الغى رئيس وزراء بولندا مشاركة بلاده في قمة مجموعة فيسغراد في إسرائيل وذلك بعدما تفجر الخلاف مجدداً بين "إسرائيل" وبولندا بشأن دور الأخيرة في الجرائم التي ارتكبها الاحتلال الألماني النازي ضد اليهود في معسكر أوشفيتز في بولندا، المعروف بالمحرقة النازية أو الهولوكوست.


فقد أدلى القائم بأعمال وزارة الخارجية الإسرائيلية الوزير إسرائيل كاتس بتصريح أمس الأحد اتهم فيه البولنديين بأنهم "يرضعون معاداة السامية من حليب أمهاتهم"، في إشارة إلى العداء لليهود وفي تذكير بالاتهامات الصهيونية لبولندا بالتعاون مع النازيين ضد اليهود خلال الحرب العالمية الثانية.

وفي مقابلة مع قناة "كان" الإسرائيلية قال كاتس اليوم: "يمكن التصرف بدبلوماسية، ولكن لا يمكن تغيير حقيقة التاريخ. البولنديون تعاونوا مع النازيين، وشاركوا في إبادة اليهود في المحرقة. بولندا كانت أكبر مقبرة للشعب اليهودي. هناك فقط حقيقة تاريخية واحدة. العداء للسامية كانا مغروسا بالبولدنيين قبل المحرقة وخلالها وبعدها".

كاتس أوضح أن وجود علاقات دبلوماسية مع حكومة بولندا "هو لمصلحة إسرائيل، لكن ممنوع أن ننسى الماضي وممنوع المس بالتراث وذكرى ضحايا المحرقة. لم أقل أن كل البولنديين كانوا شركاء، لكن جزءاً كبيراً منهم. منتدى فيسغراد هو منتدى مهم لكن يجب إقامته على أساس حقيقة تاريخية".

ورد سفير بولندا لدى "إسرائيل"، مارك مغيروفسكي، على كاتس بالقول إن "من المدهش رؤية كيف أن وزير الخارجية هذا الذي عيّن لتوّه يصرّح بصورة عنصرية ومشينة. هذا أمر غير مقبول".

ولاحقاً رد رئيس مكتب رئيس الحكومة البولندية مايكل دفورتشيك على كاتس معتبراً أن تصريحاته مشينة وغير مناسبة وأن رئيس حكومة بولندا ينتظر رداً حاسماً ضد كلام كاتس وأن حكومة بولندا ستتخذ اليوم - بناء على ذلك - قرارها النهائي حيال مشاركتها في مؤتمر دول فيسيغراد الذي سيعقد في "إسرائيل"غداً وسيضم رؤساء حكومات بولندا وهنغاريا وتشيكيا وسلوفاكيا.

وأضاف دفورتشيك إن تصريحات كاتس "مشينة وغير مناسبة" و"تفاقم الأزمة بين إسرائيل وبولندا". وأوضح أنه في ضوء هذه التصريحات، فإن مشاركة بولندا في مؤتمر فيسغراد في "إسرائيل" أصبح مشكوك فيها، مشيراً إلى أن رئس حكومة بولندا ينتظر رداً حاسماً ضد كلام كاتس وأن القرار النهائي حيال المشاركة في فيسغراد يتخذ خلال نهار اليوم.

ودعا رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست آفي ديختر صباح اليوم كبار المسؤوليين في "إسرائيل" الى "الدقة في الحديث عن مسألة مشاركة البولنديين في "المحرقة". وأضاف ديختر أن "علاقاتنا مع بولندا وثيقة ويجب أن نكون دقيقين حتى لا نتسبب لأنفسنا بالضرر".

وقال دبلوماسي بولندي "إن كلام كاتس فضائحي. كيف يمكن القول إنني رضعت من أمي العداء للسامية. هل زوجتي أرضعت أولادي العداء للسامية؟ هل يمكن تصور أمر اكثر إيذاء وإهانة من ذلك؟".

