تعكس زيارة رؤساء الحكومة اللبنانية السابقين- فؤاد السنيورة، تمام سلام، نجيب ميقاتي، إلى المملكة العربية السعودية، ولقاؤهم بخادم الحرمين الملك سلمان في قصر الصفا، حجم القلق الذي باتت تعيشه «السنية السياسية» في لبنان، وإحساسها بأنها باتت مستهدفة مسيحياً عبر الصهر جبران باسيل، وشيعياً عبر حزب الله. وبعد تزايد الشكوى لدى النخب السياسية في الطائفة السنية، من انكفاء سعودي عن لبنان، في ظل مزيد من تمدد النفوذ الإيراني في لبنان، وأن هناك من يريد عزل لبنان عن عمقه العربي بالكامل.
وتشير مصادر مطلعة على العلاقات السعودية-اللبنانية، إلى أن المملكة ومنذ استقالة الرئيس سعد الحريري الشهيرة من رئاسة الحكومة من الرياض، اتخذت قيادتها عملياً، قراراً بإدارة الظهر سياسياً للبنان، وان كانت تنفي مصادر دبلوماسية سعودية هذا الاستنتاج، وتقدم شواهد على ذلك، من خلال البروتوكولات المعدة والجاهزة للتوقيع بين البلدين وتطال قطاعات عدة، فضلا عن رفع حظر سفر السعوديين إلى لبنان.
ولكن الأكيد أن المملكة السعودية تغيرت، ومقاربتها للأمور والملفات تغيرت، مع تولي جيل جديد شاب، مهام القيادة في المملكة، وبات من الضروري أن يكون هناك تعاون بين البلدين يقوم على المنفعة المتبادلة، وعلى رؤى اقتصادية ومالية واستثمارية منتجة لصالح كلا البلدين، وليس على علاقة ريعية من طرف واحد.
لبنان يتعرض لهزة قوية، بسبب التمدد والنفوذ الإيراني والانكفاء السعودي عنه ، ووقوعه في دائرة العقوبات التي تفرضها الإدارة الأميركية على إيران وأذرعها في المنطقة.
وفي المعلومات أن الرياض باتت أكثر قابلية للاستماع إلى وجهة النظر اللبنانية والتي يشكل الرئيس فؤاد السنيورة أحد أبرز المعبرين عنها، والتي تقول بأن الدور العربي في لبنان ولا سيما السعودي بما يمثل على المستوى العربي والإسلامي، هو حاجة وجودية للبنان وليست المطالبة به ترفاً سياسياً.
وهناك مشاورات تتكثف، لتشكيل مجلس حكماء يأخذ على عاتقه وضع حد للاستمرار في تجاوز الدستور، ورد الاعتبار إلى اتفاق الطائف. وتدور المشاورات بين الرؤساء السابقين للجمهورية، أمين الجميل وميشال سليمان، ورئيس المجلس النيابي السابق حسين الحسيني ورؤساء الحكومات السابقين نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام، إضافة إلى شخصيات سياسية بينها نائب رئيس البرلمان السابق فريد مكاري والوزيران السابقان بطرس حرب وطارق متري..

ويهدف مجلس الحكماء إلى إعادة الانتظام للمؤسسات الدستورية على قاعدة وجوب الفصل بين السلطات. ويأخذ على عاتقه تصويب البوصلة السياسية في اتجاه وضع حد للاستمرار في تجاوز الدستور والتمادي في مخالفة ما نص عليه اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية، في ظل إصرار البعض على تجويفه من مضامينه، ما يشكل إخلالاً بالتوازن وتضارباً في الصلاحيات.
وخصوصاً أن لبنان يسرع الخُطا نحو الانتحار، هذه الخلاصة التي توصل إليها أحد الدبلوماسيين الأجانب العاملين في بيروت، وهو يراقب تطورات الوضع في لبنان الذي يزداد تعقيداً، ويستنسخ مشكلة من مشكلة، وأزمة من أزمة، رغم أن البلاد تواجه أزمة اقتصادية خانقة، وضعتها فعلاً على حافة الانهيار والإفلاس.
حادث الجبل، أحد الأمثلة على ذلك، والذي سرعان ما تحول إلى مشكلة حالت دون اجتماع الحكومة اللبنانية، وتكاد تتحول إلى أزمة حكومية، فيكون لبنان عندها أمام أزمة حكم، تعطل الوضع في البلاد، وتهدم الفرصة الأخيرة للنهوض، التي راهن عليها الرئيس سعد الحريري، عبر «مؤتمر سيدر»، الذي قرر دعم لبنان بمبلغ يناهز 11 مليار دولار كهبات وقروض ميسرة.
