- حتى قبل نحو شهر على فتح صناديق الاقتراع لانتخابات الكنيست الـ24، لا يزال المُعطى الأكثر ثباتاً، والذي تؤكّده الوقائع مشفوعة بتنبؤات استطلاعات الرأي، يشير إلى أن المأزق السياسي الإسرائيلي مرشح للإستمرار، في ظلّ عدم امتلاك أي من المتنافسين لمفتاح الحسم المتمثل بالرقم السحريّ: إئتلاف من 61 عضو كنيست، يمكّن صاحبه من ترأّس الحكومة المقبلة.

في ضوء ذلك تتجه أنظار المراقبين الإسرائيليين، إلى عامل المفاجأة التي من شأنها أن تقلب المعادلات، ولو في الأيام القريبة من يوم الاقتراع، أو حتى في يوم الاقتراع نفسه، منها، على سبيل المثال، ما يتعلّق بحملة التطعيم من فيروس كورونا؛ نسب التصويت أو مصير الأحزاب الصغيرة المتأرجحة على حدود نسبة الحسم البالغة 3.25 في المئة، والتي يتموضع أكثرها في المعسكر المُعارض لنتنياهو، ولكنّها تخدم بالتحديد نتنياهو في حال فشلت في تجاوز نسبة الحسم.

وفي الضفة الأخرى، تشخص الأنظار نحو حزب "يش عتيد"(يوجد مستقبل) بزعامة يائير لبيد، الذي كرّس مكانته كالحزب الأكبر بعد حزب الليكود، بزعامة بنيامين نتنياهو، الأمر الذي يُلزم لبيد بالسير بين حديْن إذا أراد تعزيز حظوظه بتشكيل الحكومة المقبلة، ولو نظرياً: الأول زيادة قوّة حزبه الانتخابية إلى الحدّ الأقصى، وفي الوقت عينه تجنّب المساس بحظوظ أحزاب معسكره في تجاوز نسبة الحسم، ما ينعكس ارتفاعاً في أصوات الموصين المفترضين له لتشكيل الحكومة.

أما في معسكر اليمين المُناهض لنتنياهو، فلا زالت المعارك تُدار بما يخدم نتنياهو، حيث يراشق حزبا "يمنياً"، برئاسة نفتالي بنيت، و"تكفا حدشا"، برئاسة غدعون ساعر، الهجمات والاتهامات، مع أنهما يُعلنان أن خصمهما المشترك هو نتنياهو.

تراشق الاتهامات

هاجم رئيس حزب "يمينا"، نفتالي بنيت، في مقابلة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قائلاً "إنه حان الوقت لاستبداله"، كما انتقد بنيت نتنياهو بسبب علاقاته مع رئيس القائمة العربية الموحدة منصور عباس، وقال عن الأحزاب العربية: "سأتبنّى كل مواطن في إسرائيل، يهودي أو عربي، لكن لن أتسامح مطلقاً مع أي أحد سيحارب حق إسرائيل في الوجود".

هاجم رئيس حزب "إسرائيل بيتنا"، أفيغدور ليبرمان، سياسة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الخارجية، وقال "في خطاب الرئيس الاميركي جو بايدن حول السياسة الخارجية لم يذكر اسرائيل ابدا، والمحكمة الدولية في لاهاي قررت امكانية التحقيق مع اسرائيل بشأن جرائم حرب، وأمان (شبعة الاستخبارات العسكرية) أعلنت أن إيران أقرب من أي وقت مضى من السلاح النووي، ونصر الله قال بنفسه في السنة الأخيرة ضاعفنا كمية الصواريخ الدقيقة.

لقد رأينا إطلاق صاروخ أرض جو باتجاه مسيّرة إسرائيلية. نتنياهو فشل فشلاً ذريعاً في السياسات الأمنية والخارجية. وطالب ليبرمان بتشكيل لجنة تحقيق على ضوء الأجواء بين القيادتين السياسية والأمنية، واصفاً بأن الوضع اليوم بأنه أسوأ من عشية حرب يوم الغفران.