وقالت الإذاعة الإسرائيلية إنه بعد كلام كاتس يحتمل أن يلغي أيضاً وزير الخارجية البولندي مشاركته في قمة فيسغراد بعد إلغاء رئيس الحكومة البولندي مشاركته في المؤتمر، وذلك في أعقاب كلام مشابه لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وبالتالي تلغي بولندا مشاركتها في المؤتمر. وأضافت الإذاعة أن ثمة تقارير في بولندا تتحدث عن إمكانية استدعاء السفيرة الإسرائيلية في وارسو لحديث توضيحي.

وكانت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية قد نقلت الخميس الماضي عن نتنياهو قوله من وارسو، "أنا هنا أقول إن البولنديين تعاونوا مع النازيين، أعرف التاريخ ولا أغيّره، وإنما أكشف عنه"، وذلك على هامش اليوم الثاني من مؤتمر وارسو الذي نظّمته الولايات المتحدة الأميركية وحشّدت فيه دولاً عربية وأوروبية مع "إسرائيل" لتشكيل محور عالمي ضد إيران.

واستفزت تصريحات نتنياهو الرئيس البولندي أندريه دودا، لتتوتر العلاقات بين الجانبين رغم مرور ساعات على التقاط صور للحظات وُدّية تجمعه مع نتنياهو على هامش مؤتمر وارسو.

وحاول نتنياهو في اليوم التالي تبرير تصريحاته التي اتهم فيها بولندا، بالتعاون مع النازيين ضد اليهود إبان الحرب العالمية الثانية. وقال بيان صدر عن مكتب نتنياهو: "لقد تحدث رئيس الوزراء عن بولنديين، وليس عن الشعب البولندي أو بولندا"، مضيفاً أن "التقارير الصحافية نقلت التصريحات بشكل خاطئ وحرّفتها".

وجاء تبرير نتنياهو بعد ساعات من استدعاء وزارة الخارجية البولندية، للسفيرة الإسرائيلية لديها آنا آزاري، "لـلتوبيخ"، بسبب تصريحات نتنياهو.

وبرزت خلافات بين بولندا و"إسرائيل" العام الماضي على خلفية رفض وارسو الربط بين بولندا وجرائم النازية، وهو ما اعتبرته تل أبيب "تنصلًا من المسؤولية".

وكشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في حينه أن الحكومة الإسرائيلية طالبت نظيرتها البولندية بتغيير مشروع قانون بولندي يمنع الحديث عن "جرائم الشعب البولندي" خلال فترة "المحرقة النازية"، ويهدد بسجن كل من يستخدم عبارة "معسكر الإبادة البولندي" في إشارة إلى معسكر اوشفيتس الذي أقامه الاحتلال الألماني النازي ونفذ فيه عمليات إعدام وحرق جماعية لمئات الآلاف من اليهود والديانات الأخرى من دول عدة احتلتها ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية.

وجاء في بيان وزارة الخارجية الإسرائيلية في بداية 2018 أن "إسرائيل تعارض مشروع القانون وتطالب الحكومة البولندية بتعديله، قبل مواصلة تشريعه. لا يمكن لأي قانون أن يغيّر الحقيقة التاريخية ولا يوجد مكان لتثقيف عائلات الناجين من المحرقة، التي تعيش كل يوم ذكرى أعزائها الذين قتلوا في النار".

وقال نتانياهو "إن القانون لا أساس له، واني أعارضه بشدة، يستحيل تغيير التاريخ، ويجب عدم التنكر للمحرقة".

