كشفت نتائج استطلاع حديث للرأي ابتعاد العرب عن التدين وارتفاع نجم غير المتدينين في المنطقة بين عامي 2013 و2019، بالإضافة إلى نسب ونظرات جديدة للشعوب القاطنة فيها حول الهجرة وجرائم الشرف والديمقراطية والعداء لـ "إسرائيل".

وتم إجراء الاستطلاع عبر شبكة "البارومتر العربي" البحثية المستقلة لمصلحة شبكة "بي بي سي" البريطانية بعنوان "الاستطلاع الكبير"، إذ يعد الأكبر والأوسع والأعمق قي منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حسب الشبكة.

وتوصل الاستطلاع، الذي شارك فيه أكثر من 25 ألفاً من سكان عشر دول بالإضافة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة في أواخر عام 2018 وربيع عام 2019، إلى وجود طيف واسع من الآراء حول قضايا شتى من الدين إلى حقوق المرأة ومن الهجرة إلى تقبل الشواذ جنسياً.

الباحث في العلوم الإسلامية، الدكتور عبد الرحمن الحوت قال لـ "الخليج أونلاين":إنه "لا يمكن إنكار واقعية هذا الاستطلاع، لكنه بتصوري يعبر عن جزء فقط من عدة أجزاء موجودة في مجتمعاتنا المختلفة والمضطربة نتيجة الأحداث والتحولات التي تشهدها الساحة مؤخراً".

تراجع التدين
وقال الاستطلاع: إنّ "عدداً متزايداً باطراد من العرب يديرون ظهورهم للدين والتدين"، فمنذ عام 2013 ارتفعت نسبة الذين يصفون أنفسهم بأنهم "غير متدينين" من 8% إلى 13%.

ويصف ثلث التونسيين وربع الليبيين أنفسهم هكذا، أما في مصر فقد تضاعف حجم هذه المجموعة، في حين تضاعف حجمها أربع مرات في المغرب، بحسب الاستطلاع.

ولم يشذ عن هذه القاعدة إلا اليمن، الذي انخفضت فيه نسبة "غير المتدينين" من 12% في عام 2013 قبيل اندلاع الحرب في البلاد إلى 5% في عام 2019.

وأوضح "الحوت" أنه "لا شك أن تعثر الربيع العربي أدى دوراً في ذلك، خصوصاً أمام ظاهرة التدين التقليدي، التي لم تكن مبنية على الاقتناع والانسجام التام بين ما تعتقد وتمارس، وجاءت هذه الثورات كحالة رفض لكل سلطة تقيد من حرية الفرد وتحول بينه وبين طموحاته وأحلامه. ومن المؤسف أن تفهم ظاهرة التدين على أنها تقييد للحريات".

واعتبر "الحوت" أنّ وصول تيارات إسلامية إلى السلطة ثم حدوث انقلابات أودت بها، أدى إلى فقدان الثقة بهذه الحركات، والتي "كانت تعتمد على عاطفة الجماهير وتعمل على تجييشها باسم شعارات وأهداف عريضة".

وشدد على أنّ "النفور الحاصل هو من هذه الجماعات لا من الدين، ولا أدل على ذلك من الواقع المعيش واصطباغ مجتمعاتنا بحالة وجدان لا تجدها في غيره. نعم نفروا من هذه الجماعات، لكن الوعي يجعلهم يعيدون النظر والتفريق بين الدين والمتدينين".

تمكين المرأة
بيّن الاستطلاع بالنسبة لتمكين المرأة أنّ ثلاثة أرباع المشاركين في لبنان أكدوا أنه ينبغي أن تتمتع المرأة بهذا الحق، ولم تشذ عن القاعدة إلا الجزائر، التي قال أقل من نصف عدد المشاركين فيها إنهم يؤيدون حق المرأة في أن تصبح رئيسة للدولة.

ولكن الأمر يختلف عندما يتعلق بتوازنات القوى في الحياة اليومية، إذ إن أغلبية المشاركين - بما في ذلك معظم النسوة - يعتقدون أنه ينبغي للزوج أن يكون له القول الفصل في القرارات الأسرية.

وعلق الباحث في العلوم الإسلامية، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، على ذلك بالقول: "ربما مرد ذلك لثقافتنا الشرقية عموماً؛ وعدم قدرتنا على تقبل أن تكون المرأة صنو الرجل في شتى المجالات والتي منها تدبير شؤون الأسرة".

