نكبة جديدة، مصطلح يناسب تماما ما يمر به المجتمع الفلسطيني في الداخل اليوم، الا انها نكبة بنكهة التدمير الذاتي والانتحار، فلا يمر يوم او بالأحرى ليلة الا وقد أصبحنا بعدها على فعل اسود لخفافيش الظلام التي انتشرت بشرعية السلطة والحكومة مؤخرا وبدأت تعمل بجهد وحزم واجتهاد ومثابرة عكس الشرطة على القيام بواجبها وقتل وازهاق الأرواح وسط تخاذل مجتمعي بمؤسساته المختلفة وتخاذل سلطوي بنيته الواضحة والمباشرة لتفكيك وتدمير مجتمعي ضمن خطة سياسية محكمة ومدروسة. وصلاحيات محدودة متعمدة سلطوية عربية مثل رؤساء البلديات في مواجهة نكبة جديدة.

قبل أيام يد وفي اول أيام الشهر المبارك يد الغدر طالت توفيق زهر الفنان النصراوي من خلال رصاصة طائشة، رقصاته وقلبه الطيب واخلاقه الحميدة وسمعته الرائعة ومحبة الجميع له كل هذا لم يشفع له لدى المجرم الذي خطط دبر ونفذ وبالنهاية "رصاصة طائشة" واما الليلة الماضية قرر احد المجرمين ان يحصل حقه من وسام ياسين من طمرة بيديه من خلال قتله والأسباب واهية، ما يشير الى اننا اصبحنا نمثل كل الأطراف بما فيها الطرف المنفذ للحكم فنقتل ولا نلجأ لتحصيل حقوقنا للقانون والقضاء، "حاميها حراميها" كما يقولون فأصبحت لجان الصلح اليد التي تضرب من حديد وهي بؤرة الاجرام والتعنيف، أزمة مجتمعية خانقة بل أسوأ من النكبة يمر بها مجتمعنا، ودائما ذات الخطابات والشعارات، "بكرا" توجه اليوم الى فئة وشريحة جديدة في المجتمع ليسمع رأيها بما يتعلق بهذه الازمة، شريحة المحامين التي تنظر الى الامر بمنظور عملي بحت بعيدا عن العاطفية والشعارات الرنانة والزائفة.

نقابة المحامين تملك دورا مساهما في مجتمعنا وممكن ان تضغط على الشرطة

المحامي سري خورية قال في هذا السياق معقبا: سأبتعد خلال تعقيبي هذا عن المثاليات التي يعيشها مجتمعنا اليوم وسأكون عيني، نواجه مشكلة الان ويطرح السؤال حول الحل، بالتأكيد فانه لن يكون هناك حلولا سحرية او أفكارا خلاقة، اعتقد انه يجب ان يكون هناك عملية ردع أي الضغط على الجهاز القضائي وجهاز الشرطة في إسرائيل بكل قوتنا بهدف تفعيلهم لردع المجرمين، ما حصل من جرائم قد حصل ولا داعي لأن نستمر بالبكاء ولكن مستقبلا على الشرطة ان تقدم المجرمين الى المحاكم ومعاقبتهم ما يشكل ردع، طالما الشرطة تتقاعس في عملها ونحن نلومها من بعيد فان ذلك لا يكفي.

وتابع: نحن نملك الوسائل كجسم نقابة المحامين يجب ان يكون لنا دور مساهم في مجتمعنا كحقوقيين حتى نشكل ضغط قوي جدا على الشرطة لتفعيلها في الوسط العربي، للأسف الشرطة فقط تعمل في قضايا سخيفة مثل السير وما شابه وطالما لا يوجد خطر على أمن الدولة فان الشرطة لا تحرك ساكنا، حتى مراكز الشرطة في الوسط العربي شكلية ليس اكثر وهناك مراكز شرطة لا تملك سيارات شرطة حتى مثل شفاعمرو، بالإضافة الى رؤساء البلديات والمجالس المحلية الذين يملكون كل الصلاحيات للتأثير على ضابط الشرطة في نطاق البلدية، لا يكفي ان نقوم بجلسات.

