يعتبر الشاعر حسين مهنا، برأينا، أحد الشعراء الذين ساهموا في ترسيخ وتطوير حركة الشعر في بلادنا، بدأ كتابة الشعر في مرحلة كان الرواد خلالها قد تمكنوا من وضع بصمات قوية على خريطة الشعر العربي، وكان شعرنا بحاجة إلى من يصون هذا الرصيد ويضيف إليه، فكان حسين مهنا أحد حراس حركتنا الشعرية، عُرف بحرصه على كتابة الشعر الموسيقي، محافظا على قواعد وأصول الشعر الكلاسيكي من وزن وقافية، مرورا بشعر التفعيلة، فالشعر المنثور.

حسين مهنا شاعر واسع الثقافة يؤثث أشعاره برؤية فكرية عميقة موظفا التناص الذي يغني الشعر ويبعده عن السطحية ليتيح له الغور في الأعماق. لذلك فإن الغوص في الرموز والإشارات والدلالات التي يوظفها جعلت مساحة الشعر تتسع، فهناك حيز لكل قارئ أن يتحاور معه، سواء كان هذا القارئ عاديا أو نموذجيا.
وهو صاحب رؤية وفكر واضحين لا يحيد عنهما؛ ففي شعره نظره إنسانية شمولية عميقة أتاحت له أن يغتني بثقافات شرقية وغربية، قديمة وحديثة. هذا الرصيد الثقافي الواسع فسح المجال لخلق حالات حوارية قد تنسجم وقد تتصادم، فالحياة فيها المتشابه والمختلف، وفيها الواقع والخيال، والخرافة والأسطورة والفانتازيا، فيها سحر الشرق وجمال الغرب، فيها ألف ليلة وليلة ورسالة الغفران والكوميديا الإلهية، وقبل هذا وذاك هناك تراث إنساني غني منذ الإغريق مرورا بالحضارة الرومانية والمصرية القديمة والهندية والفارسية والعربية.
شاعرنا لم يضع الحواجز في وجه هذا التراث فوجدنا له انعكاسا في شعره، لكنه صاغه بقلمه وفكره فحمل نكهة شاعر فلسطيني جليلي ابن قرية عربية لها أصولها وعاداتها وتقاليدها وفكرها. خلق لنفسه هوية خاصة به، من خلال توظيف تقنيات فنية حديثة وقديمة تستحق أن ينتبه إليها الدارسون ليعطو الشاعر حقه كما يليق بعطائه.
لكن الشاعر حزين قلق من غدر الزمان وجور الأيام التي أتت على معالم القرية فبدلت شكلها، يتمنى لو يقبض بكلتا يديه على عنق الزمن كي يلويه لعله يعود به إلى تلك الأيام، إلى الوراء، إلى ناسه وأهله وأحبته وأرضه وحقله وفضائه، وإلى نجومه وسمائه وأحلامه. لقد تبدل كل شيء؛ جبال بلاده لم تعد كما كانت، وديانه فقدت أسماءها وماءها، واللغة باتت هجينة. فيلجأ إلى إنعاش الذاكرة وتفعيلها فتبدو في عين القارئ ذاكرة غنية جديرة بأن ترسخ في وجدان الناس.
تتصارع في نفس الشاعر أحاسيس عدة، من حزن وأسى وحسرة، من ناحية، ونظرة تميل نحو التفاؤل من ناحية أخرى. فدعا إلى الحفاظ على الإيمان بقوة الإنسان وإرداته والتعلم من الماضي وعبره:
"ونبقى هنا- كما لا يحب الغزاة-
وكم من كواسر جاءت إلينا
لتخطِف منا مواعيدنا،
والكلام الجميل
وتقطُف عن دورنا شعرنا
والهديل
وتحمل عنا
مواويل عشاقنا
ثم تمضي
ونبقى هنا"
(ألقيت هذه المداخلة في أمسية تكريم الشاعر حسين مهنا في نادي حيفا الثقافي يوم 09.02.19)
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]