على ما يبدو ان كافة إجراءات القمع والتنكيل ومحاولات الاخضاع وتكسير الرأس التي حاولت الشرطة الإسرائيلية ممارستها بحق الشاعرة دارين وثنيها عن كتابة الشعر المقاوم، لم تفلح، فبعد ان سجنت دارين فترة ثلاثة اعوام ونصف متنقلة ما بين الحبس والإقامة الجبرية لم تشعر انها نالت حريتها بالفعل الا عندما استأنفت على قرار منعها من كتابة الشعر " المقاوم " واستردت حقها بالكتابة.

دارين طاطور شاعرة ثلاثينية، من بلدة الرينة الواقعة في الجليل الأسفل، تشكل مصدرا للإلهام ورمزا للصمود حكايتها بدأت قبل خمسة أعوام حين رفضت الاستسلام لسياسات القهر التي تحول دون تفجر الانتفاضات والثورات الشعبية من اجل الحرية والتحرر، ولم تنته حتى يومنا هذا، "يحق للشاعر ما لا يحق لغيره"، تقول دارين لتنتفض في وجه التهديد والخوف، نشرت حينها قصيدة بعنوان "قاوم يا شعبي" واعتقلتها الشرطة "الإسرائيلية" على اثرها وخيطت لها لائحة اتهام مزيفة لتشرعن قمع حرية الكلام والتعبير واعتقالها لشاعرة تهمتها فقط انها مارست حقها الطبيعي بالنقد والكتابة ما دون التحريض في دولة تعتبر نفسها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، تنوعت التهم ما بين "التحريض على العنف" و"تأييد منظمة إرهابية" قالوا حينها بانها "الجهاد الإسلامي"، تقول دارين "حتى يضخموا لائحة الاتهام احضروا خبرا عن "الجهاد الإسلامي" كنت قد نشرته في صفحتي قبل عام واضافوه الى التهم، كنت حينها صحفية وناشطة سياسيا وحقي ان اكتب الشعر ولا يوجد أي قانون يمنع انسان او فنان من التعبير عن رأيه، يقولون اننا نعيش في دولة ديمقراطية وحقي ان اعبر عن رأيي في الاحتلال من خلال شعري وفني".

إسرائيل دولة ديمقراطية فقط لليهود

التحقيقات مع دارين استمرت لفترات طويلة ومتباعدة حاولت النيابة مارس خلالها المحققون الاسرائيليون كل اشكال التعذيب النفسي، "معظم الفترة قضيتها في زنزانة منفردة حتى يجبرونني على الاعتراف بأمور لم تحدث"، وق تعرضت لمحاولة تحرش من قبل أحد المحققين الإسرائيليين وصدته، طلبوا منها الاعتذار لكنها رفضت ان تتنازل عن حقها بالنضال من خلال القلم ودافعت عن حريتها بالتعبير، وضعوها معظم فترة التحقيق في غرفة باردة لكسر ارادتها التي ازدادت عزيمة وقوة ومقاومة كلما اشتدت العاصفة. لتسجن فترة ثلاثة سنوات ونصف من 2015\10\11 وحتى 2018\9\21 وتتنقل لمدة خمسة اشهر بين السجون وفترة ثلاث سنوات في الإقامة الجبرية، سنتين منهما قضتهما في مستوطنة يهودية مرفقة بحراسة يومية لمدة 24 ساعة، ومزودة بقيد الكتروني وقد منعت من استخدام الانترنت او الزيارات او الخروج من البيت، والسنة الأخيرة من العقوبة قضتها في منزل عائلتها بنفس القيود، وتعتبر الإقامة الجبرية إحدى العقوبات المُقيدة لحرية الأفراد والمستخدمة في "إسرائيل"، بمحاولة لتحقيق الردع من وراء تطبيقها وتحديدا لأولئك المكررين للجرائم غير الجنائية "الأمنية". في بداية اعتقالها حاولت الشرطة الإسرائيلية إخضاعها واجبارها على الاعتراف بالخطأ في اطار صفقة ادعاء مع النيابة ووعدتها بتخفيف العقوبة من ثلاث سنوات الى ستة اشهر لكنها آثرت السجن على التنازل وقررت فضح منظومة المحاكم الإسرائيلية والسياسة التي تنتهجها بحق الفلسطينيين، "قلت لهم اذا كانت القصيدة خطر وتحريض استطيع ان احذفها واقفل الفيسبوك ولكنهم لم يهتموا وبقيت القصيدة في حسابي وتم تداولها"، حتى ميري ريغيف وزيرة الثقافة والرياضة المعروفة بمواقفها اليمينية المتطرفة وعدائيتها للفلسطينيين نشرتها في صفحتها لتحرض ضدها، "هذا اكبر دليل ان إسرائيل دولة ديمقراطية فقط لليهود".

