بإمكان مُتابع الأمر الانتخابي البرلماني الذي يُصادف في أواسط أيلول القريب تسجيل مُلاحظة ذات شقين، فمن ناحية بإمكانه مُلاحظة هذا الهدوء المُقلِق نوعًا ما في الحراك الانتخابي إذا جاز التعبير، ومن أُخرى يُلاحظ شيئًا من اللامبالاة لدى البعض والدعوة إلى المُقاطعة لدى البعض الآخر، فيما يتعلق بالمُلاحظة الأولى، نعرف أن الإخوة في القائمة المشتركة تحديدًا قد قاموا بدورهم في النزول إلى الشارع لا سيما خلال عيد الأضحى المنطوي للتو، ولعل هذه فرصة سانحة لأن ندعوهم للمزيد من النزول إلى الشارع وبذل المزيد من الجهد لدرء خطر اللامبالاة والمُقاطعة الخطير المُقلِق، أما فيما يتعلق بالإخوة اللامباليين أو الداعين إلى المُقاطعة، فإنَّ أقل ما يُمكن أن نقوله لهم هو أنهم لا يكتفون بمحاولة إقصاء السلطات الرسمية اليمينية خاصة لنا عن ساحة التأثير السياسي وما يتعلق به ويتلوه من تأثير اجتماعي سيؤدي في النهاية إليه من تحصيل حقوق هي حق لنا نحن العرب في هذه البلاد، أقول أن هؤلاء الإخوة المُعارضين لا يكتفون بمحاولة إقصائنا السياسي السلطوي المقصود وإنما هم ينفذون هذا الإقصاء بأيديهم ويقدمون بذلك خدمة طالما تمنت قوى صهيونية متطرفة أن تحصل عليها برغبة تقطر دمًا وحقدًا.
مِن المفروغ منه أننا في القائمة العربية المشتركة خاصة يُفترض أن نبذل كل ما لدينا مِن وقت وَجُهد لِلِدخول إلى البرلمان الاسرائيلي، المساحة الأشد تأثيرًا في الدولة، ومحاربة كل محاولة لإقصائنا، لذا أدعو الإخوان في هذه القائمة المُشكّلة مِن أحزابنا وأبنائنا لبذل كل ما يُمكنها من أجل الهدف النبيل الذي نذرت نفسها له هدف بقائنا في وطننا الذي لا وطن لنا سواه، فعلينا الرد على كُل ادعاء يُقدمه دعاة المقاطعة ودحضة بالحجة الدامغة ليس لإقناعهم فحسب وإنما لإقناع الإخوة المترددين واللامباليين بِأن يتوجهوا يوم الانتخابات إلى صناديق الاقتراع مزودين بالإيمان العميق وهو أن موقف المشارك في صنع القرار ورفع الصوت العربي في البرلمان أفضل بما لا يقاس من عدم وجوده، وذلك عملًا بالقول الكريم حول أضعف الإيمان وهو الرفض المضمر في القلب، في حال عز التغيير ورفض الظلم باليد أو باللسان / القول.
مِن مُتابعتي ونقاشاتي مع العديد مِن الإخوة الداعين للمُقاطعة استطعت جمع عدد مِن المُلاحظات أورد فيما يلي ما يدعيه هؤلاء، وبعده ردي عليه.
*أعضاء الكنيست العرب لا يُؤثرون كما ينبغي في السياسة العامة للدولة، حتى لو كانت الحكومة الصاعدة يمينية أو يسارية فإنها لن تضعهم في حسابها عند مبادرتها لإقامة أي ائتلاف. في ردي على هذا الادعاء أقول في هذا الادعاء شيء من الحق، ولكنه حق يُراد به باطل، فما الأفضل لنا أيها الاحباء؟، أن نقذف بأنفسنا بعيدًا عن مركز التأثير في الدولة أم نأخذ مكاننا مهما كان محدودًا واضعين في حسابنا أن الحياة السياسية عادة ما تشهد المفاجآت، وأَّن وضعًا مهمًا كان مستتبًا لهذا الحزب الصهيوني أو ذاك، لا بد له من أن يتفاعل مع مستجدات الواقع المتغير دائمًا وأبدًا، أضف إلى هذا أن موقف المُشارك مهما كان محدودًا أفضل بِما لا يُقاس مِن موقف المُتفرج، وأن تأثير مَن يخوض ساحة الوغى أفضل وأشد صلابة مِن موقف ذاك المُتفرج عليها مِن بعيد، استمعت في هذا الإطار إلى اعتراض آخر تمثل في قول البعض: أن أعضاء الكنيست العرب قصّروا في طرح قضايانا الحارقة، وهنا لا أرفض مثل هكذا محاسبة ديموقراطية لإخواننا البرلمانيين، إلا أنني أرى أن توقيتها خاطئ، تعالوا أيها الإخوة نُمكّن إخواننا من دخول عرين الأسد الإسرائيلي أولًا بعدها تكون المُحاسبة، إذا كان لا بُدَّ منها.