رفض الشذوذ
ولا تعتبر الدرجة متقاربة فيما يخص تقبل "المثلية الجنسية" في البلدان العربية المختلفة، ولكنها في العموم منخفضة جداً، ففي صفوف فلسطينيي الضفة الغربية قال "5% فقط إنه من المقبول أن يكون المرء مثلياً"، وحتى في لبنان، المعروف بأنه أكثر تحرراً من الناحية الاجتماعية من سواه، لا يتقبل المثلية الجنسية إلا 6% من السكان.

الباحث "الحوت" أعاد توسع تقبل الشذوذ في المجتمعات العربية إلى "مجاراة ما يشاع ويروج له، ظناً أن ذلك من سمات المجتمعات الحديثة والعقل المنفتح، دون تبصر خطر ذلك وضرره على الفرد والأسرة والمجتمع".

ترامب وبوتين وأردوغان والديمقراطية
وبيّن الاستطلاع أن كل المناطق التي أجري فيها تضع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وسياساته الشرق أوسطية في المرتبة الأخيرة، في حين عبّر نصف عدد المشاركين في 7 من المناطق الإحدى عشرة المستطلعة عن رضاهم عن سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيال الشرق الأوسط، ولم يشذ عن هذه القاعدة إلا لبنان وليبيا ومصر، التي فضّل المشاركون فيها سياسات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على سياسات أردوغان.

سياسة

وفي سياق آخر، حول انزلاق البلاد العربية نحو الديكتاتورية وابتعادها عن الديمقراطية، خلص الاستطلاع في عام 2013 إلى أن سكان الجزائر والأردن والعراق هم الأكثر ترجيحاً لاعتبار بلدانهم أقرب إلى الديمقراطية من الديكتاتورية.

وفي حلول عام 2019 تغيرت الآراء حول ذلك، فقد أصبح الجزائريون أكثر تشاؤماً إذ لم ير إلا ربعهم أن بلدهم بلد ديمقراطي، والجزائريون، حالهم حال الدولتين التاليتين في هذه المقارنة وهما ليبيا والسودان، شهدوا اضطرابات سياسية أو "حرباً أهلية" في الأشهر التي تلت إجراء الاستطلاع.

نظرة العداء إلى "إسرائيل"
ولفت الاستطلاع إلى أنّ الموضوع الأمني ما زال يمثل هاجساً في مناطق عديدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ويضع المشاركون في ست مناطق دولة الاحتلال الإسرائيلي على رأس قائمة التهديدات لاستقرار مناطقهم وأمنها الوطني؛ ولا سيما في المناطق المتاخمة لدولة الاحتلال مثل لبنان والأراضي الفلسطينية.

كما أشار إلى أن معظم سكان المناطق المجاورة لإيران كالعراقيين، بالإضافة إلى اليمنيين، يرون إيران مصدر التهديد الأكبر، وإن كانت الولايات المتحدة الأمريكية تمثل تهديداً ثانياً بعد "إسرائيل"، في حين تحل إيران ثالثاً.

الهجرة
ولعل الهجرة كانت رغبة عارمة لدى الكثير من الذين شملهم الاستطلاع، والسبب الأساسي في ذلك اقتصادي.

وفي ست من المناطق المستطلعة، يفكر في الهجرة عدد أكبر ممَّا كان الوضع عليه في عام 2013، وقد شهد الأردن أكبر زيادة في هذا المجال، إذ ارتفعت نسبة الراغبين في الهجرة هناك من الربع في عام 2013 إلى النصف تقريباً اليوم.

أما في السودان فقد انخفضت النسبة ولكنها ما زالت تمثل نصف عدد السكان، في حين تزيد النسبة على 40% في كل من الأردن والمغرب.

وما برحت القارة الأوروبية المقصد المفضل للراغبين في الهجرة، تفقد جزءاً من بريقها في الآونة الأخيرة لتصل إلىى نسبة 42% اليوم مقارنة بـ51% عام 2016.

من جانب آخر، ارتفعت نسبة الذين يفكرون في الهجرة إلى دول الخليج انخفاضاً طفيفاً لتبلغ 20%.

ويعتقد "الحوت" في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن دوافع الهجرة نحو الغرب على حساب الخليج العربي تعود إلى "أنه في أوروبا وأمريكا يحصل المرء على نسبة كبيرة من الاستقرار وتأمين أساسيات العيش الكريم والصحة والتعليم دون جهد أو مذلة".

الهجرة

ويعد استطلاع 2018-2019 هذا الأكبر الذي يجرى في المنطقة على الإطلاق قياساً بعدد المشاركين وعدد الدول التي شملها، كما يعد الأعمق من ناحية شمولية الأسئلة التي طرحت على المشاركين، وقد أجريت المقابلات مع المشاركين، واستغرق كل منها 45 دقيقة باستخدام الحواسيب اللوحية من قبل باحثين في أماكن تتمتع بالخصوصية.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]