رئيس البلدية يملك التأثير على الشرطي في نطاق البلدية وتخويفه للقيام بواجبه ومحاربة الجريمة

وقال: في شفاعمرو انا كمحامي توجهت الى مجموعة في البلدية ومن ثم الى رئيس البلدية وتوجهنا الى ضابط الشرطة وهددناه انه في حال لم يقم بواجبه كما يجب فانه سيخسر عمله وفعلا خلال هذه الفترة لاحظنا تغيير قوي جدا عندما شعر بتهديد على مكان عمله، بالإضافة الى جمع السلاح، لا اطلب من اشخاص مواطنين ان تحارب الجريمة، ليست وظيفة المواطن ان يهتم بأمن المواطنين، هناك منظومة معينة تعمل في الدولة ويجب الاستفادة منها، الشرطة، وزارة الداخلية والامن العام، هناك جهات عديدة ممكن ان تعمل على جمع السلاح، انا شخصيا كنت شاهد في قضايا عينية لأسلحة بيعت في كفركنا بمبالغ تتعدي ال3000 شيكل، وللأسف فان كفركنا يتم فيها اكبر عمليات أسلحة وحتى ان مركز الشرطة الذي افتتح مؤخرا لا يقوم بواجبه، انا اعتقد اننا كنقابة محامين وخاصة قبل الانتخابات، جميع القوائم المتنافسة في الوسط العربي عليها ان تكون قوة فاعلة في الضغط على وزارة الامن العام في إسرائيل.

رؤساء البلديات متخاذلون!

ونوه قائلا: فقط بهذه الطريقة نتقدم، هناك تخاذل من رؤساء البلديات، هم فقط يفكرون كيف يفوزون بالانتخابات من دورة الى أخرى، لذلك فان نقابة المحامين تلعب دور قوي وممكن تفعيلها.

وبالرغم من الوضع الموجود الا ان خورية قدم نصيحة للمحامين بأن يلتزموا بالتمثيل اللائق وبأمانة المهنة لموكليهم حتى في حالة الشبهات المؤكدة حول إمكانيات ارتكاب جريمة معينة وقال: انا اسير وفق المثل القانونية القصوى حيث انه على المحامي ان يقوم بعمله حتى عند وجود شك معين بان موكله قام بالجريمة، ممنوع ان يتأثر المحامي من الأفكار طالما لا يوجد ادلة كافية بان موكله قام بالجريمة، المحامي في هذه المرحلة لا دخل له بالقضية العامة، هناك قضية عينية ويجب ان يعمل وفق المقاييس المتعارف عليها حتى يمثل موكله افضل تمثيل.

وعاد لينبه: ولكن من ناحية أخرى هناك اطر أخرى ومنظومات ممكن تفعيلها بالشكل الصحيح، النواب العرب، البلديات، حيث ان رؤساء البلديات لديهم قدرة خلال الانتخابات بتحصيل الأصوات فهم يستطيعون الضغط على الشرطة وحتى التوجه الى الوزارات المعنية، عندما يخاف مدير الشرطة في البلدية على كرسيه فانه سيعمل جاهدا على محاربة العنف لذلك علينا ان نستعمل هذه القوة حتى ننجح.

نحل مشاكلنا بالأسلحة ولا نلجأ الى القانون

المحامي احمد مصالحة، والمعروف بخبرته في القضاء الجنائيّ، عقب بدوره قائلا: للأسف مجتمعنا دخل في وضع من الفراغ السياسي والاجتماعي والخلقي والتربوي حيث وصلنا الى نتيجة بانه كل مشاكلنا تحل بالعنف، حتى اننا اليوم صرنا نخاف التحدث الى ولد صغير خوفا من ان يطلق النار، العنف والجريمة تفشيا في مجتمعنا واصبحا ينتقلان من قرية الى أخرى بنفس الطريقة ونفس الأدوات، قديما في أي مشكلة بين اطراف في المجتمع العربي كانت من خلال اليدين او العصي اما اليوم نحن نرى الأسلحة، الوسط العربي اليوم مليء بالأسلحة ونحل كل نزاعتنا من خلال السلاح والعنف ولا نلجأ الى الطرق القانونية او نذهب الى المحاكم.

