في هذه الظروف المركبة التي نعيشها وقبيل افتتاح العام الدراسي الجديد، وجب علينا تحديد مصلحتنا ومصلحة أبنائنا في مجال التربية والتّعليم وترتيب أوراقنا والانطلاق لتذليل جميع العقبات بغية تحقيق هذه المصلحة.

تكمن مصلحة مجتمعنا في عودة الطلبة للمدارس ومنع استمرار الخسائر التعليمية الفادحة التي لحقت بهم منذ اذار الماضي. تعليم الأبناء وتقدمهم وضمان مستقبلهم وابعادهم عن الأخطار المحدقة بهم كالعنف والوقوع في شرك منظمات الاجرام هو ضرورة يعيها كل انسان عربي في هذه البلاد. من هنا وجب على المسؤولين جميعًا في وزارة التربية والتّعليم والسلطات المحلية والمدارس بالتعاون مع كافة الأطراف ذات الصلة العمل على ملائمة خطة وزارة التربية والتّعليم لظروف المجتمع العربي ووضع خطّة تضمن صحة الطلاب والمعلّمين وتجدد العمليّة التربويّة رغم الظروف المركبة التي ستمتد لأشهر طويلة. فلا يمكن لنا ان نسمح بخسارة الطلاب للعام الدراسي المقبل بعد كل ما خسروه من تعليم في العام المنصرم.

كذلك وجب على جميع الهيئات العربية التعاون فيما بينها وتنسيق الموقف لمنع الفوضى والبلبلة وإدارة الازمة بشكل جماعي ومنظم ومنضبط. الفوضى ستزيد من الخسائر والثمن الذي سيدفعه الأبناء لذلك لا بد من وقف الفوضى وحالة البلبلة فالقرارات يجب ان تتخذ على أساس مهني من قبل هيئات مهنية مخولة.

الخطّة التي اقترحتها وزارة التربية غير ملائمة لواقع مجتمعنا بسبب نقص غرف التدريس وظروف قسم من المدارس وعدم توفر الشروط الأساسية لنجاح التعلم عن بعد بواسطة الحواسيب ووضع التعليم في القرى غير المعترف بها وما الى ذلك من مشاكل. مطلوب ملائمة الخطة او حتى وضع خطة بديلة تلائم احتياجات مجتمعنا وظروفه.
يجب أن تأخذ الخطّة البديلة بعين الاعتبار الاستنتاجات من العام الدراسي الماضي. سأطرح هنا ثلاث قضايا رئيسيّة بهدف إيجاد حلول واقعية لها. حلول كهذه في المعطيات القائمة تتطلب التفكير خارج الصندوق والابداع والتخلي أحيانا عن عادات وسلوكيات أعتدنا عليها. تغيير في عادات ليس دائما امرًا سهلا لكن يجب علينا ان نتقبل ذلك من أجل أولادنا ومستقبلهم.

القضة الأولى هي حقيقة أن التعليم عن بعد بالصيغة التي تبنتها وزارة التعليم التي اعتمدت على الانترنت والتعليم المتزامن من خلال الزوم والاستديوهات بدون أي علاقة مباشرة مع المعلمين قد فشل في مجتمعنا فشلًا ذريعًا لعدم توفر الشروط الأساسية لنجاحه وقد طرحنا ذلك منذ بداية الأزمة حيث أظهر المسح الذي أجريناه كبر الفجوة التكنلوجية والرقمية بين المجتمعين العربي واليهودي. لقد كان الامر واضحا منذ البداية لكن وزارة التربية كانت منقطعة عن الحقل ولم تلب الاحتياجات التي أشرنا اليها ولم تقترح أي خطة بديلة ملائمة للمجتمع العربي ولم تتبن الاقتراحات العملية لبدائل مناسبة أكثر ظهرت من المدارس والأهالي ومؤسسات مختلفة.

القضية الثانية تتلخص في ظروف المدارس من حيث الاكتظاظ ونقص غرف التدريس. كما هو معلوم معدل مساحات المؤسسات التربوية هي أقل مما عليه في التعليم الرسمي اليهودي وتستغل مدارسنا معظم الغرف داخلها كغرف تدريسية بما في ذلك غرف الحاسوب والملاجئ وأحيانا المختبرات.