معاناة الاسيرات الفلسطينيات في السجون الإسرائيلية!

دارين حملت قضية شعبها الى داخل قضبان السجن، لتخرج بعد ذلك وحملها مضعف، مثقلة بالهموم بسبب واقع الاسيرات الفلسطينيات اللواتي تركتهن ورائها في سجون الاحتلال، خمسة شهور قضتهم في الاسر لتحصل على شرف مرافقة بعض الاسيرات الفلسطينيات وتعيش معاناتهن بشكل ملموس، اذ تواصل قوات الاحتلال انتهاك حقوق الأسيرات والمعتقلات الفلسطينيات في سجونها، بما يخالف اتفاقية مناهضة التعذيب التي حظرت المعاملة غير الإنسانية في السجون حيث تعاني الاسيرات من أوضاع سيئة جدا على كافة المستويات، تحيطهن ظروف يصعب العيش فيها، بحسب تقارير حقوق الانسان في داخل "إسرائيل" فان سجن الدامون الذي سجنت به دارين لا يصلح لتربية الحيوانات فقد تم بناءه في عهد الدولة العثمانية واستغل لحفظ التبن او الدخان ويحتوي على نسبة رطوبة عالية جدا، حمامات السجن مشتركة، لا يوجد مكتبة ولا تقوم إدارة السجن بتوزيع الكتب على الاسيرات، الساحة مغلقة ومحاطة بكاميرات مراقبة ما يضاعف صعوبة التحرك براحة لدى الاسيرات خصوصا اللواتي يرتدين حجاب الرأس، وما يزيد الطين بلة هو وجود حراس ومدراء اقسام ذكور، لا تتلقى الاسيرات خدمات طبية وعلاجات للأمراض التي يعانينها، بعض مما رأته دارين تصف "هناك اسيرات مصابات برصاص حي ولا يتلقين علاج ويضطررن الى علاج انفسهن" خلال فترات السجن الطويلة التي تصل الى احكام مؤبد، تمنع الاسيرات من الزيارات او لقاء اقربائهن بذريعة امنية، خصوصا اسيرات غزة التي لهن حصة الأسد من المعاناة فلا يحق لهن استقبال عائلاتهن ويمنعن من استخدام الهاتف للتواصل مع ابنائهن، الزيارات عادة تتم من وراء الزجاج العازل للصوت "مشهد مؤلم رؤية فتاة تريد ان تحضن أمها الاسيرة ولا تستطيع فتكتفي بطبع قبلة على الزجاج الفاصل بينهما"، يحق لكل أسيرة ان تحتضن عائلتها وابنائها كل عامين مرة واحدة مع إمكانية حرمانها من هذا اللقاء من قبل إدارة السجن، تقضي الاسيرات معظم الوقت في الزنزانات، فترات الفورة او الخروج من الزنزانة الى الساحة هي فترات قصيرة جدا تصل الى ثلاث ساعات ونصف يوميا، بقية الوقت يقضينه في زنزانة مغلقة وضيقة تقول "كنا ثمانية اسيرات في زنزانة صغيرة وهناك زنزانة اخرى كانت فيها 22 أسيرة لا اتخيل كيف ممكن ان يعيش انسان بمكان ضيق بهذه الكثافة".