*يدّعي بعضُ الإخوة الداعين إلى مُقاطعة الانتخابات البرلمانية أن دخول ممثلين عرب إلى الكنيست يحدّ وربما يقضي على النضال الشعبي في الشارع، وقد استمعت إلى أكثر مِن مُعترض وداعٍ للمُقاطعة، يستشهد بالنضال الذي خاضه الإخوة الأثيوبيون قبل فترة وتمكنوا مِن تحقيق بعض مما طالبوا به، وبودي أن أقول لأولئك وهؤلاء، مَن قال أن النضال البرلماني يتعارض مع النضال الشعبي في الشارع العربي؟، ألم نقم بيوم الأرض قبل أربعة عقود ونيف خلال وجود ممثلين لنا في البرلمان الاسرائيلي؟، ثم ألم يكن مهندس يوم الأرض الأول المناضل توفيق زياد عضوًا في الكنيست إبان تلك الفترة؟، أو ألم نقم بيوم هبة القدس والأقصى عام 2000 خلال وجود ممثلين لنا في البرلمان الإسرائيلي؟، لمن يقارن وضعنا بوضع الأثيوبيين أقول، علينا ألا ننسى أن السلطات الحاكمة تعاملت معهم بقفازات مِن حرير في حين تعاملت معنا في الواقعتين المذكورتين آنفا بقفازات مِن حديد ونار، واغتالت في كُل مِن هاتين الواقعتين عددًا مِن أجمل زهرات شبابنا وأشدها يناعة؟، لا يفهمن أحدٌ أنني أُكرّس هُنا سياسية التخاذل، وإنما أنا أُشير إلى أهمية تحمل المسؤولية في التعامل النضالي مشددًا على أنه لا تعارض بين النضالين، ولنتذكر أن أعضاء الكنيست العرب اعتبروا أنفسهم دائمًا في الطليعة النضالية، ولنتذكر المواجهات الضارية التي خاضها عددٌ منهم في مواجهة عتوّ السلطات وأن بعضهم مثَلَ أمام قضاة إسرائيليين بسبب مواقفه الداعمة لشعبه ونضاله من أجل تحصيل الحقوق المشروعة.
*مِن الادعاءات التي تردّدت أمامي، أن الكنيست الاسرائيلي تحوّل إلى مساحة للتشغيل، وأن ما يهم أعضاء الكنيست العرب هو ما يغدقه عليهم دخولهم الكنيست من جاه ووجاهة(!!)، ما هذا الكلام؟، في الرد على هؤلاء أقول، أن مُعظم إذا لم يكن كُل أعضاء الكنيست العرب أصحاب شخصيات اجتماعية مرموقة وأنه لا ينقصهم لا الجاه ولا الوجاهة، فهم أولًا مِن أصحاب الوظائف العُليا في مجتمعنا وهم ثانيًا أصحاب مواقع لا يُستهان بها في أحزابهم المشاركة في المشتركة، فهل يحتاج هؤلاء إلى المزيد مِن الجاه والوجاهة؟، ثم ألا يكفي هؤلاء الإخوة الداعين للمُقاطعة أن نذكرهم بأن بعضًا مِن أعضاء الكنيست العرب دفعوا لقاء مواقفهم المساندة لأبناء شعبهم الوقوف في المحاكم حينًا والسجن حينًا آخر؟، وحتى لو افترضنا جدلًا أن أعضاء الكنيست ينعمون بما ينعم به موظفون كبارٌ في الدولة، هل نسينا مطالباتنا المتواصلة بأن يتوظف أبناؤنا في وظائف كبيرة مثل شركة الكهرباء وبنك اسرائيل وغيرها، والسؤال هُنا إذا كُنا نُطالب بالتوظيفات الرفيعة لأبنائنا في كل مكان، فلماذا لا نساندهم في الحصول على هذه التوظيفات في الكنيست؟، أقول هذا افتراضًا وجدلًا.
في المجمل أقول، أنني أدعو أهلنا للتوجه إلى صناديق الاقتراع في يومها الصعب وأن يُدلوا بأصواتهم للأبناء وأن يتحمّلوا المسؤولية أمام الأبناء والأحفاد غدًا وأن يُدخلوا المزيدَ مِن الأبناء إلى الكنيست حتى لا نندم في ساعة لا ينفع فيها الندم وكي لا تجني على نفسها براقش.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]