نسبة الفقر في قطاع غزة وصلت إلى 53% في العام 2017، ما يعني أن أكثر من نصف سكان القطاع فقراء، بينهم نسبة كبيرة تعيش في فقر مدقع، أما البطالة فقد بلغت نسبتها قبل عامين 7ر53%، ما يعني أنها اليوم أعلى من ذلك.. هذه ليست إشاعات أو فرقعات إعلامية بل حقائق صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء.
يوضح رئيس مجلس إدارة جمعية رجال الأعمال في غزة علي الحايك في تصريح صحافي أن نسبة الفقر والبطالة في قطاع غزة وصلت إلى ما بين 60- 80% مع وجود نحو 175 ألف خريج جامعي متعطل (فلسطين اليوم في 23 كانون الثاني 2018).. هذه لغة الأرقام وليست إنشاء.
أمام هذا المشهد المأساوي المتواصل منذ العام 2007 والضغوط المتواصلة على المواطن في القطاع، ابتداء من حصار الاحتلال العدواني إلى تقييد حرية الحركة بسبب إقفال معابر القطاع البرية والبحرية إلا في أيام استثنائية من خلال معبر رفح، يضاف إلى ذلك انعدام فرص العمل وإن وجدت فالأجر لا يتعدى شواكل قليلة، وساعات عمل مضاعفة، كلها عوامل ضغط متراكمة نتيجتها الحتمية الانفجار، وهذه نظرية عالمية لا تقتصر على غزة، فتظاهرات الجوع تعم العالم كله، لكن دون تكسير العظام؛ ففي الدول الديمقراطية يسلم النظام الراية معترفاً بفشله الاقتصادي والمالي (اليونان مثالاً).
"بدنا نعيش" حراك وصل متأخراً كثيراً، لأن كل المعطيات والشواهد والتحليلات كانت تؤكد أن الانفجار قادم، وحماس كانت تعي ذلك.
الحراك منذ يومه الأول لم يرفع شعارات سياسية، وبدا بعيداً بشكل كامل عن السياسة والحزبية، كونه يعلم حجم المناكفات السياسية، ولذلك لم يرفع شعار "يسقط حكم المرشد" كما في مصر، ولم يدع إلى إسقاط النظام كما في تونس.. ولم يرفع شعارات التخوين. المطالب واضحة وبسيطة: "عيش كريم" من خلال تحسين الوضع المعيشي وإلغاء أو تخفيض الضرائب التي فرضتها حماس خلال العقد الأخير.. الضرائب متعددة وأسماؤها مختلفة مثل "رسوم التعلية" وهي فرض رسوم إضافية على البضائع الواردة عبر المعابر التي تسيطر عليها حماس بحجة أن الأسعار المدرجة في الفواتير غير حقيقية.. ومنها الرسوم المفروضة على المصانع وتراخيص السيارات خاصة بعد أن وصلت كلفة التراخيص ثلاثة أضعاف ما هو معتمد في الضفة إلى جانب الرسوم الإضافية على الوقود الوارد من مصر، والضريبة غير المعقولة على التبغ، وغيرها الكثير.
كان المتوقع أن تكون حماس مع هذه المطالب وتسمح للناس بالتعبير عن رأيها، لكن ما حدث هو العكس، فعندما ارتفعت الأصوات؛ غضبت حماس، وعندما نزل المواطنون إلى الشارع أصيبت بالجنون، وكان الرد تكسير العظام وتحطيم المنازل والاعتقالات بالجملة.
في ظل هذه الاحداث سنتناول ثلاث قضايا:
القضية الأولى الفتاوى التي شرّعت الضرب وتكسير العظام والقمع.
مجموعة من مفتي حماس ومنذ اليوم الأول بدأت تصدر الفتاوى التي "تحلل" مواجهة من أسمتهم أصحاب الفتنة والضلالة، حتى إن أحد مفتي حماس طالب بالغلظة مع المتظاهرين مستشهداً بآية قرآنية، فسخر كثير من رواد مواقع التواصل من فتواه التي تدعو إلى استعمال العصا الغليظة وليس أي عصا، كي تكون عامل تكسير وتهشيم للعظام. وأكثر من ذلك شجعت هذه الفتاوى العناصر المشاركة في عمليات القمع، وكأن تهشيم العظام يأتي لمصلحة حماية الدين، وكأن تكسير عظام الآمنين ثوابه الجنة.