القضية الثالثة تتمحور في وضع وظروف التعليم العربي في النقب وبشكل خاص وضع الطلاب في القرى غير المعترف بها. طلابنا في القرى غير المعترف بها لم يتعلموا منذ اذار الماضي اطلاقا. ظروف المدارس صعبة وكذلك ينقل عشرات الاف الطلبة بواسطة الحافلات الى المدارس التي تبتعد عن قراهم مسافات طويلة. شكاوي الأهالي على وضع الباصات والمدارس كانت كثيرة وجوهرية قبل أزمة الكورونا فقسم كبير من هذه المدارس هي غرف مؤقتة بوضع سيئ كذلك فالباصات تمتاز بالاكتظاظ وبوضعها السيئ نظرًا لحقيقة أن شركات الباصات لم ترسل باصات بوضع جيد الى قرى تنعدم الى الشوارع المعبدة والبنى التحتية.

في ظل هذه الظروف التي لم يتغير عليها شيء يذكر وجب بناء خطة تضمن حدوث جل العملية التعليمية في المدارس وتضمن سلامة الطلاب. هذا يتطلب برامج ملائمة لهذه الشروط والظروف وبنفس الوقت استمرار الضغط على وزارة التعليم لتلبية جميع الاحتياجات واغلاق الفجوات بين التعليم العربي واليهودي بالذات في مجال غرف التدريس ووضع المدارس واغلاق الفجوة التكنلوجية الرقمية. المطالبة بملائمة الخطة للوضع القائم ليس معناه التنازل عن المطلب بتزويد مدارسنا وطلابنا بالحواسيب. فالتعليم المحوسب هو جزء من التعليم ايضًا في الوضع القائم وسيكون في مركز أي عملية تعليمية مستقبلًا.

بناء خطة تعليمية مرحلية ضمن هذه المعادلة تلائم مجتمعنا يجب أن تأخذ بعين الاعتبار عدم امتلاك غالبية الطلاب للحواسيب والانترنت وكذلك مراعاة ظروف البيت والوضع الاجتماعي الاقتصادي لغالبة العائلات العربية وكذلك ظروف الاكتظاظ في المدارس والوضع الخاص للتعليم في النقب. نظرًا لاختلاف الظروف من بلدة لأخرى وأحيانا بين المدارس في البلدة ذاتها، فيجب ان تعطى مساحات كبيرة من المرونة للسلطات المحلية والمدارس لاتخاذ تدابير تلائم ظروفها. لنجاح السلطات المحلية وبالذات اقسام التربية في عملها على الحكومة دعمها من ناحية ايدي عاملة وموارد كي تتمكن من القيام بدورها والأعباء الجديدة التي القيت عليها من قبل السلطة المركزية.

فيما يلي توجهات ومقترحات ممكن أن تساهم في إيجاد حلول للمشاكل الرئيسية التي واجهتنا العام الماضي. قسم من هذه المقترحات طرح في العام الماضي من قبل لجنة متابعة التعليم واللجنة القطرية للجان أولياء أمور الطلاب والمجلس الإقليمي للقرى غير المعارف بها وغيرها ولكن لم تلق اذان صاغية:

النظام المدرسي

بناء النظام المدرسي بشكل مخالف للمألوف ممكن ان يساهم في حل مشاكل الاكتظاظ ونقص الغرف وبالتالي يضمن التباعد الاجتماعي المطلوب كأن ييتم تعليم قسم من الطبقات بعد الظهر وعمل المدرسة على مدار جميع أيام الأسبوع واستعمال وسائل إضافية للحماية وغيرها من أفكار مشابهة. تغييرات من هذا النوع يجب ان تكون بالاتفاق مع جميع الأطراف بما في ذلك وزارة التربية ونقابات المعلمين والسلطات المحلية والأهالي على ان توضع مصلحة الطلبة في رأس سلم الأولويات.

