إذا أصبح المرشح الديمقراطي جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة في كانون الثاني المقبل، فلن يكون إصلاح العلاقات التجارية الأميركية من أولوياته، ذلك أنه صرح بوضوح بأنه لن ينخرط في أي اتفاقيات تجارية جديدة حتى يزيد من الاستثمارات في الولايات المتحدة.

في تقريره الذي نشرته مجلة "فورين بوليسي" (Foreign Policy) الأميركية، قال الكاتب إدوارد ألدن إنه لا يجدر بنا -بناء على ذلك- توقع انضمام الولايات المتحدة بقيادة بايدن إلى اتفاقية الشراكة العابرة للمحيط الهادي في آسيا، أو استئناف المحادثات حول اتفاقية جديدة مع الاتحاد الأوروبي، أو متابعة الصفقات التجارية مع أي طرف من العالم قريبا.

لكن بالنسبة لبقية العالم، فإن 4 أعوام من التعريفات الجمركية والعقوبات التي فرضها الرئيس الحالي دونالد ترامب، تجعل تحسين العلاقات التجارية أولوية، ومن شأن مهارة بايدن في التعامل مع هذه الوضعية أن تثبت ما إذا كانت الولايات المتحدة ستستعيد قدرا من سلطتها المتضررة على النظام الاقتصادي الدولي، أم أنها ستقف مكتوفة اليدين في حين يندفع العالم نحو حروب تجارية.

محق

من منظور أميركي، يعد بايدن محقا بشأن أولوياته حيث إن غياب الاستثمار في إعادة تدريب القوى العاملة ودعم التعليم والهياكل الأساسية الحساسة، إلى جانب قانون ضريبي يفضل الاستغناء عن العمال، يفسر سبب تدهور التجارة في الولايات المتحدة.

وأشار الكاتب إلى أن استياء الشعب من المشاكل التجارية التي انجرت عن أجندة الرئيس السابق باراك أوباما الرامية لتوسيع التجارة، خاصة مع آسيا، والتي أثرت في الوظائف بقطاع التصنيع، ساعدت ترامب على الفوز بانتخابات 2016.

وهذا العام، يصمم الديمقراطيون على عدم ارتكاب الخطأ ذاته، إذ تنص رؤية بايدن التي جاءت تحت عنوان "إعادة البناء بشكل أفضل" بوضوح على أن "الهدف من كل قرار يخص التجارة يجب أن يكون دعم الطبقة الوسطى الأميركية، وخلق الوظائف ورفع الأجور، والنهوض بالمجتمعات المحلية".

انتظار

لكن العالم لن يتمكن من الانتظار للأشهر أو الأعوام التي ستستغرقها الإدارة الجديدة لتطبيق سياساتها المحلية، وأعواما إضافية حتى تظهر آثار هذه السياسات. فبعد 4 أعوام من عهدة ترامب، بدأ نظام التجارة الدولي بالانهيار، ولا يمكن لإدارة بايدن أن تطلب من بقية دول العالم أن تقف مكتوفة الأيدي، فيما تهتم الولايات المتحدة بإعادة وضعها الاقتصادي والاجتماعي لما كان عليه سابقا.

لذلك، يرجح الكاتب أن خطط بايدن ستجعل النزاعات التجارية أسوأ، على الأقل على المدى القصير، ويرجع ذلك إلى أن خطته الاقتصادية تتضمن معاملة تفضيلية للسلع أميركية الصنع، وقائمة طويلة من الإعانات للصناعات المحلية، إلى جانب تقليص الاعتماد على سلاسل الإمداد الأجنبية.

هذه بالضبط الممارسات الحمائية التي سعت الاتفاقيات التجارية السابقة لاحتوائها، لأنها تعزل الأسواق المحلية عن المنافسة الأجنبية، ولأن الحكومات والشركات تسيء استخدامها على نطاق واسع، وغالبا ما تؤدي إلى اتخاذ البلدان الأخرى إجراءات انتقامية.