عندما يكون المعتدى عليه يهودي فانهم يجدون القاتل خلال ساعات

وتابع: نحن كمواطنين لا نستطيع ان نطبق القانون على الجميع، نحن بحاجة الى الشرطة لانه بدون الشرطة وقوتها، لا يستطيع الوسط العربي بقياداته ومحاميه وأئمته ان يحاربوا العنف، علما ان جميعنا متقاعسين في موضوع المناهضة، ولكن بالرغم من فشلنا كمربين ومثقفين وسلطات محلية ولجنة متابعة، الا ان الفاشل الأكبر والمسؤولية تقع على عاتق الشرطة وانا اتهمها انها لا تقوم بأي امر في الوسط العربي بقطع دابر الجريمة، عندما يكون المعتدى عليه يهودي فانهم يجدون القاتل خلال ساعات واذا كان عربي فانهم يسجلون الملف ضد مجهول، لذلك يجب مطالبة الشرطة والحكومة حتى بتزويد الشرطة بميزانيات لمكافحة الإرهاب في المجتمع العربي، على الحكومة ان تقوم بسياسة جديدة بقمع الإرهاب في الوسط العربي.

النكبة اقل مما نعانيه اليوم في الوسط العربي لان نكبتنا قد تعود وبعنف

ونوه: انا أخاف انه في حال استمرار الشرطة والسلطة بتقاعسها واستمرارنا بالوضع الحالي فانه بعد سنوات سيتم طردنا من البلاد، لأننا بهذه الطريقة نمحي وجودنا كفلسطينيين أصبحنا نكره بعضنا البعض ولم يعد لدينا رحمة او تكاف اجتماعي، علينا ان نهب هبة واحدة وان نرغم الشرطة على القيام بواجبها، للأسف اليوم مجتمعنا يحترم المجرمين ويدخلهم الى البيوت ليحل المشاكل مثل لجان الصلح، محامين وغير محامين يجب ان نعمل على تغيير الوضع الموجود، للأسف النكبة اقل مما نعانيه اليوم في الوسط العربي لان نكبتنا قد تعود وبعنف.

انتقال المجتمع من التقليد الى التمدن بشكل غير امن أدى الى هذه الحالة

المحامية رويدا طاطور قالت بدورها لـ"بكرا": يشهد المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل ارتفاعا حادا في حالات العنف وفي ظواهر العنف المختلفة، بالرغم من ان نسبة العرب في إسرائيل تقارب 20% ولكن نسبة ضحايا القتل والعنف هي اكثر بكثير وذلك مرتبط بعدة عوامل أهمها سياسة التمييز التي تتخذها الحكومة ضد العرب في كل مناحي الحياة واهمها المجالات الاقتصادي والاجتماعي والتربوي وغيرها مما يشكل عدم مساواة بين المجتمعين العربي واليهودي وهذا ما يجعل الهوة كبيرة بين المجتمعين وتؤثر بشكل مباشر على ظاهرة العنف حتى اصبح المجتمع العربي يعيش في خوف وعدم امان واستقرار طيلة الوقت، واصبح الكثيرين من أبناء مجتمعنا يخافون على امنهم الشخصي وامن عائلاتهم بسبب الازمة التي تهدد وجودهم واستقرارهم في بيئتهم القروية والمدنية.

وتابعت: هنا يجب التركيز على ان مجتمعنا الفلسطيني قد مر بمرحلة انتقال من المجتمع التقليد الى المجتمع المتمدن وفي هذه المرحلة قد فقد اهم الاليات التي ممكن ان تساعده في هذا الانتقال بشكل صحي وطبيعي بسبب تقصير الشرطة بالقيام بواجبها وتقصير المؤسسات القانونية بالقيام بواجبها أيضا ما ترك حالة فراغ لدى المجتمع وضبابية في طريقة الانتقال الامنة من حالته التقليدية الى المتمدنة. ما ساهم بانتشار ظاهرة العنف في السنوات الأخيرة، بالإضافة الى انعدام الثقة بين المجتمع والشرطة بعد انتفاضة الأقصى عام 2000 ما سبب برفض مجتمعي أحيانا لتدخل الشرطة في قضايا المجتمع.

