ترى مدربة التنمية البشرية، سجود زعبي، ان أغلبية العالم تعيش في منطقة الراحة ولا تدرك ماذا يعني اننا يجب ان نقاوم من اجلنا، وهي ايضا كانت في تلك المنطقة الا عندما تواجهت مع دخيل يهاجم جسدها ويحاول ان يهدم ما تبقى من روحها.

وقالت في حوار خاص مع مراسلة "بكرا": المرض يعني انك تتجه ببساطة ضد تيار الحياة وتفكر تفكيرًا سلبيًا بأن قانون الحياة هو قانون النمو والطبيعة تشهد. فاذا بنيت أفكارًا لا تتفق مع الانسجام فانك سوف تشعر بالضيق والقلق وستجلب اليك الامراض.

وتحمل زعبي دبلوم في البرمجة اللغوية العصبية، وماجستير في نفس المجال وشهادة تنمية بشرية جمهورية، وتتعلم الآن العلاج النفسي، وتعمل حاليا كمدربة تنمية بشرية في مراكز مختلفة داخل البلاد.

وتقول زعبي في كل حديث لها داخل شبكات التواصل الاجتماعية او من خلال دوراتها التي تتمحور حول "معرفة "من أنا" و"السعادة" وغيرها، "ان كل يوم هو فرصة جديدة لاكتساب الخبرات لذا فانا لا اكتفي من العلم والتعلم، انت ايضا حاول ان تكون هكذا".

السرطان و"الامومة": المعركة الحقيقية هي المرض ام مواجهة طفلتيك؟

تقول سجود عن تحديها لمرض السرطان: الطفلتان "بانا وديما" كانتا الطاقة الدافعة الى طريق العودة نحو الحياة، والوقت والتأمل هما عاملان اساسيان يلازمان حياة مريض السرطان الذي يقضي وقتا طويلا بين العلاج والسرير. وانا من خلال التأمل بما يدور حولي وبداخلي بالحاضر والماضي ونظرتي المستقبلية ايقنت أن لي شيء لم اتممه وعلي ان اعود بقوة اليه ومن اجله، فهمت ان لا احد سيقوم بدور الامومة افضل مني وبالطريقة التي اريد لطفلتي, ومن هنا اخترت ان اوحد صف جنود المقاومة الذي ضم عزيمتي، زوجي، اهلي (امي واخوتي: تميم سمر وعنادل) وبناتي بانا وديما.

احدى توصيات التنمية البشرية بهذا المجال ان تكون واقعيًا وذكيًا لكي تعرف اين بالتحديد تقف الان بشكل واقعي ودون زيف ولاين تسعى ان تصل.

وهنا قمت بتوضيح الوضع لبناتي بشكل يلائم قدرتهن للاستيعاب وبما يتناسب مع اعمارهن. ومن الطبيعي التوضيح واخبار طفلتي بهذا الوضع "هي خطوة ما كان حدا رح يعملها افضل مني"، التوضيح بشكل موضوعي بدون مبالغات، تفاصيل عن الوضع الصحي وكيف يمكن ان يكون تأثير العلاج الكيماوي علي بشكل خاص وعلى حياتنا بشكل عام، شرح عن الرؤية العلمية للوضع وتصريح طبيبتي الغالية "منى بلان" عن قدرتها هي والطاقم علاج هذا النوع من "سرطان الدم". واكيد التطرق لمخاوفهن والحديث عنها والاجابة الحاسمة لمخاوفهن كانت رؤيتي قادرة على التعامل مع الوضع الجديد من خلال السلوكيات اليومية وايضا من خلال التواصل الدائم و أن هذه الفترة الصعبة ستنتهي بمرحلة ما.


هل التنمية البشرية كانت بيتك الدافئ والواقي من السرطان؟


نعم بكل تأكيد فقد جعلتني افهم انه ليس من الطبيعي ان تكون مريضا، انما الامر الطبيعي ان تكون في اتم الصحة.

المرض حكاية التقدم ضد تيار الحياة المعاكس لأحلامنا، والتنمية البشرية كانت قانون لانتشال المرض والمقاومة نحو كل المفاهيم والمقاومات حتى الوصول الى اتمم النجاحات.

ما هي الامور التي غيرت مفهوم التجربة الصعبة داخل حياتك؟


تجربتي الصعبة جعلتني "أن أقدر" نعم كنت قد تعودت عليها مثل الروتين اليومي والقدرة عل الذهاب للعمل, استنشاق الهواء, الاعتناء بالأولاد وقبلها الاعتناء بنفسي, تنظيف البيت, اعداد الطعام, الشعور بطعم الغذاء... وبإمكاني ان اعد نعم واملأ بها صفحات كنت قد اتخذتها كمسلمات ومع الوقت للأسف ما عدت اقدرها.