ردّ حزب "كاحول لفان" على الانتقادات التي وجّهها له رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بالقول إن "الجمهور الإسرائيلي يعلم أن نتنياهو يكذب مثلما يتنفّس. لو كان يفكّر بالمواطنين وليس بنفسه وبمحاكمته لكان أمرر ميزانية الدولة ولم يقوّض الاقتصاد. خطته الاقتصادية الكاذبة هي رشوة انتخابات من دون مصادر تمويل". وخلال جلسة "كابينت الكورونا" التي ناقشت الخروج التدريجي من الاغلاق بسبب كورونا، هاجم غانتس رئيس الحكومة بالقول: أنت تلعب بالمعطيات، الخطة الاقتصادية -هي رشوة انتخابية.

وأفادت تقارير إعلامية أن وزراء حزب "كاحول لفان" غضبوا وانسحبوا من جلسة الحكومة الثلاثاء الماضي بعد أن استغل نتنياهو جلسة الحكومة التي عقدت على عجل لمناقشة موضوع أمني حساس، وطرح خطة التقديمات المالية التي طالب هو ووزير المالية عرضها لموافقة الحكومة خلافاً لموقف حزب "كاحول لفان"، ما أدّى إلى انسحاب الحزب وانهاء الجلسة.

شهدت إحدى جلسات الحكومة مواجهة كلامية بين بنيامين نتنياهو من جهة ووزير الاقتصاد، عمير بيرتس، بعد أن أطلع نتنياهو الوزراء أنه تحدّث مع رؤساء شركتي "فايزر" و"موديرنا" للقاحات في محاولة لإنشاء مصانع للشركتين في "إسرائيل"، متجاوزاً وزير الاقتصاد، ما استدعى سجالاً بينهما.

بعد 24 ساعة على الشكوى التي قدمها حزب "يمينا" لدى لجنة الانتخابات المركزية بادّعاء أنّ حزب "تكفا حدشا" (أمل جديد) برئاسة ساعر يوظف مناشير تحقير ضد نفتالي بنيت، نشر ساعر منشورا هاجم فيه "بنيت" واتّهمه بأنّه يعمل في خدمة نتنياهو. في غضون ذلك أطلق "بنيت" على أعضاء حزب "تكفا حدشا" الذين انتقلوا من الليكود بالفارّين، وتنبّأ بعودتهم إلى الليكود بعد الانتخابات.

تصعيد الحملات الانتخابية

باعتباره الحزب الأكبر في معسكره، يخوض حزب "يش عتيد" برئاسة يائير لبيد، حملته الانتخابية على قاعدة: زيادة قوة الحزب الى الحدّ الأقصى دون المساس بالشراكة مع معسكر الوسط – يسار، وتكمن معضلة "لبيد" في أنّه لو زادت قوته الانتخابية أكثر، ووجد نفسه مرشّحاً لرئاسة الحكومة فمن المتوقّع أن يسحب إليه الكثير من المصوتين من بعض أحزاب الوسط-يسار، وهي الأحزاب التي يُرجّح أنّ ترشحه لتأليف الحكومة، لذا فهو يحرص على انجاحها، أو انسحاب "كاحول لفان" تفادياً لهدر الأصوات. وخلافاً لحملاته الانتخابية السابقة يتجنّب "لبيد" هذه المرّة مهاجمة الأحزاب الحريدية، حيث أوضح أحد أعضاء الكنيست من الحزب أنه "لا أحد يعتقد أن الأحزاب الحريدية ستجلس مع "لبيد" في الحكومة، ولكننا لا نكره الحريديم".


وأضاف: "نحن نشعر أنّه من الصائب أكثر عدم إدارة حملات انفعالية في هذا الموضوع". وأضافت مصادر من الحزب أن اللوحات الإعلانية التقليدية للحزب ستُستبدل بحملة ملائمة شخصيّة لناخبين محتملين على شبكات التواصل الاجتماعي حيث ستتوجّه الحملة بشكل مركّز إلى قطاعات مختلفة: طلاب، أهل، مستقلون، من يعنيهم مواضيع الدين والدولة.

