هل يعقل أن يمر مائة عام على العالم العربي بدون مراجعة جدية ودراسات بحثية موضوعية تظهر سبب فشلنا وعدم نهضتنا حتى الآن، بالرغم من تقدم باقي الأمم. لقد خسرنا، بسبب ضياعنا الفكري، شبابنا وطاقاتنا ومواردنا التي لا تقدر بثمن، وبقي الظلم جاثما على أمتنا من شرقها إلى غربها والجوع والفقر والتشريد والبطالة والجهل مع ما يصحبه من آفات اجتماعية لها أول وليس لها آخر.

لا شك أن الاستعمار الغربي للعالم العربي وأطماعه في ثرواتنا كان سببا رئيسيا في استمرار تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية طيلة القرن الماضي، ولكن الاستعمار لم يكن السبب الوحيد. فقد كان الجهل هو السبب الأول الذي مكّن الاستعمار من التحكم بالشعوب العربية وقياداتها. وبرغم المحاولات العديدة التي قام بها بعض الشخصيات السياسية والفكرية في عدد من الدول العربية، إلا أن كل تلك المحاولات باءت بالفشل بعد فترة وجيزة لأنه لم يكن لها قاعدة شعبية واعية، ومؤسسات وطنية قوية تضمن الاستدامة لأي نجاح حين يبدأ. ولذلك، فإن حصيلة النجاحات المؤقتة مقارنة بالفشل الدائم تكاد لا تذكر. بل كان الوضع يزداد سوءا مع مر الزمن، حتى وصلنا إلى هذا الوضع الرديء في جميع بلداننا العربية بلا استثناء. فلا يوجد بلد عربي واحد اليوم يتمتع المواطن العربي فيه بجميع حقوقه، فإما يتمتع فقط بحقوقه الاقتصادية مثل بعض دول الخليج ولا يتمتع بحقوقه السياسية، وإما يتمتع فقط بحقوقه السياسية كما هو الحال في تونس اليوم بينما حياته الاقتصادية مزرية. والأسوأ أن عدد من الدول العربية لا يتمتع المواطن العربي فيها بأي من حقوقه السياسية والاقتصادية ويعيش في بيئة تفتقد للحريات والعدالة.

لذلك كله، يجب أن نتوقف قليلا عن الركض وراء السراب. وأن نفكر ونتعلم من الدروس المستفادة من السنين الطويلة السابقة. نعم هنالك دروس كثيرة يؤلف منها المجلدات. ومن الحكمة أن نتعلم منها وألا نتجاهلها. ألا تذكرون تجربتنا في العالم العربي في الركض وراء نموذج الدولة الاشتراكية، وفي الركض وراء نموذج الدولة القومية، والدولة الإسلامية، والدولة الوطنية. كلها باءت بالفشل، لأننا ركضنا وراء مسميات وشكليات ولم نتبع المنهج العلمي في بناء المؤسسات والدول، وفي بناء الإنسان والمواطن. لم نسعى يوما واحداً أن نبني دولة المواطنة. ولم نسعى يوما واحدا أن نستفيد من التجارب المتراكمة الماثلة اليوم أمام أعيننا في أوروبا وأمريكا وإفريقيا وآسيا وغيرها. سواء كانت تجارب فاشلة فنتجنبها أو ناجحة فنحذو حذوها.

لقد هلكتنا الشعارات الفارغة من المضمون، والخطابات العاطفية الرنانة التي تدغدغ مشاعر الناس ولا تحرك عقولهم. لقد تعبنا من مائة عام من بيانات الشجب والاستنكار، ومن الذل والهوان ومن عبودية المحكوم للحاكم. وفي ظل غياب النهج الديمقراطي المدني، كثرت الانقلابات العسكرية الدموية وكان ثمن الانسان العربي رخيصا يسال في الشوارع. وكانت وظيفة الحاكم هو التحكم بالشعب وليس خدمته ورعايته. وكان الفساد وسرقة المال العام والعمالة للاستعمار أشهر ما يميز الحكم العربي.

ونصحو اليوم على هذا الواقع المرير، وكأننا لم نعرفه من قبل، أو ربما كنا نغمض أعيننا عنه لأننا لم نشأ أن نعترف بتخلفنا عن باقي الشعوب الحضارية، ولم نرد أن نفضح أمرنا وأردنا أن نستمر في خداع أنفسنا بأننا ما زلنا وسنبقى أفضل شعوب الأرض. نعم هي الحقيقة، أننا اليوم لسنا أفضل شعوب الأرض؛ لا في العلم ولا في الصناعة ولا في الفضاء ولا في الزراعة ولا في التكنولوجيا، وربما ليس أيضاً في الاخلاق خاصة عندما ننظر للأمم الأخرى مثل اليابان التي ليس لها دين بينما هي اليوم أفضل شعوب الأرض أخلاقا. هذه هي الحقيقة، ومهم جدا أن نعرفها ونراجع كل شيء بموضوعية وعقلانية بعيداً عن العاطفة والخداع، حتى نعرف كيف نعالج وضعنا وحتى ننهض ونصحو من غفوتنا الطويلة. لأننا لو بقينا نكذب على أنفسنا، لاستمر وضعنا كما هو وربما ازداد سوءا وتدهور أكثر فأكثر.


 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]