ادركت حاجة للتواصل مع الله ليس من اجل طلب النعم وانما من اجل الشكر على النعم الغير محدودة التي اعطانا اياها الكريم وأساله عدم زوالها.

فهمت انني لا اعيش هنا للابد وانني كنت اضيع حياتي ايامي ساعاتي ودقائقي بلا فائدة وما كنت اعرف ان لي دور بالحياة خلقت لأجله فانا اداة من اجل نقل نعم الرب للآخرين.

المرض "غربل" اشخاص بحياتي وادخل اشخاص اكثر تأثير وايجابية مما جعلني افهم ان البيئة يمكن تغييرها وان بإمكاني تصميم بيئتي الخاصة فانا لست بشجرة.

المرض جعلني اصمم حياتي من جديد وبشكل مختلف تماما تنازلت عن اشياء لأتفرغ لأشياء اكثر جمال اليوم اتعامل مع الحياة بأكثر شغف وسعادة اليوم انا قائدة نفسي وحياتي .

مخاوف كثيرة ذابت وتلاشت وفهمت انها وهم كان يكبلني ويمنعني عن كوني انا.

ما هو التغير الذي تحاولي صنعه تهيئا لمستقبل طفلتيك؟

التغيير يبدأ من ذاتك فبعلاقتك مع العالم المحيط هنالك ثلاثة محاور انت، العالم، انت والعالم. ما احاول قوله ان لك طرف ودور بهذه العلاقة ولكي يحصل التغيير بالعالم المحيط يجب أن يبدأ التغيير منك. اكثر من ذلك عندما تفهم انك انت المسؤول الوحيد عن كل ما يدور بحياتك سيحصل التغيير.

لذا التغيير الذي اسعى لتحقيقه في حياة بناتي اولا هو بناء لديهن الشعور بالمبادرة وهذا يعني ان لا تكن متلقي للحياة وما تجلبه لك وانما ان تكون مبادرا يعني ان تحمل شمسك والطقس الذي يلائمك بداخلك وان لا تنتظر الشروط الخارجية بان تصبح مناسبة. بكلمات اخرى يمكن للظروف ان تكون قاسية جدا لكن انت على يقين بانه سيكون لك حضورك الكامل لأنك قادر ولآنك تمتلك العزيمة.

كذلك اسعى ان اذوت لدى بانا وديما ان بإمكانهم خلق البيئة المناسبة لهن. بيئة تتميز بالتنوع الثقافي المتري, بيئة تتميز بالتقبل بالتكاتف والدعم.

التنمية والتقدم
بداية الطريق في عالم التنمية البشرية كيف بدأت؟


فهمت في بدايات العلاج الطبي " ان لا يمكن للمرض ان يسكن جسم صاحبه يتحلى بصحة نفسية وباتزان نفسي" وانه علي ان اتلقى علاج نفسي مرافق للعلاج الطبي وبحثت عن علاج يكون قريب وسهل الوصول اليه لوضعي الصحي ولان "ما تبحث عنه يبحث عنك", في احدى الليالي الطويلة كنت اتصفح الفيس بوك ووقعت عيني على فيلم قصير للسيدة "ميري مطر سكران مديرة لايف افكت" وكنت قد تعاملت معها سابقا لورشات من اجل بانا وديما.

توجهت اليها برسالة نصية شرحت لها وضعي وطلبت مقابلتها وكان لقاءنا باليوم التالي الشخص الذي دخل الجلسة العلاجية لم يكن نفس الشخص الذي خرج منها. خرجت متفهمه تماما ان عقلي الباطن هو حديقة وانا المسؤولة الوحيدة عن هذه الحديقة ونوعية البذور التي تبذر فيها, بذور خير او بذور شر. واي كانت هذه البذور(الافكار) فانك ستحصد النتائج في جسمك وحياتك. افكارك واعتقاداتك وشعورك ينعكس بحيويتك, بحالتك الجسدية, المالية, الصحية, الاجتماعية... ولك الاختيار.

ومن هنا بدأت كمتدربة بعدة تدريبات جماعية توالت لمدة سنة تقريبا بالإضافة للتدريبات حضرت امسيات وبدأت القراءة كتب بمجال التنمية وتطوير الذات وبعدها وع انتهاء محنة مرض السرطان وانتهاء العلاجات التحقت بدورة تأهيل مدربين تنمية بشرية لمدة سنة ونصف تخللت ايضا دورتان مكثفتان في مجال البرمجة اللغوية العصبية. مشروعي لم ينتهي فانا من انصار نظرية التحسين المستمر لذا فانا اليوم ادرس العلاج النفسي التحليلي وهو برنامج لثلاث سنوات بهدف الازدياد والتوسع في نظريات علم النفسي وايضا للازدياد بالأدوات العلاجية.

