النساء لسنَ طرفاً في أيّ حراك مطلبيّ في الشارع، لأن النّساء ولّادات. هنّ أرحام المدن والصرخات وحبال سرّة، يصلنَ الشارع بالشارع، واليد باليد، والمطلب بالمطلب، والصرخة بالصرخة، كما يتّصلن بالأجنّة في أحشائهنّ.

لا تنزل المرأة إلى الشارع لتشارك كل النّاس، هي ترأف بالمطالب، تخلق لها المبررات، تُمهّد لأن يتحول مشهد الشارع لـ"أيقونة" على مرأى العالم. لأن المرأة لا تخسر في الحرمان والعوَز وحدها، بل هي تخسر مرّات مضاعفة، لوالدها وإبنها وزوجها وأختها. فطالما أن العالم بأسره لا يختزن ثورتها وحرقتها وغضبها، لماذا لا يرحمها؟ لماذا تتحول المرأة العربيّة في الثّورات المطلبيّة إلى رمز؟

لبنان – البنت تركل مسلّحاً

نزل الناس في لبنان يوم أمس إلى الشارع، عبّدوا الطرقات كل واحدة بحاجة، وامتلأت النسوة فيها لتعطي نبضها دفعاً للأمام، وكأنّ وجودهنّ على الأرض حُجّة للمسؤولين لتمرير طلبات الناس الموجوعة، لأن دورهنّ يترسّخ في خلق وتمهيد حيواتنا لا لاستجدائها.

أثناء التظاهرات أمس في بيروت، هرعت بنت إلى موكب وزير بينما كان يطلق مرافقوه النار على المتظاهرين ويعتدون عليهم بالضرب. هرعت كليثٍ غضبان وركلت رجلاً مسلحاً ليكفّ يده عن المتظاهرين. تراجع عنها الرجل... فرسّخت بفعلتها قوّة "ضعفها" أمام ضعف "قوّته".

البنت الخارجة من بيئة لبنانيّة منقسمة ومشرذمة، جراء ما فعلته السياسة في البلد. غير أنها في لحظة الانقضاض هذه كانت بنتاً لبنانيّة فقط، بدون توجهات وتحزبات، تدافع عمّن هم مجازياً في "حمايتها". لأن في أنوثة المرأة درع حصين.

 

العراق – بائعة المناديل

يهمي على وجهها دمع يتطاير مع سرعة حركتها بين المتظاهرين، تنثر ماء عينيها على خدّيها كي تعبّر عن حرقة قلبها. المرأة العراقيّة الصمّاء، التي كانت تمشي بين المتظاهرين العراقيين في الأيام الأولى من شهر تشرين الأول/أوكتوبر، بعباءتها العراقية السوداء، تهلل وتكبّر في حالة من الغضب والأسى على المشهد من حولها.

ولشدة تأثير مشهد بائعة المناديل التي كانت توزع مناديلها مجاناً على الشبّان المصابين وغيرهم في التظاهرات، رسم الفنان الرقمي العراقي سعد الطيب صورتها، وأرفقها بعبارة: "خرساء العراق .. صمتها ثورة!". وقال إن "الخرساء نطقت بالكثير وعبرت بملامحها الغاضبة والخائفة عن حقيقة الموقف حينها".

فكانت هذه المرأة "أيقونة الثورة" العراقية المطلبيّة على منصّات التواصل الاجتماعي، معوّضة بذلك عن صور العلم العراقي المتبقّع بالدم.

استطاعت بسمرة وجهها التي ترتخي حرارة الشمس عليه، وبيديها اللتين توزّعان المحبّة، وبلهفتها على العالم، أن تخرق مشهد أعداد العراقيين الكبيرة التي ملأت الساحات والشوارع، وأن "تهطل" على المتظاهرين، كما يهطل خير المطر على المدينة.

 

 

السودان – الكنداكة

 

وقفت وسط الجموع، مدّت يدها نحو الناس، ورفعت سبّابتها بينما يلتمع القرط الذهبيّ المعلّق في أذنها اليسار، مرتدية ثوباً طويلاً أبيضاً، وهو ثوب سودانيّ تقليديّ.

غنّت، الكنداكة، بين الناس في مدينتها الخرطوم في التظاهرات المطالبة بإسقاط نظام الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير في نيسان/ أبريل الماضي.

التقطت إحدى المتظاهرات صورتها بينما كانت واقفة على سطح سيّارة بيضاء، وآخرون التقطوا لها فيديوهات مصوّرة وهي تغنّي مع الناس، وتحفّز الحشود بينما يعكس قرطاها الذهبيان ضوء كاميرات الهواتف النقالة المحيطة بها.

وعن إسم "الكنداكة"، ففي مملكة مروى القديمة كانت السيدات ملكات ويطلق عليهن اسم "كنداكة" أي الملكة النوبية، وهو ما يستخدم الآن للنساء في هذا الحراك.


 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]