من تجاربنا الماضية
إياكم والشخصنة والاستهتار بالمنافسين والوقوع في فخ الطائفية..
*سنعود ونلتقي ونتشارك في المعارك القادمة فلا تحرقوا الجسور *
حسين سويطي
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
سجلت معركة انتخابات الكنيست ال ١١ سنة ١٩٨٤ تحولًا في العمل السياسي لدى جماهيرنا العربية وذلك بظهور القائمة التقدمية قائمةً منافسة للجبهة والحزب الشيوعي على كسب أصوات المواطنين وهي ليست مرتبطة عضويًا بالمؤسسة الحاكمة مباشرةً كما كانت الحال عليه مع "القائمة العربية الموحدة" آنذاك (قائمة سيف الدين الزعبي وحمد ابوربيعة وجبر داهش معدي).
واشتد الصراع بين القائمتين الجبهة والتقدمية وكالت كلٌّ منهما للأخرى سيلًا من الاتهامات وصلت حدّ التخوين. كان شعار التقدمية آنذاك "فلسطينية الجذور والتطلعات" (وكأن جذورنا وتطلعاتنا ليست فلسطينية) مع أن مرشحها الثاني هو الجنرال احتياط ماتي بيلد عضو هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي إبان عدوان حزيران ٦٧ وأحد نجومها الصحفي"اليساري" والصهيوني حتى النخاع أوري أفنيري الذي أصدر نشرةً خاصةً من اسبوعيته "هعولام هزيه" أثناء تلك الحرب وعنوانها "الهدف دمشق"، ورئيسها كان المحامي محمد ميعاري الذي كان من نشطاء اللجنة القطرية للدفاع عن الاراضي وعضو سكرتاريتها لا بل ونشط في النشر في صحافة الحزب الشيوعي والدعوة للجبهة في الانتخابات التي سبقت وكان محطّ احترام من قيادة الحزب والجبهة قطريًا وحيفاويًا.
فجأةً انقلبت الأمور أو قَلَبَها "ابو يسار " ورفاقه ودبّت نار العداوة بين نشطاء التنظيمين ووصلت حدّ التشكيك والتخوين. وتركزت الحملة الانتخابية حينها من طرفنا على العلاقة بين قادة القائمة ولقائهم وزير الأمن الإسرائيلي آنذاك موشيه آرنس وما تسرب من تلك الجلسة وتعارُضه مع "فلسطينية الجذور والتطلعات". هذا من جهة ومن الجهة الأخرى حدّ الاستهتار وأن القائمة لن تعبر نسبة الحسم وان كل صوت لها هو خسارة فادحة وسيصب في صالح الليكود الحاكم.
وما أشبه اليوم بالبارحة.
كنا نسميها تعاليًا باسمها العبري "المتكديمت" وكانت المقاطعات متبادلة وتقسمت بيوت بين الكتلتين وطلعت نظريات "بارك الله في البيت الذي يخرج منه بيت" تبريرًا لخروج نشطاء جبهويين او مقربين من الحزب والجبهة وانخراطهم في نشاط التقدمية. ودفع الراحل صليبا خميس ثمنًا باهظًا وصل حد الطرد من صفوف الحزب لأسباب عدة أحدها استمرار علاقته الوطيدة بعضو الكنيست ميعاري. وكم مرة حصلت مشادات وتراشقات وصلت أحيانًا حد الصدام بين نشطاء الطرفين.
وكان الحسم في الصندوق فحصلت الجبهة على ٦٩،٨١٥ صوتًا واربعة مقاعد (٣،٤٪؜) والتقدمية على ٣٨،١٠٢ صوتًا ومقعدين (١،٨٪؜).
استمرت العداوة والانقسام بين ابناء الشعب الواحد لا بل ابناء الأقلية الواحدة.
ثم جاءت انتخابات الهستدروت سنة ١٩٨٩ وحصلت المفاجأة. اتفقت الجبهة والتقدمية والحزب الديمقراطي العربي على تشكيل قائمة مشتركة خاضت الانتخابات وحصلت مجتمعةً على ٣٣٪؜ من اصوات الناخبين العرب اعضاء الهستدرت وهي حصيلةٌ اقل بكثير مما حصلت عليه هذه القوائم في الانتخابات التي سبقتها سنة ١٩٨٥ اذ نالت الجبهة منفردةً ٣٥٪؜ و ،٧٪؜ نالت التقدمية.