قالت مصادر في حزب "كاحول لفان" إن حزب "يش عتيد"، برئاسة يائير لبيد، يمارس ضغوطاً على قادة الحزب من أجل انسحابهم من السباق. وردأ قال رئيس حزب "كاحول لفان" ووزير الأمن الإسرائيلي، بني غانتس: "لست متأثراً من حملات يش عتيد"، التي تنفذ عبر رسائل من خلال صفحات وحسابات "كاحول لفان" في الشبكات الاجتماعية وتطبيق واتسآب ورسائل نصية.

في المقابل هددت مصادر في "كاحول لفان" أنه يتعيّن على "لبيد" أن يأخذ بالحسبان أنه سيحتاج إلى حزبهم للتوصية عليه أمام الرئيس الإسرائيلي بتكليفه بتشكيل الحكومة المقبلة. ويرجح مراقبون أن حملة "يش عتيد"، تساهم في التراجع الكبير في شعبية "كاحول لفان" واحتمال عدم تجاوزه نسبة الحسم، ما يؤدي إلى هدر أصوات في معسكر الوسط-يسار.

قرارات لجنة الانتخابات المركزية


رفضت لجنة الانتخابات المركزية طلب شطب "القائمة المشتركة"، و"القائمة العربية الموحدة" (الإسلامية الجنوبية) من خوض انتخابات الكنيست، في آذار المقبل.

في المقابل قرّرت اللجنة شطبت المرشحة السابعة في حزب العمل، ابتسام مراعنة، في أعقاب طلب قدمه حزب "عوتسما يهوديت" بذريعة أن "مراعنة" أدلت، قبل سنوات، بتصريحات ضدّ إسرائيل، وهي تصريحات موثقة على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي. ولا يعدّ قرار لجنة الانتخابات نهائياً، إذ أن بإمكان "مراعنة" الالتماس لدى محكمة العدل العليا، التي سبق وأن رفضت في حالات مشابهة قرارات صدرت عن اللجنة المركزية بشطب مرشحين.

استطلاعات الرأي

آخر استطلاعات الرأي لم تحمل معها أي جديد على صعيد موازين القوى الحزبية، ولا على صعيد حسم الكفة لصالح هوية رئيس الحكومة العتيد، وعكست استمرار نوع من التوازن بين معسكري نتنياهو وخصومه، بما يشي بأن الأزمة السياسية الإسرائيلية مرجحة للبقاء إلى ما بعد انتخابات الكنيست في 23 آذار المقبل، التي لا يبدو بحسب استطلاعات الرأي أنها ستكون بابا للفرج، بل ربما مدخلا لأزمات جديدة.

وبحسب آخر استطلاع للرأي نشرته صحيفة معاريف أمس الجمعة، حافظت معظم الأحزاب على قوتها، وكذلك المعسكرات، فهي أظهرت أن أحزاب معسكر نتنياهو الذي يضم الليكود، و"شاس"، و"يهدوت هتوراة"، و " هتسيونيت هدتيت"، تحصل مجتمعة على 48 عضو كنيست، وحتى لو انضم إليها حزب " يمينا" برئاسة نفتالي بينت ( 12 عضو كنيست)، فلن تبلغ عتبة ال 61 عضو كنيست التي يحتاجها نتنياهو لتشكيل الحكومة.

في المقابل، صحيح أن أحزاب المعسكر المناهض لنتنياهو مجتمعة، الذي يُعد العداء لنتنياهو قاسمها المشترك الوحيد، لديها أكثر من 61 عضو كنيست، إلا أن توزعها على امتداد الخارطة السياسية، وما بينها من خلافات وتناقضات حزبية وسياسية وشخصية، وعدم اتفاقها على مرشح واحد، يجعل من شبه المستحيل تمكن هذا المعسكر من تشكيل الحكومة.

المصدر: الميادين

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]