بشكل مفاجئ، حيّر المتتبعين بخصوص مغزى تدوينة إيفانكا ترامب، ابنة الرئيس الأمريكي، عقب خلطها بين المعادلة بين الرجل والمرأة في تمليك الأراضي السلالية وبين المساواة في الميراث، التفت شرائح واسعة على المستوى الدولي إلى المملكة للاطلاع على التغيير الذي طال سياسات المغرب في علاقتها بقضايا المرأة، ومدى إدخال عناصر "التحديث" عليها تمكن من تحقيق العدالة بين الجنسين.

وخلقت تدوينة المستشارة الشخصية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن انبرت قيادات إسلامية كثيرة إلى انتقاد إقدام الحكومة على خطوة المساواة في الإرث مستقبلا وتوصل العامة بالمعلومة من بوابة الخارج؛ وهو ما نفته مصادر حكومية، حيث اعتبرت التدوينة تهم موضوع الأراضي السلالية، وما حصل مجرد خلط من لدن إيفانكا.

ويعمل المغرب على تحسين صورته الحقوقية لدى المجتمع الدولي، وذلك ما تساهم فيه تفاعلات قيادات الدول الكبرى بشكل كبير، خصوصا أن حساب ترامب متابع من سياسيين وسياسيات من مختلف البلدان، وهو ما يفتح باب وصول مستجدات المملكة إلى العالم، وذلك ما يراهن عليه كذلك عديد الحقوقيين المنتقدين في تواصلهم مع الهيئات الحقوقية الدولية، التي تعمل على الضغط على المغرب.

تصريح غير رسمي

عزيز إدامين، خبير دولي في مجال حقوق الانسان، قال إنه "يجب الانتباه إلى صفة السيدة إيفانكا؛ فالكثيرون يقدمونها بابنة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث القانون الأمريكي والمجتمع الأمريكي يمنعون على أفراد عائلات الرئيس التدخل في الشؤون السياسية أو الخارجية، وبالتالي فنحن أمام تصريح لمستشارة غير رسمية للرئيس في البيت الأبيض".

وأضاف إدامين، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "مثل هذه التهنئات تدخل في إطار المجاملات الدبلوماسية، والتي تكون منبعها علاقات شخصية"، مشيرا إلى أنها "مهمة في حالة وجود علاقات مبنية على أساس تبادل مصالح وعلاقات متينة، بالتالي فهي مكملة لأدوار مؤسساتية وإدارية، وليست مؤسسة لها".

وأردف الخبير: "تقوم السياسة الخارجية للولايات الأمريكية المتحدة على تقارير وزارتها الخارجية، وهنا تلعب السفارات والبعثات الدبلوماسية دور محوري وفي صناعة أوليات وتوجهات الأمريكية في الخارج.. وبالتالي، فالإدارة الأمريكية على المستوى المركزي تشتغل في تناغم وتنسيق مع وحداتها المنتشرة في الخارج، ودور إيفانكا داخل البيت الأبيض محدود في هذا المجال".

وأكمل المتحدث ذاته أن "السياسة داخل أمريكا موزعة بين أربعة نفوذ: موظفو البيت الأبيض، والغونكرس والبينتاغون، وأخيرا رجال الشركات الكبرى، وأي سياسة خارجية لا بد أن تخضع لهذا المنطق الرباعي. وبالعودة إلى دور إيفانكا، ليس باعتبارها ابنة الرئيس، ولكن كمستشارة له، يبقى محدود".

وزاد إدامين: "تصريح إيفانكا يقابل في الضفة الأخرى تقارير الخارجية الأمريكية التي رصدت عدة انتهاكات وخروقات لحقوق الإنسان بشكل عام، وحقوق المرأة أيضا، يضاف إليها تقارير الأمم المتحدة حول المغرب وتقارير المنظمات غير الحكومية الدولية والوطنية التي ترسم باستمرار صورة سوداء عن واقع الحريات".

القضية أكبر من تغريدة

اعتبر عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، أن "تغريدة إيفانكا ترامب اختلط فيها الحابل بالنابل، وهذا يعني أن من نقل إليها المعلومة، لكي تغرد على هذا النحو كي تثني من خلالها على إنجاز حققته الدولة المغربية لفائدة المرأة المغربية عموما والسلالية خصوصا، أخطأ في التفاصيل وجعل تغريدتها خارج السرب".

وأضاف الخضري، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "أزمة الأراضي السلالية والمرأة السلالية أكبر بكثير من تغريدة إيفانكا ترامب. وفي تقديري، لا أثر لهذه التغريدة، سواء بالإيجاب أو بالسلب؛ لأن الموقف من تطور واقع حقوق الإنسان عموما والمرأة المغربية خصوصا تعبر عنه التقارير الحقوقية، الوطنية والدولية، المستقلة وذات المصداقية، والتي تتحدث عن معطيات دقيقة وموثقة".

وأوضح الفاعل الحقوقي أن "المرأة السلالية ما زالت تئن تحت وطأة القهر والتهميش والإقصاء.. وحين قررت الدولة المغربية إنصافها، اعترفت لها بحقها في الأراضي السلالية، إسوة بشقيقها الرجل، لكن في التفعيل والتنفيذ، ما زالت التقاليد والأعراف المحلية في كل منطقة تطغى، وظل قرار دورية وزارة الداخلية بهذا الشأن حبرا على ورق إلا من بعض المبادرات".

وأكمل الخضري: "قضية الأراضي السلالية في المغرب نقطة سوداء في تاريخ مغرب الاستقلال، لم تكتوِ بناره فقط المرأة السلالية، بل المجتمع القروي ذكورا وإناثا. وإذا ما تساءل المرء لماذا تعثرت التنمية في المجال القروي، فليراجعوا واقع الأراضي السلالي، التي تعتبر مصدر ثلثي النزاعات المزمنة بين الأهالي في القرى، والمصدر الأول للإحباط الذي يقتل في النفوس روح الإنتاج والبذل والعطاء".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]