي تحكم وهذا بحد ذاته زعزعة لمبدأ فصل السلطات.

لا يمكن، قراءة هذا القانون بمعزل عن محاولة افيغدور ليبرمان اشتراط المواطنة بالولاء وعن قانون القومية اليهودية. 

واذا استعرنا من الفيلسوف والروائي  الفرنسي جوليان بندا مفهوم " خيانة المثقفين" وهو عنوان كتاب له انتقد من خلاله المثقفين الذين خانوا رسالتهم ودورهم وانحازوا  للسلطة أو لرغبات الجماهير،  مع تغيير  يتناسب وسياقنا فنحن أمام ظاهرة "خيانة الثقافة" وليس "الولاء بالثقافة".

المطلوب هو عدم المصادقة على هذا القانون ورفضه بشكل مطلق والعمل بشكل مشترك على التصدي له ومواجهته  بكل الوسائل والامكانيات وفي كل الاصعدة وبناء تحالفات واسماع أصوات يهودية معارضة  وتفعيل المؤسسات الثقافية والفنية العربية  والاعتماد( دون التنازل عن الحقوق والميزانيات المستحقة) على الذات من أجل تعزيز حضور الثقافة العربية الفلسطينية في الحيز العام، وأخذ المشروع الثقافي بشكل جدي من قبل السلطات المحلية والجمعيات والفنانين  وأقامة مجلس أعلى للثقافة العربية يعمل بالتنسيق مع لجنة المتابعة والهيئات التمثيلية  والتأكيد على أن الثقافة كما يراها ادوارد سعيد" ميدان نشاط فائق التنوع".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]