وما اشبه اليوم بالبارحة.
تميزت سنوات التسعين من القرن الماضي وحتى العام ١٥ من القرن الحالي حالةً من الفرز السياسي الواضح بحدودٍ مميزة وانتشرت التنظيمات السياسية على الصعيد القطري وخاضت هذه التنظيمات حروبًا إعلامية شرسة كانت لي حصةٌ وفيرة منها مع هذه التنظيمات مدافعًا عن خط الحزب والجبهة وكاشفًا الحدود الفواصل بين ما هو غثّ وسمين وبين ما هو قمح وزؤان. وخاضت هذه الأحزاب الانتخابات البرلمانية منفردةً او مؤتلفةً. بدأتها الجبهة سنة ١٩٩٦ بتحالفها مع خصمها اللدود آنذاك ،التجمع، وحصولهما معًا على خمسة مقاعد و١٢٩،٤٥٥ صوتًا وفي المقابل تشاركت الحركة الاسلامية الجنوبية مع الحزب الديموقراطي العربي مشكلين "القائمة العربية الموحدة" وحصلا معًا على اربعة مقاعد و٨٩،٥١٤ صوتًا. وتاليًا في انتخابات ١٩٩٩ فضّ التجمع هذه الشراكة وذهب لشراكةٍ مع العربية للتغيير وحصلا معاً على مقعدين و٦٦،١٠٣ أصوات وبقيت الجبهة بمفردها وحصلت على ٣ مقاعد و٨٧،٢٢ صوتاً في حين انضم الى الموحدة التحالف الديمقراطي برئاسة هاشم محمد الذي انفصل عن الجبهة وحصلت هذه القائمة المكونة من ثلاثة أحزاب على ٥ مقاعد و ١١٤،٨١٠ اصوات . ثم في انتخابات الكنيست ال١٦ سنة ٢٠٠٣ خاضت الجبهة الانتخابات متحالفةً مع العربية للتغيير وحصلتا على ٣ مقاعد وذهب التجمع منفردًا وحصل على ٣ مقاعد والإسلامية والديمقراطي العربي في إطار الموحدة حصلت على مقعدين. ثم في انتخابات للكنيست ال١٧ سنة ٢٠٠٦ انضمت العربية للتغيير الى الموحدة وحصلا على ٤ مقاعد في حين خاضت الجبهة والتجمع هذه الانتخابات بقائمتين منفصلتين وحصلت كل منهما على ٣ مقاعد. وفي انتخابات الكنيست ال١٨ سنة ٢٠٠٩ توزعت المقاعد على الشكل التالي :الجبهة منفردةً ٤ مقاعد الموحدة والعربية للتغيير ٤ مقاعد والتجمع ٣ مقاعد. وكانت نفس التركيبة ونفس النتيجة في انتخابات الكنيست ال١٩ سنة ٢٠١٣.وبقيت هذه الحال الى أن أقرت الكنيست سنة ٢٠١٤ بناء على اقتراح الوزير ليبرمان رفع نسبة الحسم الى ٣،٢٥٪؜ وذلك لتقف هذه النسبة حدًا وحاجزًا أمام عبور الأحزاب الفاعلة في المجتمع العربي وتمنع دخولها الكنيست أو تحدّ من ذلك. وهنا وجدت الأحزاب الأربعة الممثلة في الكنيست بثلاث قوائم نفسها مضطرةً ان تواجه الحقيقة وبأن عليها ان تتعالى على الخلافات في ما بينها وتجد الطريق للتفاهم والتعاون ولتتشارك في قائمةٍ واحدة وتصفع نتنياهو وليبرمان. فكانت القائمة المشتركة التي خاضت الانتخابات سنة ٢٠١٥ ونجحت الأحزاب الأربعة في العودة الى الكنيست متخطيةً عقبة نسبة الحسم والفخ الذي نصبه ليبرمان ونتنياهو ورفعت التمثيل العربي بمقعدين (١٣ مقعدًا بدل ١١). وحصولها على ٤٤٦،٥٥٣ صوتًا . الا أن هذه القائمة تصدعت في انتخابات نيسان ابريل ٢٠١٩ وخاضتها في قائمتين (الإسلامية والتجمع من جهة والجبهة والعربية للتغيير من الجهة الثانية). وجرت المعركة والتنافس بين القائمتين في ظل تبادل التهم والتراشق الإعلامي وكانت النتيجة ان هبط التمثيل العربي الى عشرة مقاعد فحصلت الجبهة والعربية للتغيير على ١٩٣،٤٤٢ صوتًا و٦ مقاعد (جبهة ٤ والتغيير ٢) وتحالف التجمع والاسلامية حصل على ١٤٣،٦٦٦ صوتًا واربعة مقاعد ( التجمع ٢ والإسلامية ٢) متخطيّا نسبة الحسم بعدد قليل من الأصوات.
