الفتى الشهيد قاسم العباسي (17 عاماً)، كانت لديه أحلام وطموحات أكبر بكثير من همجية الاحتلال وإجرام مستوطنيه.
العباسي، الذي كان برفقة ثلاثة من أصدقائه في طريقهم إلى مدينة نابلس، لم يكن على علم مسبق أن حظه العاثر سيقوده بإرشادات شرطي إسرائيلي إلى مستوطنة «بيت إيل» شمال رام الله، وعلى الرغم من أنه وأصدقاءه شعروا بالخطر القاتل.. واستداروا للخروج من مصيدة الإرهاب الاستيطانية، فإن جنود الاحتلال أمطروهم بالرصاص مع أن سيارتهم تحمل لوحة تسجيل صفراء (إسرائيلية)، لأن مطلقي الرصاص كانوا متأكدين أن المستهدفين عرب، كيف لا وشعارات الموت للعرب تنتشر في كل مستوطنة.
في مفترقات الضفة الغربية المرتبطة بالشوارع الاستيطانية وحتى على مداخل المدن والقرى الفلسطينية وضعت لافتات إسرائيلية ضخمة باللون الأحمر وبخط عريض تحذر الإسرائيلي من الدخول لأن حياته في خطر، إلى جانب الكثير من العبارات العنصرية طبعاً.. لكننا لا نرى مثل هذه اللافتات على مداخل مستوطنات الموت، علماً أن كثيراً من السيارات الفلسطينية تدخل خطأ في طرق المستوطنات، الأمر الذي يجعل حياة المواطنين محفوفةً بالخطر الشديد، فإمكانية تعرضهم لإطلاق النار بهدف القتل واردة جداً كما حدث للشهيد العباسي.
هل تذكرون عندما دخل جنود إسرائيليون قبل نحو عقدين قلب مدينة رام الله واحتجزوا للاشتباه بأنهم مجموعة تابعة لوحدات المستعربين القتلة.. بعد ساعات من الحدث كانت صواريخ الاحتلال تدمر مقر الشرطة في مدينة البيرة وتمحوه عن وجه الأرض.. وبعدها تعتقل العشرات وتطارد المشتبه بهم وحتى تغتالهم بقرار مسبق من قادة الاحتلال.
دماء الشهيد العباسي اليوم لا تجد طائرات «أف 16» للانتقام من قتلته، ولا تجد حتى من يلاحق القتلة الذين لن يتم اعتقالهم وتدمير منازل عائلاتهم ... بل أكثر من ذلك لن نسمع عن صوت إسرائيلي يدين الجريمة، أو يطالب بمحاسبة الإرهابيين.
الشهيد العباسي لم يحمل سلاحاً ولم يحاول طعن أحد أو دهس جندي كما هي الذرائع التي يتخذها الاحتلال لقتل المواطنين، ذنبه الوحيد أنه ضل الطريق وحاول التخلص من قبضة الإرهاب في مستوطنة بيت إيل، إلا أن القدر لم يسعفه.
في الأسابيع الأخيرة ازداد نشاط وحدات «تدفيع الثمن» الإرهابية اليهودية بشكل غير مسبوق، وهناك كثير من الشهادات والصور ومقاطع الفيديو التي توثق جرائم هذه العصابات، وفي الأسبوعين الأخيرين اعتدى المستوطنون على قرى كفر الديك وعوريف وبرقة وحوارة وعصيرة القبلية والمغير وبيتين وشمال مدينة الخليل، وأول من أمس في بيت حنينا في قلب القدس المحتلة. وعلى الرغم من ارتفاع عدد الاعتداءات الإرهابية اليهودية فلم يتم القبض ولو على مجرم واحد... ولم تجمع سلطات الاحتلال تسجيلات كاميرات المراقبة من المفترقات كما حدث بطريقة هستيرية خلال اقتحامها المنازل والمؤسسات في محافظة رام الله والبيرة لجمع المعلومات عن حادث قتل جنديين إسرائيليين شرق مدينة رام الله.
أما على الطرق الالتفافية فينشط مئات المستوطنين في الاعتداء على المركبات الفلسطينية ليل نهار وبحراسة قوات الاحتلال، ما أدى إلى سقوط شهداء ووقوع مئات الإصابات، يترافق تصاعد هذه الاعتداءات مع شعور المستوطنين بأنهم فوق القانون كما هي دولتهم.
المجموعات الإرهابية اليهودية تستند أفكارها وعقيدتها إلى تفوق اليهود، وأن الآخر ليس سوى غريب وعبد لا يستحق الحياة ولا ثمن لدمه.
يقول محلل إسرائيلي عن قوة المجموعات الإرهابية في الضفة الغربية إنها قوة مطلقة، وعلى سبيل المثال فان تظاهرات اليهود في غلاف غزة لا تهز شعرة في جسد حكومة نتنياهو، ولكن عشرة مستوطنين قادرون على زعزعة أركان حكومته.. بل إن نتنياهو نفسه يصاب بالذعر أمامهم ولهذا يحاول استرضاءهم وأكثر من ذلك.
للأسف، حتى الأميركيون الذين تجحظ عيونهم تجاه كل شاردة وواردة فلسطينية، ويصدرون البيانات المنددة والمستنكرة وعلى رأسهم الثلاثي الصهيوني كوشنر وغرينبلات وفريدمان، نراهم يصمتون ويغلقون أفواههم وعيونهم وآذانهم عندما يتعلق الأمر بالإرهاب اليهودي وبالدم الفلسطيني المسفوك.
آخر بيانات غرينبلات كانت قبل ثلاثة أيام ضد حركة فتح، استخدم فيها عبارات لا تليق بدبلوماسي، والحجة أن الحركة نشرات إعلانات نعي على صفحتها في الفيس بوك للشهيدين نعالوة والبرغوثي. ولكنه اليوم يصمت أمام اغتيال فلسطيني في مقتبل العمر وفي قلب إحدى مستوطنات الإرهاب اليهودي المنظم .. فعجباً لحقوق الإنسان وللديمقراطية المزيفة.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]