فعندما أطلق الحريري اسم «حكومة إلى العمل» على تشكيلته الوزارية، كان يراهن على البدء بورشة عمل تلاقي «مؤتمر سيدر» في نصف الطريق، عبر إقرار ميزانية تخفض العجز العام تحت نسبة 10 في المائة، وتضع البلد على سكة النهوض ووقف الانحدار.
الآن بعد تعطيل مجلس الوزراء، بعد حادثة الجبل، والحديث عن اشتراطات تتصل بصلاحيات من يدعوه إلى الانعقاد ويضع جدول أعماله، وهو كلام يقع خارج الدستور. وتكرار الخلاف حول الملفات والصلاحيات ووضع الشروط، وآخرها فيما يتصل بالتعيينات الإدارية، التي قيل إن الوزير جبران باسيل يصرّ على تسمية كل المسيحيين فيها، يهدد فعلا الأسس التي قام عليها اتفاق الطائف.
اللبنانيون استمعوا عبر تلفزيون المستقبل، إلى كلام يقول: «رغم أن الحريري يتحصن بالصبر والتفاؤل، ويتخذ من التهدئة أسلوباً وهدفاً لن يتخلى عنهما، بات الآن في ذروة الاستياء والتذمّر من المسار الذي بلغته السجالات والنكايات السياسية، ولا يقيم وزناً للتحديات الاقتصادية، وهو قادر على التزام مكتبه في السرايا، من الآن إلى أن تحين لحظة الوعي لدقة الظروف التي تواجه لبنان...» وهذه إشارة واضحة الى أنه في طريقه للاعتكاف.
لقد وصل الفأس إلى الرأس. حزمة العقوبات الأميركية التي طالت نائبين في البرلمان اللبناني، ومسؤولا ثالثا في حزب الله، هي الخطوة التي تعقب جرس الإنذار، وهذا يعني أن هناك قرارا أميركيا مفاده أن لبنان، وليس حزب الله وحده، هو جزء من منظومة النفوذ الإيراني، وأنه لن ينجو من الاستهداف.
الإدارة الأميركية الحالية قليلة الحساسية حيال الحسابات اللبنانية. ولا تمييز بين الدولة اللبنانية وبين حزب الله، وأيضا بين حزب الله وبين جناحه العسكري.
الحرص على لبنان بصفته بلدا لما تبقى من أقليات، وبصفته مصفاة للاجئين السوريين والفلسطينيين، ليس أولوية الإدارة الأميركية الحالية.
لا قدرة للبنان على فك ارتباطه بالمنظومة الاقتصادية لحزب الله، تلك المستهدفة بالعقوبات. القرار ليس بيده، ثم أن الحزب صار في صلب الماكينة الداخلية اللبنانية، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. حزب الله هو الأقوى والأكثر نفوذا في معظم مؤسسات الحكم. في الحكومة وفي البرلمان وفي رئاسة الجمهورية.
العقوبات التي باشرتها الإدارة وصلت إلى ضفاف الموازنة، فالنواب المستهدفون يتقاضون رواتب من الدولة اللبنانية، والأخيرة حملت موازنتها وتوجهت بها إلى مانحين أوروبيين، وعلى هؤلاء المانحين أن يتعاملوا مع موازنة مستهدفة بعقوبات أميركية. هذه فاتحة إرباكات ستمتد لتشمل النظام المصرفي والتعاملات المالية العابرة للحدود.
المقلق أيضا أن العقوبات الأميركية تشير إلى مدى جدّية إدارة دونالد ترامب في الذهاب إلى أبعد حدود في عزل إيران. هناك إدارة مختلفة في واشنطن قد لا يهمّها المحافظة على الاستقرار في لبنان كما كان عليه الحال في الماضي. على العكس من ذلك، لم يعد يوجد في العاصمة الأميركية من يعتقد أن على أميركا مراعاة الوضع الخاص في لبنان بسبب ضعف مؤسسات الدولة فيه.
وهناك قرار أميركي بمتابعة الحرب على إيران عن طريق العقوبات من جهة أخرى. لا تشمل هذه الحرب «الحرس الثوري» والاقتصاد الإيراني فحسب، بل تشمل أيضا كلّ أدوات إيران في المنطقة.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]