اعتقدنا ان هذه التجربة تجربة الوحدة ومن ثم تجربة الانفصال قد علّمت قادة الأحزاب ان القوة تكمن في الوحدة خاصةً انها سرعان ما تخطّت الانقسام لتعود وتتفق على خوض الانتخابات بقائمةٍ مشتركةٍ جديدة في انتخابات الكنيست ال ٢٣ سنة ٢٠٢٠ وذلك باحراز اكبر انجاز انتخابي عربي في قائمة واحدة بحصول هذه القائمة على ٢٥ مقعدًا و٥٨١،٥٠٧ أصوات ولتحول هذه القائمة الى القائمة الثالثة في الكنيست بعد الليكود وكحول لڤان.
وما أشبه اليوم بالبارحة !!
انتهت المفاوضات عشية تشكيل القوائم للكنيست ال٢٤ التي ستجري في ٢٣/٣ القادم الى خروج الحركة الإسلامية للمرة الثانية من المشتركة لتخوض الانتخابات منفردةً ومهددةً بذلك التمثيل العربي إذ أن هناك مخاطر جديّة بأن لا تتجاوز هذه القائمة نسبة الحسم. في حين تمسكت المركبات الثلاثة الأخرى ،الجبهة والعربية للتغيير والتجمع بالقائمة المسومة اسمًا وبناءً.
منذ هذا الخروج الى اليوم تشهد الساحة السياسية حراكًا إعلاميًا حادًا عبر شبكات التواصل بين نشطاء الطرفين تميّز بالشخصنة . لكنه حراك تعدّى خطوط النقاش السياسي، أو لنقل بوضوح انه لم يصل أصلًا الى المستوى السياسي من قبل نشطاء وإعلام الاسلامية الموجه بشكل خاص ضد نشطاء وقادة الحزب والجبهة، ووصل حد التكفير والتخوين وكَيْل التهم على اليمين والشمال التي لم يسلم منها لا وجيه ولا رفيع.وفي بعض الحالات تطرق الى لهجةٍ تفوح منها رائحة الفتنة الطائفية والمذهبية ولا أحد يعلم أو يستطيع ان يجزم ، الى ماذا وأين ستصل هذه الحملة التي لم يشهد مجتمعنا مثيلًا لها من قبل إلّا في سنوات السبعين بعد يوم الأرض بين الجبهة من جهة ومن الأخرى أحزاب السلطة مجتمعةً وقائمتها العربية الموحدة آنذاك والتي كانت آخر انتخابات لها!!
والحال كذلك ، هل يستفيق الناشطون الإعلاميون وقادة الفصائل لوضع حدٍّ لهذا التردي قبل فوات الأوان خاصةً ان المرحلة المقبلة ستفرض التعاون بين مندوبي القائمتين في البرلمان اذا ما نجحتا . تمامًا مثلما عاد التعاون بين القائم بعد كل انتخابات مضت. فهل يخفف المسؤولون الإعلاميون من حدّة المطرقة الإعلامية النازلة على الرؤوس الحامية أصلًا، خاصةً انه وسيكون علينا جميعًا دون استثناء ترميم الأجواء وبحث السبل للعودة الى منطق الحياة السليم فلماذا لا نعمل على صيانتها وصيانة بيتنا المشترك الآن وان لا نسمح لأحد بهدمه..علينا جميعًا تنظيمات وأشخاص ان ندرك ان هذه ليست المعركة الأخيرة وأننا سنلتقي ونتشارك في ميدان الدفاع عن حقوق شعبنا العربي الفلسطيني من اجل إقامة دولته وعودته ومن أجل حقنا في مساواتنا القومية واليومية ، هذه ليست آخر المعارك فلا تحرقوا الجسور ..
( ابوسنان ٢٣ شباط ٢٠٢١)

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]