في العلاقات الدولية كلما اكتسبت "الدولة" المزيد من القوة توسعت دائرة الدول التي ترغب في "محاباتها"، وهذا بدوره يعني أمنا ونفوذا اقتصاديا أكبر لتلك الدولة.
لم تكن علاقات إسرائيل استراتيجية مع الولايات المتحدة قبل هزيمتها للعرب في حرب العام 1967، لكن بعد "الهزيمة" رأت أميركا أن "الاستثمار في إسرائيل من مصلحتها.
لو ترك الرئيس السادات" الجيش المصري يتعامل مع ثغرة الدفرسوار في حرب العام 1973، لانتهت أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر منذ خمسة عقود.
لكن الرجل الذي لم يدخل كلية عسكرية في حياته وكان يحمل عصاة المارشالية تحت إبطه لتأكيد سلطته العليا على القوات المسلحة المصرية، فضل التقدم "للأمام" على العودة "للخلف" لتأمين حائط الصواريخ الذي كان يحمي الجيش المصري وكان ما كان:
إسرائيل بنت سمعتها كدولة قوية و"قادرة" على أخطاء العرب وهذه "السمعة" جلبت لها المزيد من الدعم العسكري والتعاون الأمني من قبل الآخرين. بكلمات أخرى، جلبت لها المزيد من القوة.
لكن هذه القوة بحاجة مستمرة لتأكيد حضورها وصيانتها حتى لا يضعف الدعم "الدولي" لها وحتى تستمر الدول في السعي لصداقتها وطلب الخدمات منها.
لذلك سعت إسرائيل لتضخيم إنجازاتها الأمنية وإلى رسم صورة الدولة، ليس فقط القادرة على حماية نفسها في وسط عربي معادٍ لها، ولكن الدولة "السوبر" التي يخشاها البعيد قبل القريب.
دولة كهذه، بلا عمق جغرافي أو ديموغرافي، تحتاج إلى مشاهد "هوليودية" لتأكيد قدراتها التي تعلم شعوب الشرق الأوسط، على الأقل، أنها مصطنعة وأن من يحميها هو محيطها العربي الرسمي الذي يضمن أمن حدودها.
هل كان اغتيال المرحوم خليل الوزير "أبو جهاد" في تونس العام 1988 بحاجه إلى إرسال غواصة بحرية وإنزال على شواطئ تونس؟ لم يكن للمرحوم أكثر من حارسين يسهران على حمايته!
هل احتاج اغتيال محمود المبحوح في دبي العام 2010 إلى إرسال 14 عميلاً من جنسيات متعددة؟ الرجل كان وحده في الفندق دون حراسة!
وهل احتاج اغتيال المهندس محمد الزاوي العام 2016 إلى إرسال ثلاثة فرق لرصده وقتله في تونس؟ الرجل كان يعيش مع عائلته بلا حماية!
لكن إسرائيل بحاجة لمشهد "هوليودي" كل فترة لتأكيد قدرتها أمام العالم لأن القوة، مثل المال، المزيد منها يجلب المزيد من القوة.
للقوة أيضاً إغراءاتها التي قد تتسبب في اضمحلالها إذا ما تمت إساءة استخدامها.
امتناع سورية عن الرد، وربما بقرار روسي، على مئات الغارات الإسرائيلية على أراضيها. وامتناع إيران عن الرد على اغتيال علمائها، ربما رغبة في السابق في تجنب إفشال الاتفاق النووي، شجع إسرائيل مؤخراً على توسيع دائرة "عملياتها": الحشد الشعبي في العراق وحزب الله في لبنان.
إسرائيل تهدف من جراء ذلك، كما يبدو، لأن تقول للولايات المتحدة إنها في قلب المواجهة مع إيران وبالتالي فإن على الولايات المتحدة أن لا تخشى التصعيد العسكري مع إيران.
وهي رسالة، ربما، لبعض دول الخليج العربي، أن بإمكانها الاعتماد على إسرائيل في المواجهة مع إيران وبالتالي فإن عليها أن تكون أكثر انفتاحاً على الدولة العبرية مما هي عليه الآن.
حسابات إسرائيل بلا شك خاطئة:
ليس في نية الرئيس ترامب التصعيد عسكرياً مع إيران وتحديداً قبل انتخابات العام 2020. وشاهدنا أميركا ترامب تبتلع الإهانة بعد إسقاط طائرتها الحديثة دون طيار قبل شهرين تقريباً. أكثر ما يريده ترامب هو الحصار الاقتصادي وهو يأمل أن لا يؤدي ذلك إلى ردود فعل من قبل إيران تجبره على إرسال قوات عسكرية لمنطقة يسعى للكسب منها مالياً أكثر مما يرغب بأن يقدم لها.
وليس في نية دول الخليج العربي أن تقيم علاقات علنية مع إسرائيل لأن هذه العلاقات لا تقدم لها شيئاً هي بحاجة إليه.
هذه الدول تعلم أن إسرائيل لا تستطيع محاربة إيران ولا تستطيع توريط أميركا فيما لا تريده الأخيرة، وأن العلاقات معها هي عبء عليها وليس إضافة نوعية لأمنها.
غرور القوة وإغراءاتها هي ما سيتسبب في تآكل قوة ردع إسرائيل واضمحلالها في نهاية المطاف.
اليوم أضافت إسرائيل "الحشد الشعبي" لدائرة أعدائها المباشرين. وهذا "الحشد" ليس دولة ولا يتصرف مثلما تتصرف "الدول" وفي تقديرنا أن استهداف مخازنه وعناصره، سيدفعه للرد، وإن لم يكن هذا الرد مباشراً من العراق، فقد يكون من سورية حيث الحدود مفتوحه بين البلدين.
لكن الأهم ربما، هو إعطاء إسرائيل فرصة لحزب الله باستهدافه مرتين: مرة في سورية ومرة في لبنان.
الحزب أعلن أنه سيرد، وهو حتماً سيفعل لأنه أعلن ذلك من أعلى سلطة هرمية فيه.
ماذا ستفعل إسرائيل بعد الرد؟
هل ستذهب إلى حرب شاملة تعلم أنها لن تربحها؟ هل ستقوم بالرد بشكل محدود وهو ما سيجر رداً آخر من حزب الله؟ أم أنها ستبلع الإهانة وتحتفظ لنفسها بحق الرد في المكان والزمان المناسبين؟
أياً كان الخيار الإسرائيلي، فهو سيؤدي إلى تآكل قوة ردعها وهذا بدوره سيجعلها أقل هيبة وأقل عظمة وأقل "هوليودية" في عيون من تسعى لأن تعلو في عيونهم، وسيشجع الآخرين على الرد عليها وإلى ردعها عندما تعتدي عليهم.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]