قررت سلطات الاحتلال الاسرائيلي هدم منزل عائلة ابو حميد في مخيم الامعري في رام الله بعد ان صادقت المحكمة العليا الاسرائيلية على قرار الهدم , وامهلت العائلة لاخلاء المنزل حتى الثاني عشر من هذا الشهر .

ام يوسف ابو حميد الملقبة بخنساء فلسطين تجلس في وسط البيت , تقول : لن ارحل لو هدموا البيت فوق رأسي , كم مرة سوف ارحل ؟ لقد هدموا بيتنا في قرية السوافير الشمالي عام 1948 , وعشنا مشردين بين مذبحة ومذبحة وخيمة وخيمة , لقد هدموا هذا البيت مرتين , خرجنا من تحت الانقاض والركام وليس لنا مكان اخر سوى هنا , ليس لنا بيوت اخرى خارج حدود فلسطين , لا نملك الا هذه البلد , بلدنا , كوشان ميلادنا هنا , خطانا , رائحة اولادي وزوجي والبحر ومفتاح البيت الاول .

عندما زرتها في البيت , لم يكن حولها احد , ستة من ابنائها يقبعون في سجون الاحتلال الاسرائيلي , اربعة منهم محكومين بالمؤبدات وهم , ناصر ونصر وشريف ومحمد وجهاد واسلام , وفقدت ابنها الشهيد عبد المنعم لتقضي ام يوسف عمرها بين المقابر وبوابات السجون .

على الجدار في البيت حديقتان : حديقة للذاكرة وحديقة للحلم , وفي هذا المكان يوجد بيت واسع للحياة وبيت واسع للموت , وما بينهما تتناسل الاجيال وتتوالد بلا انقطاع , هذا الجدار نسقيه بالدم كما النعنع , تقول ام يوسف .

ام يوسف ابو حميد ترى جنود الاحتلال كل ليلة , مشغولين بالبيت , يقرعون الابواب والشبابيك ’ ياخذون القياسات استعدادا لتفجيره , اشباح وبنادق وملاحقات واستفزازات , هيئة الاركان في اسرائيل تتاهب لنسف القلعة , بطولة دولة اسرائيل ومحكمتها العليا اعلنت الحرب على عائلة ابو حميد .

بيت ابو حميد مرفوع على رحيل دائم , ليس له حدود , يمشي على اقدامه ويديه , يرى ويعرف اين يكون , جنود الاحتلال خائفون من هذا البيت وقدرته على الوقوف , وخائفون من صوت الشعارات وصراخ الصور على الجدران , عيون الاسرى والشهداء تحدق بهم , يتمنون ان يخرجوا من مخيم الامعري , ان يمتليء الفضاء بالغبار , من اين تاتي الحجارة ؟ الليل في المخيم له ايادٍ كثيرة ومقاليع كثيرة واولاد لا ينامون .

في بيت ابو حميد في مخيم الامعري رايت شعبا لا يتحرك الا نحو السماء , اما ان يكون في السجن او في الاخرة , بيت يرفع شارة النصر تارةً وشارة الاعراس تارة اخرى , ومن اراد ان يعرف شعب فلسطين سأدله على بيت ابو حميد , هنا للموت احفاد وللسجن نشيد الحرية .

في بيت ابو حميد في مخيم الامعري , رايت شعبا لا يتحرك الا نحو السماء , الامم المتحدة والهيئات الدولية لم تستطع وقف هدم البيوات ومحاسبة مجرمي الحرب الاسرائيليين , لا زال المجتمع الدولي يتفرج على دولة عنصرية فاشية تعطي غطاء ً قانونيا ً لجرائمها وانتهاكها ضد حقوق الشعب الفلسطيني العادلة , وفي بيت ابو حميد تجتمع الامم كلها , ام يوسف سيدة الامم , فيها هبة من وصايا قدميها على الارض , ارث لا ينقطع عن تزويد العالم بقوة البرهان واعجاز النصر والصمود على الطغيان والصمت الطويل .

في بيت ابو حميد في مخيم الامعري رايت شعبا لا يتحرك الا نحو السماء , ينجو من الموت بين حاجز وحاجز , ينجو من اعتداءات المستوطنين وعربداتهم , ينجو من مؤبد السجن وظروفه القاسية , يعيش بين رصاصة ورصاصة , يموت وينهض ولكنه لا يغيب ولا يتناثر , يتجمع من جديد .

ام يوسف ابو حميد تجلس امامي , هي امي , تشبه الصرخة الاولى , قطرة الحليب , شجرة الزيتون الخضراء , هي اكثر من امرأة , تخبيء دمها تحت ثوبها , لنجد دمنا يشتعل بعد قليل .

ام يوسف ابو حميد تضيء شجرة الميلاد هذا العام , تصلي , تضع يدها اليمنى فوق رؤوس الشهداء وتصلي , تضع يدها اليسرى فوق رؤوس الاسرى وتصلي , امراة متخمة بالموت وبالحياة وبالمطر .

في بيت ابو حميد في مخيم الامعري رايت شعبا لا يتحرك الا نحو السماء , المخيم هو مجموعة قرى ومدن نسفوها وهجروا سكانها عام النكبة , اقيم بلا ترتيب , فوضى الغياب والشوارع والدهشة والصدمة , البشر في المخيم لهم رئة تتنفس بين القاتل والقتيل , نجده احيانا منفى واحياناً نشيد, الفدائي خرج من هنا , العاشق والمقنع والفقير والشهيد .

في بيت ابو حميد في مخيم الامعري رأيت شعبا لا يتحرك الا نحو السماء , صوت اولاد المخيم في الازقة يرددون اشعارسميح القاسم
تقدموا تقدموا
بناقلات جندكم
وراجمات حقدكم
وهددوا
وشردوا
وهدموا
لن تكسروا عظامنا
لن تهزموا اشواقنا
نحن قضاء مبرمُ

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]