دمج التعليم من المدرسة مع التعلم من البيت على ان لا يقتصر ذلك على الحاسوب:

الدمج ما بين التعلم من المدرسة والتعلم عن بعد الذي يميز مرحلة الكورونا هو التوجه السائد والمنطقي لاستمرار التعليم في الظروف المعقدة التي خلقتها ازمة الكورونا. يكمن الحل في ابداع نماذج متنوعة للتعلم عن بعد لا تقتصر على استعمال الحواسيب والانترنت والتعلم المتزامن من خلال الزوم. هذه المعادلة التي تدمج بين التواصل المباشر مع المعلمين والعمل من البيت تحمل في طياتها فرص كثيرة يجب استغلالها والامتناع عن هدرها.

فحضور الطالب للمدرسة ولو جزئيًا وعلاقته المباشرة مع المعلم في المدرسة هما المفتاح لعملية التعلم ومحوره الأساسي. في هذا اللقاء يستطيع المعلم ان يرشد الطالب لمهام متنوعة في البيت وتزويده بأوراق عمل وما الى ذلك من أدوات وارشادات. يستطيع المعلّم في ظروف معينة إشراك الأهل ومتابعة العمل مع الأولاد من خلال وسائل اتصال متنوعة. هذه العلاقة المباشرة يجب ان تأخذ بعين الاعتبار حاجة الطفل الى دعم نفسي وعاطفي وزرع حب الاستطلاع والدافعية للتعلم الذاتي والايمان بالنفس والامل. هذا هو الوقود الأساسي لأيّ عملية تعليمية.

النقب

على الحكومة تغيير توجهها بحيث يجري التعليم في البلدات التي يقطنها الطلاب وان لا يتم نقلهم الى المدارس بواسطة الباصات. هذا الامر المنطقي قبل الكورونا ولكن في ظل مرحلة الكورونا هذا الحل بالذات للطلاب في المراحل الاولى للتعليم. وزارة التعليم مكالبة بوضع خطة خاصة تضمن إيجاد حلول يوافق عليها الأهالي والمجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها.

اعلان المجالس الإقليمية عدم تقديم خدمات تعليم لطلاب القرى غير المعترف بها معناه العملي انه لغاية الان لا يوجد من هو مسؤول مباشر عن تعليم عشرات الاف الطلبة في القرى غير المعترف بها. في العام الدراسة الماضي لم تفتتح كما هو معروف السنة الدراسية لطلاب القرى غير المعترف بها للأسباب ذاتها واضطررنا الى التوجه بالتماس للمحكمة لضمان حقهم في التعليم. تجدد الازمة مع الظروف الخاصة التي تواجهنا في مرحلة الكورونا تفرض الحاجة لإيجاد حلول عاجلة توقف خسارة الطلاب بل وانقاذهم من هذه الخسائر المتراكمة في المجال التعليمي.

التعليم رسالة

تعليم أبنائنا هو ركن أساسي لضمان البقاء والتطور في وطن الإباء والاجداد. يجب ان نعمل المستحيل لمنع خسارة الأبناء لسنة دراسية إضافية وان يتم التعليم في ظروف امنة للطلاب وللمعلمين ولكافة افراد المجتمع. على وزارة التربية بناء خطة ملائمة للمجتمع العربي على أساس المساواة.

المؤسسات التربوية بإداراتها وبمعلميها تحمل رسالة تربوية هامة في ظروف مجتمعنا. نأمل ان توفق مدارسنا في إبداع خطط تلائم طلابنا وبالأساس الاستثمار في الطلاب الذين حرموا من التعليم في الموجة الأولى والعمل على تعويضهم.
على مدارسنا ان تبذل كل الجهد لتعزيز الثقة ما بين المدرسة والأهالي وان تستثمر الطاقات المطلوبة لعودة الطلاب للمدارس. فعودتهم تعكس ايضًا ثقة الأهالي والطلبة بالمدارس وطواقمها.

كلمة أخيرة

يشهد مجتمعنا في الأشهر الأخيرة حالة من الفوضى وعدم الالتزام بتعليمات وزارة الصحة والنتيجة هي ارتفاع في عدد المصابين بالكورونا في العديد من البلدات العربية. حالات عدم الالتزام نراها في الاعراس والاتراح وفي النشاطات الاقتصادية والأماكن التجارية وفي الحارة والشارع وفي الكثير من المواقع.

علينا جميعا ان نلتزم بالتعليمات لخفض العدوى والمساهمة في تهيئة الظروف لعودة المدارس وعدم حرمان الطلاب من التعليم.








استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]