استحداث اليات تأخذ بعين الاعتبار طبيعة العلاقة بين المواطنين العرب وبين الشرطة الإسرائيلية

وتابعت عن الحلول: اعتقد كمحامية انه على الشرطة ان تأخذ دورها في محاربة الجريمة في المجتمع العربي كما تفعل في المجتمع اليهودي دون تمييز، كما ان مؤسسات تطبيق القانون يجب ان تلعب دورا فاعلا وحقيقيا في المجتمع وان لا نراها فقط في المحافل السياسية لا غير، المسؤولية يتحملها الجميع والاهم الشرطة والسلطة، كما انه يجب على الشرطة والحكومة وضع خطة شاملة تأخذ بالحسبان خصائص المجتمع الفلسطيني واستحداث اليات تأخذ بعين الاعتبار طبيعة العلاقة بين المواطنين العرب وبين الشرطة الإسرائيلية. وعلى القيادات ان تأخذ دورها بشكل واسع وشامل.

قوانين جديدة تمنع الجريمة

وأضافت متطرقة الى الزاوية القانونية: يجب التفكير أيضا بقوانين جديدة تساهم في منع الجريمة قبل وقوعها بشكل يلائم المجتمع العربي، حيث انه من تجربتي الخاصة في ورشات العمل التي تقوم بها مع جيل الشباب في المجتمع العربي ينقص هذه الشريحة المهارات البشرية والحياتية لاستخدامها في سلوكياتهم والتي تستخدم على نحو ملائم في إدارة شؤونهم الشخصية ما يساعدهم بالتعامل مع المشكلات والاسئلة التي تواجه عادة حياة الانسان وخصوصا لحظات الاختلاف بالرأي وذلك ضمن المعايير الاجتماعية وتوقعات المجتمع والصفات الشخصية من حيث العمر والجنس ومستوى التعليم والمهارات التي يتقنها الفرد عن الاخر وهذا ما يجعله يتكيف مع كافة الظروف والنجاح في نهضة مجتمعه وازدهاره والوصول الى مجتمع مدني متقدم.

التربية إلى الحوار

اما المحامي الشاب انس ابو حسين فقال لـ "بكرا" معقبًا: قبل الحديث عن الدور المتوخى منا في محاربة الجرية لا بد أن نتطرق إلى معنى الجريمة، فلا يمكن اختصارها على المس الجسدي، فمن المؤسف الجرائم الإلكترونية والعنف الإلكتروني الذي نراه اليوم له تداعيات كبيرة، قد نقول أنها تصل إلى مرحلة المس الجسدي في بعض الأحيان.

وأضاف: مع تفشي العنف في مجتمعنا نلمس التفاف جماهيريّ لمواجهته، وبالطبع هذا ليس كافٍ، فيحاول مجتمعنا أخذ دور الأطر والهيئات التي من المفترض أن تواجه العنف وتعمل على استئصاله.

وأوضح: من خبرتي كمحامٍ، معظم الشباب الذي يدخل إلى دوامة المشاكل والجنائيات، افتقر سابقًا إلى توجيه وإرشاد، عليه، وكي نتدارك الجريمة والعنف المستشري يجب الا نحدد آليات النضال لمواجهته بإضراب هنا أو مظاهرة هناك، انما يجب أنّ نعمل وبشكل جديّ على توعية الأطفال في المدارس، التوعية إلى تبني اسلوب حوار حضاري ولائق، وايصال رسائل دون الرجوع إلى العنف.

وقال: بهذه الطريقة، خلق بيئة تربوية سليمة، ممكن أن نهيأ جيل جديد، بعيد عن العنف وبعيدًا عن المشاكل، طبعا اضف إلى ذلك علينا أن نستمر في ادوات النضال الحالية كما والضغط على الشرطة في أخذ دور فعال في مكافحة الجريمة، فما يحصل في ام الفحم وطمرة والناصرة وسائر البلدات العربية يؤكد على أنّ الشرطة تضع هذا الموضوع في أسفل سلم الأولويات، وتقوم ببناء برامج وهميّة فقط لتصدرها إلى منظمة التعاون والتنمية، الـ OECD، والتي تلزم إسرائيل للحفاظ على عضويتها في المنظمة خفض نسبة الجريمة. 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]