دارين ممنوعة من الكتابة حتى اللحظة بعد استئناف النيابة على قرار المركزية

بعد خروجها من السجن استمرت بالدفاع عن حقها المشروع بالنضال والتعبير عن الرأي وكتابة الشعر الذي تعتبره منفذها الوحيد ومتنفسها من قهر الظروف التي احاطتها، رفعت قضية وارفقتها بادعاء مفصل حول التعديات التي مورست بحقها خلال فترة التحقيق والسجن لتبرئها المحكمة المركزية في الناصرة جزئيا بما يعني إزالة كل التهم المتعلقة بالكتابة وحرية التعبير وتسمح لها بكتابة الشعر من جديد، وقد جاء في قرار المحكمة " ما تقومين به جزء من حرية التعبير وانت موجودة في مكان صراع ومن الطبيعي ان تعبري عما تشعرين به بالكتابة". انتزعت دارين حقها بتاريخ 2019\5\16 الا ان المحكمة سمحت للنيابة بالاستئناف على قرارها حتى تاريخ 2019\6\30، فرصة ذهبية اغتنمتها السلطات الإسرائيلية لتستأنف على قرار المحكمة بشكل متعمد في اليوم الأخير لفترة الاستئناف المسموح بها بعد ان حولت ملفها لمحكمة العدل العليا في القدس وطلبت منعها من الكتابة والنشر الى حين البت في القضية من جديد.

رجحت دارين السبب في استئناف النيابة الإسرائيلية على قرار المحكمة المركزية واصرارها المتعمد على منعها ممارسة حقها في التعبير، الى انها بصدد اخراج كتاب للنور تتحدث خلاله عن تجربتها وتفضح "الممارسات الإسرائيلية ضد حرية التعبير وضد الاسيرات الفلسطينيات". بالإضافة الى الموندراما التي حاولت خلالها توثيق معاناتها خلال فترة الاعتقال والسجن والتحقيق وعرضتها في بلدات يهودية، تعلل "نيتي عرض المسرحية في البلدات العربية اثارت الرعب السلطوي من ان انقل القوة لأبناء شعبي واحثهم على الاستمرار بالمقاومة والنضال، أرادوا ان تكون قضيتي كنهج رادع للجيل الفلسطيني الجديد، تخويف واسكات للناس، هذا امر مقلق بالنسبة لي لا اريد ان تستخدم قضيتي لهذا الهدف وحاولت ان أكون عكس ذلك بدل ان أكون مصدر ردع اريد ان أكون مصدر قوة".

القضية ليست قضية دارين وحدها بل هي تخص كل فلسطيني مقاوم في "إسرائيل"، يشهر قلمه سلاحا بوجه المؤسسة رافضا القهر والذل والهوان لشعبه وقضيته، فهناك "معتقلي الرأي" أكثر من 1800 فلسطيني سجنوا على خلفية منشورات عبروا فيها عن رأيهم عبر منصات التواصل الاجتماعي تتابعهم وحدة خاصة في الشاباك تدعى بوحدة "5000" تلاحق وتعتقل صاحب كل منشور ترى وفق منظورها انه يحرض ويهدد امن "إسرائيل".

الإجراءات العقابية والملاحقة السياسية التي مورست بحق دارين لكسر ارادتها واخضاعها بالقوة كوسيلة ردع وتخويف لشعب بأكمله لن تمر هذه المرة أيضا، ستستمر بالمواجهة في محاولة لإقناع المحكمة العليا ان لا تقبل استئناف النيابة بفتح القضية من جديد "لا علم ما النتيجة ستكون ولكن هذا الامر لن يردعني" وهي مستمرة في اشهار سلاح مقاومتها اذ تنتظر وليدها الأول قادما من تونس، كتاب يوثق معاناتها سيجوب العالم كله "هذا تحد، ان استمر في كشف الحقيقة وفضح ممارسات الاحتلال ضدنا كشعب فلسطيني وضد حرية التعبير، كتاباتي جزء من هويتي لن اتنازل عنها سأقاوم من خلال الفن الذي اخترته طريقا لنضالي، وكلما حاولوا ردعي ازداد اصراري وكتبت اكثر".

للتوقيع على العريضة لدعم دارين في قضية الاستئناف امام العليا

 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]