لماذا نتوقّع احتِمال تِكرار السيناريو الفيتناميّ في فنزويلا؟ وكيف أظهر مادورو الرئيس الشرعيّ كُل مظاهر الحِكمَة بعدم اعتِقاله لقائِد الانقِلاب غوايدو؟ ومَن تُؤيّده المُؤسّستان العسكريّة والأمنيّة هل يحتاج لقُوّات روسيّة أو مِن “حزب الله”؟

عبد الباري عطوان
عِندما يُسارِع بنيامين نِتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيليّ بالاعتِراف بشرعيّة رئاسة خوان غوايدو، ويُؤكّد الأخير أنّه التقى سِرًّا بالرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب وزُعماء آخرين لوضع مُخطَّط الانقِلاب في فنزويلا، فإنّ هذا يكفينا، وكُل الشُّرفاء في العالم، للوقوف في خندق نيكولاس مادورو، الرئيس المُنتَخب والمُستَهدف دون أيّ تردّد، فبَوصَلتنا واضِحة، ومعاييرنا أكثر وضوحًا.
جون بولتون، مستشار الأمن القوميّ الأمريكيّ، كشف في مؤتمر صحافي عقده أمس بأنّ واشنطن قرّرت إرسال خمسة آلاف جندي إلى كولومبيا المُجاوِرة المُرشّحة لكيّ تكون نُقطَة انطِلاق للغزو الأمريكيّ المُتوقّع لفنزويلا، بينمَا أقدمت الحكومة الأمريكيّة على فرض عُقوبات اقتصاديّة خانقة على شركة النفط الوطنيّة الفنزويليّة، وجمّدت كُل الأُصول الماليّة لتجويع الشعب، وقطع آخر شريان يَمدّه بالحد الأدنى مِن أسباب البقاء، إنّها البلطجة في أبشع صُوَرِها.
***
الخُطوات التمهيديّة لهذا الغزو العسكريّ بدأت بتسريب أنباء عن وصول قوّات روسيّة إلى كاراكاس للدِّفاع عن الرئيس مادورو وأُخرى عن وجود خلايا تابعة لـ”حزب الله” اللبنانيّ، ونحمد الله أنّهم لم يقولوا أيضًا أنّ “الدولة الإسلاميّة” أو “داعش” فعلت الشيء نفسه، لأنّنا لا نستبعد هذه الأكاذيب من قِبَل الرئيس الأمريكيّ وآلته الدعائيّة الجبّارة، لتبرير إشعال فتيل الحرب، وفتح أبواب البِلاد على مصراعيها أمام هذا الغزو.
الرئيس مادورو ليس بحاجةٍ إلى قوّات روسيّة، لأنّ المؤسسة العسكريّة والأمنيّة في بلاده وقفَتا إلى جانبه، وأكّدتا الولاء لحُكمه باعتبارِه الرئيس الشرعيّ المُنتَخب، وقاوَمتا بصلابةٍ كُل مُحاولات الاختِراق الأمريكيّة، وهذا في حَدِّ ذاته أرفع صور الوطنيّة.
الرئيس مادورو تصرّف بحِكمَة ومسؤوليّة، فقد كان باستطاعته أن يُرسِل الجيش، أو قوّات الأمن لاعتقال الرئيس المُزوّر المدعوم من واشنطن، ودعاه بَدلًا من ذلك إلى الحِوار للتَّوصُّل إلى مخارج من هذه الأزمة، تحفظ وحدة البِلاد، وتجنّبها سفك الدماء، وقُوبِلَت هذه الدعوة بالرَّفض.
الرئيس ترامب يُثبِت يومًا بعد يوم أنّه يُعاني من أُميّة سياسيّة، ولا يُجيد إلا لغة الأرقام، ونِسَب العُمولات، فها هو يُحضِّر لغزو بلد ديمقراطيّ مستقل، وتغيير نظام رئيس شرعيّ مُنتَخب في الوقت الذي يستجدي حركة طالبان الأفغانيّة انسِحابًا آمِنًا لقُوّاته، ويَعترِف رسميًّا وعلنيًّا بهزيمته في سورية، وكوريا الشماليّة، والقادِم أعظم.
***
الشعب الفنزويليّ سيهزِم أمريكا وحُلفاءها مثلما فعل أشقاؤه في أفغانستان والعِراق وسورية، وقريبًا ليبيا بإذن الله، وسيَجِد نفسه وبلاده في حربِ استنزافٍ قد تكسر غطرسته وغُروره، وتُعطِي نتائج عكسيّة مُدمِّرة على أمريكا نفسها.
فنزويلا لن تَقِف وحيدةً في مُواجهة هذه البلطجة الأمريكيّة، وستَجَد في خندقها دولًا عُظمى مِثل الصين وروسيا والهند وإيران ومحور المُقاومة وتركيا، والسيناريو الفيتناميّ قد يتكرّر بصُورةٍ أو بأُخرى.. والأيّام بيننا.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]