لهؤلاء المفتين نقول أولاً، اتقوا الله ولا تشوهوا الدين السمح مثل "داعش" فهذا دين الرحمة وليس دين تكسير العظام. ونزيد: منذ سنوات وأنتم تحدثوننا عن مفتي السلطان.. ولم تتركوا عيباً ولا مسبة ولا قدحاً إلا وألصقتموه بهم... أما اليوم فلا نجد تعبيراً يصف مفتياً يحلل تكسير العظام وتخريب البيوت وترويع الأطفال إلا أن نصفه بأنه "مفتي الشيطان"، الذي تجاوز بأشواط بعيد ما يسمونه مفتي السلطان.
القضية الثانية تتمثل في الاعتداء الإجرامي على الكاتب والأديب عاطف أبو سيف، الاعتداء الهمجي على طريقة محاكم التفتيش في العصور الوسطى أكد مدى الحقد على شخص لم يحمل سلاحاً ولا يملك سوى الكلمة والنصيحة.
جريمة أبو سيف عند حماس كبيرة، لأنه نسف بشكل كامل روايتها للأحداث بأن رام الله والسلطة ومخابراتها تريد إنهاء المقاومة وإسقاط حكم حماس. فأبو سيف ومن على شاشات الفضائيات أكد أن الحراك في غزة شبابي مطلبي اقتصادي لا تدعي حركة فتح أنها تقف وراءه، وليس للحركة علاقة مع قادته.. هم شباب سئموا من تراكمات الفقر والبطالة ليس أكثر.
أبو سيف قلب الصورة بشكل كامل ونسف ادعاء حماس بأن هناك تنظيمات وراء الحراك.. فجاءه العقاب على صورة العصا الغليظة والماسورة الحديدية.
تكسير عظام أبو سيف سيظل نقطة سوداء في تاريخ سلطة حماس.
القضية الثالثة هي الإعلام النرجسي الذي حاول بجهل تبني الحراك وإشعال الشارع حسب اعتقاد القائمين عليه، ولكن ما حصل هو العكس تماماً، لأن نتائج ما بثه الإعلام استخدمته حماس في حججها حول وجود مخطط لإسقاط حكمها وإنهاء المقاومة.. دون أن ندري ما علاقة المقاومة بالفقر والجوع.
يقول أحد ناشطي "الفيسبوك" من رام الله وهو شاب مستقل لا ينتمي لأي حزب سياسي ولديه مئات الأصدقاء: منذ اليوم الأول للحراك تبنيناه ودعمنا كمستقلين من أجل تحسين أوضاع الناس ودعمهم للمقاومة واستمرار المسيرات ضد الاحتلال. وفي اللحظة التي بدأت فيها عمليات تكسير العظام كثفنا انتقادنا لحماس وما تقوم به، مما أثار تفاعلاً كبيراً بين الناس في رفض الإجراءات القمعية وتكميم الأفواه.
ويضيف الناشط المستقل: فجأة دخلت على الخط وسائل إعلام وناشطون مسيسون ما تسبب في تغيير الاتجاه.. فقد بدأت تنزل صور عن أحداث وقعت في دول مجاورة.. حينها بدأت حماس تستغل هذا الإعلام للترويج لمبرراتها وقمعها.
هذا الإعلام النرجسي لم يع خطورة توجهاته وانعكاسها على شباب الحراك، فاختلط الحابل بالنابل.
ومع ذلك فإن أهم نتائج هذا الحراك المستقل هو تحطيم جدار الصمت وقرع الخزان بقوة على الرغم من الثمن الباهظ الذي دفعه شبابه.
لأول مرة تهتز سلطة حماس من هبة الفقراء والمتعطلين والمطالبين بالعيش الكريم بحده الأدنى. قد تكون الموجة الأولى قد خفت لهيبها، ولكن الجمر ما زال في قمة اشتعاله. ونذكر في هذا المقام المقولة الشهيرة "عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه".. فكيف يكون الحال بأكثر من نصف شعب فقير!!
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]