ونحن على عتبة يوم الأرض الخالد لا بد من كلمة يراد من ورائها مشورة, باعتقادي يجب أن نعيد النظر في طريقة احيائنا ليوم الأرض الخالد لتبقى ذكراه راسخة في عقولنا وذاكرتنا طيلة الوقت ولا يجب أن تقتصر شعائر احياء ذكرى يوم الأرض، الذي يصادف في الثلاثين من آذار على هذا اليوم فقط. بل الى جانب الفعاليات والنشاطات التي تقام في هذا اليوم، يجب أن نعزز ذكرى يوم الأرض لنجعل ذكراه نهجا في حياتنا اليومية من خلال تثقيف أبناءنا وبناتنا، واحداث التغيير في منظومة القيم لديهم لتعزيز حبهم وانتمائهم للأرض التي يعيشون عليها والتشبث في ارض آبائهم وأجدادهم، لأننا أصبحنا في أمس الحاجة الى ذلك للأسباب التي سأقوم بذكرها لاحقا .

في الآونة الأخيرة، تغلغلت في مجتمعنا عادات وقيم غريبة لم تكن مألوفة لنا من قبل والتي نحاول من خلالها تقاسم العادات والتقاليد مع باقي سكان العالم والشعور باننا جزء لا يتجزأ من هذا العالم الواسع . بهذه الطريقة ابتعدنا عن بعض القيم الأصيلة التي تربينا وترعرعنا عليها مما أضعف علاقتنا بارضنا وبلداتنا.

سأتناول في سياق حديثي ثلاثة محاور اساسية. بداية غزت مجتمعنا ثقافة السفر الى خارج البلاد والتي لم تكن مألوفة في مجتمعنا من قبل والتي أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها في شتى الظروف. تعطينا هذه الرحلات الشعور بأننا متشابهون مع باقي سكان العالم وبالمقابل ابتعدنا عن زياراتنا للأماكن الطبيعية والأثرية في بلادنا والتي تمثل امتدادنا التاريخي والحضاري على هذه الأرض. والأمر ذاته بالنسبة لرحلاتنا المدرسية والتي تكاد تخلو هي الأخرى من الحس المعرفي ولا تكتمل فرحة طلابنا الا بزيارة الأماكن الترفيهية.

الأمر الآخر الملاحظ أن المجمعات التجارية أصبحت تعج بالمواطنين العرب الذين يرتادون هذه المجمعات بأعدادهم الكبيرة وأصبح هؤلاء يشكلون قوة شرائية لا يمكن الاستهانة بها أو حتى الاستغناء عنها. تشكل المجمعات التجارية بالنسبة للسكان العرب وغيرهم بيئة موسعة (extended milieu) ، بحيث توفر هذه المجمعات ظروفا جغرافية واجتماعية منفصلة يمكن أن تهيئ لروادها بيئة معاصرة تختلف كليا عن البيئة المحلية التي يعش بها رواد هذه المجمعات. بكلمات أخرى يعطي المجمع التجاري هؤلاء السكان احساس من نوع آخر. احساس بأنهم متواجدون في مكان معين ولكنهم يعيشون في مكان أخر ( feeling of being elsewhere).

نشعر حين زيارتنا المتكررة للمجمعات التجارية اننا نتشارك مع باقي سكان العالم، وأعني في كلامي المجتمعات الغربية ، نفس القيم ، العادات والتقاليد باعتبار أن هذه المجمعات تابعة لشركات عالمية والحوانيت التي بداخلها تابعة أيضا لماركات عالمية، ولم يعد بمقدورنا التمييز بين مجمع تجاري وآخر سواءا˝ كان ذلك في داخل البلاد أو خارجها. هناك دراسات تشير الى أن العرب هم القوة الشرائية الكبرى التي تعتمد عليها هذه المجمعات . ولهذا يتم اعطاءهم التسهيلات اللازمة من أجل تشجيعهم لريادة المحال التجارية داخل هذه المجمعات مثل: تشغيل فتيات عربيات لتسهيل عملية البيع والشراء على السكان العرب داخل هذه المجمعات. منح رواد المجمعات التجارية الشعور بالأمن كباقي رواد المجمعات التجارية بحيث يتم التعامل معهم كزبائن ولا يتم التعامل معهم وفق انتمائهم القومي والديني وما الى ذلك. هناك مجمعات تجارية في البلدات اليهودية هجرها سكانها اليهود بسبب " تعريب " هذه المجمعات لكثرة الزوار العرب اليها.