فعلى سبيل المثال، يريد بايدن تفعيل خطة "اشترِ المنتجات الأميركية" التي تركز على البنية التحتية وتكنولوجيا الطاقة النظيفة أميركية الصنع، بميزانية 400 مليار دولار. ولكن من شأن هذه الخطة أن تستبعد العديد من الموردين الأوروبيين والآسيويين ذوي القدرة التنافسية العالية. كما كان بايدن واضحا عند تعهده بأن الحكومة "لن تشتري أي شيء غير مصنوع في أميركا".

ومع أن ترامب كان يأمل في استغلال الحملة الانتخابية لتصوير بايدن على أنه متساهل مع الصين، لكن رد بايدن كان معاكسا حيث انتقد الصين لـ"هجومها على الإبداع الأميركي"، من خلال سرقة الملكية الفكرية والهجمات الإلكترونية والإعانات غير العادلة.

وإلى جانب الدعوة إلى فرض تدابير أكثر صرامة على التجارة، كشف الأعضاء الديمقراطيون في مجلس الشيوخ عن خطة إنفاق بقيمة 350 مليار دولار الشهر الماضي، "لمواجهة التهديد الواضح الذي تشكله الصين على ازدهار الولايات المتحدة الاقتصادي وأمنها القومي".

أميركا أولا

تمثل هذه المقترحات النسخة الخاصة بالديمقراطيين لسياسة "أميركا أولا"، التي تزاوج بين موقف ترامب المتشدد بشأن الصين، وقائمة رغبات ديمقراطية طويلة الأمد من البرامج الاقتصادية المحلية.

من المرجح أن يتحلى الأوروبيون والكنديون والأستراليون وغيرهم من الحلفاء بالصبر، لتجنب الاضطرار إلى الاختيار بين التجارة مع الصين أو الولايات المتحدة، خاصة في ظل ضآلة جهود الصين لكسب حلفاء جدد.

وعلى العكس من ذلك، انخرطت بكين فيما أسماه الصحفي جميل أندرليني من صحيفة "فاينانشيال تايمز" (Financial Times) بـ"دبلوماسية العقاب"، حيث تستخدم الصين الأسلحة الاقتصادية لتخويف الدول التي تجرؤ على انتقاد سياسة حكومة شي جين بينغ مع حقوق الإنسان أو هونغ كونغ أو فيروس كورونا. وستكون البلدان التي تتلقى مثل هذه المعاملة أكثر من سعيدة باحتضان الولايات المتحدة مجددا، حتى لو لم تحقق كل رغباتها التجارية.

وحتى يظل الحلفاء والشركاء التجاريون سعداء، فإن بعض التلميحات التي تعبر عن حسن النية من بايدن قد تكون كافية، فيجب أن يعمل بايدن على الحفاظ على منظمة التجارة العالمية وتنشيطها. وفي حين أن إدارة أوباما قد شاركت إدارة ترامب في مخاوفها بشأن عجز منظمة التجارة العالمية عن تقييد الصين وتجاوزها من قبل هيئة الاستئناف التابعة للمنظمة، فإن إدارة بايدن ينبغي أن تلزم نفسها بإنقاذ المؤسسة من خلال الإصلاح الجاد بدلا من تدميرها.

كما يتعين على الإدارة الجديدة أن تتخلى عن الحروب الجمركية مع الحلفاء. في حالة أوروبا، لا يعني ذلك رفع التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب على الصلب والألومنيوم فحسب، بل التفاوض أيضا على إنهاء النزاع طويل الأمد حول الدعم الموجه لشركات صناعة الطائرات "إيرباص" (Airbus) و"بوينغ" (Boeing)، الذي من المقرر أن يتصاعد مرة أخرى بعد تصريح منظمة التجارة العالمية الأخير بمبلغ 4 مليارات دولار من التعريفات الأوروبية على البضائع الأميركية.

وقال الكاتب إن بايدن سيكون مجبرا على البحث عن الفرصة المناسبة، من خلال الاعتراف بالالتزامات الدولية وأهمية القيادة الاقتصادية لقوة الولايات المتحدة والاستقرار العالمي. وبما أن فشل الديمقراطيين في عام 2016 بإيجاد أرضية مشتركة في التجارة، قد ترك المجال مفتوحا على مصراعيه أمام ترامب، فإنه يجب على بايدن اغتنام الفرصة لإيجادها.

المصدر: الجزيرة

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]