وسلمت السفيرة الإسرائيلية لدى بولندا آنا أزاري، حينها، الشجب الإسرائيلي للقانون البولندي. وقالت في خطاب ألقته في مراسم الذكرى الرسمية لتحرير معسكر اوشفيتس، التي أقيمت في الموقع التذكاري في بولندا، إن الحكومة الإسرائيلية ترفض مشروع القانون وتأمل إجراء تعديلات عليه. وأوضحت أن (إسرائيل) "تفهم من بنى أوشفيتس وبنى معسكرات أخرى، والجميع يعلم أنهم ليسوا بولنديين، لكن (إسرائيل) تعتبر هذا القانون مخالفاً للحقيقة حول المحرقة. أؤمن أن إسرائيل وبولندا، كصديقتين جيدتين جداً ستجدان لغة مشتركة وتقرران كيف نتذكر معاً تاريخنا".

وعلّق الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين على مشروع القانون البولندي بالقول إنه "حتى بين الشعب البولندي كان هناك أولئك الذين مدوا أيديهم للجرائم النازية، وينبغي التنديد بكل جريمة، بكل مخالفة. يجب فحصهم وكشفهم".

كما أدان متحف المحرقة "ياد فاشيم" القانون الجديد، قائلاً إن التشريع "يمكن أن يمس الحقيقة التاريخية حول المساعدات التي تلقاها الألمان من السكان البولنديين خلال المحرقة".

واتهم "ياد فاشيم" الشعب البولندي بـ"التواطؤ المباشر وغير المباشر في الجرائم المرتكبة على أرضهم أثناء المحرقة" مؤكداً أنه سيواصل "دعم البحوث الرامية إلى كشف الحقيقة المعقدة لموقف السكان البولنديين من اليهود خلال المحرقة". لكنه أكد أن بولندا على حق في معارضة استخدام مصطلح "معسكرات الإبادة البولندية"، وقال: "لا شك أن مصطلح "معسكرات الإبادة البولندية" هو تشويه تاريخي". لقد أنشئت معسكرات الإبادة في بولندا المحتلة من قبل النازية من أجل قتل الشعب اليهودي في إطار برنامج الحل النهائي".

يشار إلى أن هذا القانون البولندي سيطبق على المواطنين البولنديين والأجانب. لذلك، من الناحية النظرية، فإن اليهود البولنديين الناجين من المحرقة، والذين يعيشون في "إسرائيل" وينشرون علناً أن "الشعب البولندي شريك في قتل جدي في المحرقة" أو "قتلت والدتي في معسكر إبادة بولندي" قد يخضعون لإجراءات جنائية في بولندا، الأمر الذي قد يؤدي بهم إلى السجن. ولا ينطبق القانون على النقاش الأكاديمي أو الفني ولم يستثنَ الصحافيون من القانون.

وقد صوت مجلس الشيوخ البولندي في الثاني من شباط - فبراير 2018 على مشروع القانون وتم إرساله إلى الرئيس أندريه دودا للتوقيع النهائي عليه.
وقال رئيس الوزراء البولندي ماتيوش مورافيتسكي "الموت والمعاناة في معسكرات التعذيب النازية الألمانية كانت تجربة مشتركة ليهود وبولنديين وأشخاص من جنسيات عدة أخرى". وأضاف أن بولندا لن تقيّد أبداً الحوار والنقاش حول المحرقة.
وحضت وزارة الخارجية الأميركية بولندا على إعادة تقييم مشروع القانون، معبّرة عن قلقها من عواقبه على علاقات وارسو بالولايات المتحدة و"إسرائيل".

يشار إلى أن كاتس، وكان حينها وزيراً للاتصالات قد هاجم في تغريدة على "تويتر"، القانون البولندي، وكتب في كانون الثاني - يناير 2018: "بالذات في الأسبوع الذي يتذكر فيه العالم كله فظائع المحرقة، التي قتل خلالها ستة ملايين يهودي، يصادق البرلمان البولندي على قانون خطير لا هدف له إلا التنكر لدور بولندا ومسؤوليتها عن المذبحة الرهيبة التي وقعت على أراضيها. لن ننسى ولن نغفر".
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]