الأمر الملفت للنظر أن المجمعات التجارية أصبحت تحتل حصة الأسد من حيث أماكن قضاء أوقات الفراغ لدى السكان العرب. من خلال استطلاع قمت باجرائه في المجمعات التجارية ( في حيفا, كرميئيل, الناصرة والناصرة العليا والعفولة)، يستشف أن 22% من العائلات او الأشخاص الذين شملتهم عينة البحث والذين وصل عددهم الى 145 مستطلعا مستطلعة، يزورون المجمعات التجارية أكثر من مرة واحدة بالأسبوع، عادة برفقة أبناء عائلاتهم. 29% يرتادون المجمعات التجارية مرة واحدة بالأسبوع بينما أجاب 37% من المستطلعين أنهم يرتادون المجمعات التجارية مرة أو مرتين في الشهر. ما يقارب 66% من المستطلعين أجابوا أنهم يرتادون المجمعات التجارية من أجل المشتريات ولقضاء أوقات الفراغ. يعزو بعض من اجريت معهم مقابلات داخل المجمعات التجارية الى توفر الأمن والأمان داخل هذه المجمعات (30%)، أضف لذلك بأنه يمكن التغلب على ظروف المناخ داخل هذه المجمعات (26%). ويعترف بعض من أجريت معهم مقابلات في المجمعات التجارية أن المجمعات التجارية أصبحت تشكل بديلا للتنزه في المناطق الطبيعية في ربوع بلادنا للأسباب التي ذكرتها سابقا.

المحور الآخر يتطرق الى الأعمال الخيرية التي باتت تغزو مجتمعنا تحت مسميات مختلفة. أن أيام التطوع وأيام العطاء كانت وما زالت جزء لا يتجزأ من ثفافتنا وحضارتنا والتي تنمي لدينا حبنا لبلداتنا وانتمائنا لها. هذه المبادرات تتم من قبل المدارس وأحيانا من قبل متطوعين ولا ننسى المعسكرات التي تقوم على تنظيمها الحركة الاسلامية لدعم صمود أهلنا في النقب وفي المدن المختلطة. في الآونة الأخيرة تحاول جمعيات دخيلة على مجتمعنا الترويج لأفكار، هي بالأصل نحن من أوجدها، تحت مسميات مختلفة كيوم الأعمال الخيرية أو كما يسميه البعض doing good، والتي تشرف عليها هذه الجمعيات ونحن نتسابق للمشاركة في مثل هذه النشاطات لنعزز شعورنا بأننا جزءا لا يتجزأ من الغالبية العظمى متجاهلين أننا من أوجد أصلا هذه المبادرات ونحن أحق بها من غيرنا من أجل تسخير هذه الأعمال التطوعية لتقوية ارتباطنا بأرضنا وأرض أجدادنا.

أن السفرات الخارجية, الرحلات الترفيهية وريادة المجمعات التجارية لا تشكل بديلا لمعرفة بلادنا والتجول بين أحضان طبيعتها يجب ان نزرع في نفوس أبنائنا محبة الأرض من خلال اشتمام عبق زعترها وزيتونها والتعرف على مسمياتها, تاريخها وجغرافيتها . يجب أن نكرس رحلاتنا المدرسية والعائلية للتعرف على طبيعة بلادنا, نباتاتها وأشجارها. يجب أن نجعل من ذكرى يوم الارض يوما للعطاء يوما يعمل فيه ابناءنا على تنظيف أحيائهم وبلداتهم، مساجدهم وكنائسهم لننمي فيهم حبهم لبلدهم ولمجتمعهم عملا بنهج ديننا الحنيفبسم الله الرحمن الرحيم: "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ".

فَلاَ نَفْشَلْ فِي عَمَلِ الْخَيْرِ لأَنَّنَا سَنَحْصُدُ فِي وَقْتِهِ إِنْ كُنَّا لاَ نَكِلُّ)." )كذلك ورد في الانجيل:

 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]