اخبرونا كثيرا ان التنمية البشرية هي "كلام وهمي يعيد نفسه" ما هو ردك؟

انا مدركة تماما انه هذه وجهة نظر موجودة عند الأغلبية، أتخيل نابعة من سطحية التعامل مع التنمية البشرية ولا اخفيك سرا هذه كانت وجهة نظري قبل الدراسة والتعمق. كنت ومن خلال مشاهدتي لمدربي التنمية البشرية المختلفين اشاهد نتائج عمل رهيبة وبوقت قصير ومن جهة اخرى اراء المتلقين او المتدربين وكنت اظنها مبالغ فيها.

وبالواقع بعد دخولي لعالم التنمية البشرية والبرمجة اللغوية العصبية وكذلك دراسة علم النفس العلاجي فهمت ان تدريبات التنمية البشرية تعتمد على التغيير بالمعتقدات والافكار مما يؤدي لتغيير بالسلوك. وهذا التغيير يتطلب لقاءات عددها قصير نسبيا بالمقارنة مع توجهات علاجية اخرى.

هل شعرت يوما انك كمدربة تنمية بشرية ان هنالك امور لا توافقيها الرأي في التنمية؟

انا ارفض استغلال مجال التنمية البشرية وتحويله الى عمل من لا عمل له، هذا المثال يذكرني كثيرا بواجبنا بالتفرقة بين الدين والمتدينين.

فنحن بهذه الطريقة نرخص من قيمة التنمية ونحولها لشيء بخس ارجو ان لا ننسى اننا نتعامل مع تنمية اكبر الثروات على وجه البسيطة الا وهو الانسان. ومن يتعامل مع الانسان بمجال التنمية عليه ان يتميز بصفات مميزة تجعله اكثر مهنية: الشعور بالآخر، تقبل الاخر وافكاره كما هي, الحكمة, الثقافة, الخبرة, التحسن المستمر, التماهي وبالمقابل القدرة على الرؤية الاوسع, التعامل بشفافية, قدرات تعبيرية...

كثيرا ما يؤمنون اصحاب المراكز التعليمة للتنمية البشرية بمقولة روبن شارما " ق. ب.م " (قائد بلا منصب ) هل تدعمين هذه المقولة؟

أدعمها ولكن أؤمن أنك انت ربان سفينة حياتك, وانت صانع مستقبلك لا تدع الاخرين يفكروا لك. اختر افكارك واصنع قرارتك. لديك القدرة على الاختيار فختر الحياة والحب، والسعادة.

انا لا اسعى للقيادة وانما اسعى للتأثير الايجابي بالآخر الذي يتطلب التقارب والتماهي, التلاؤم والانسجام وان تضع نفسك مكان الاخر احيانا واحيانا اخرى النظر من خارج الاطار لحياة الاخر لفهم موقع ونفسية الاخر والموضوع يتناقض كليا مع صفات لها علاقة بنفخ الانا مثل القيادة.

اهم اسس التنمية البشرية التي تريها انها مؤثرة وكنت قادرة على التأثير بها على جهة او طرف او شخص معين ؟؟

- تقبل الاخر مختلف كليا عني بالمعلومات الوراثية, بالبيئة المحيطة به, بطريقة التربية التي تلقاها, بصفات اهله, بتركيبة دماغه, بصفاته الجسدية...من هنا فان مشاعره وسلوكياته وليده كلما ذكر سابقا واكثر.

الكثير من السلوكيات الغير ايجابية والمشاعر الغير ايجابية هي وليدة تجارب صعبة عاشها هذا الانسان واذا كانت هذه السلوكيات والمشاعر هي ما تميز وتصف حياته هذا يؤكد كونه انسان مر بتجارب قاسية, وهنا اصل للقدرة على الفصل بين الانسان وسلوكه. واصل للقدرة على ان اتقبل الانسان واحبه لكونه انسان وارفض سلوكه السلبي.

عندما نصل لهذه المرحلة فإننا سنتعامل مع الجميع بـ "تقبل الناس حتى تحبها"

هل تؤثر صعوبات المجتمع العربي بشكل عام, الرينة بشكل خاص على شخصيتك؟ وعلى مفهوم الانتماء والعطاء والعمل المشترك؟

- الشعور بعدم الانتماء وقلة العطاء والعلاقات المبنية على الزيف هي امور شغلت بالي كثيرا قبل المرض ولكن من الواضح هي امور انا بنيتها بتفكيري وعشتها كحقيقة وممكن كان لهذه الافكار المسممة يد في المرض . الواقع كما شرحته سابقا ان لي دور بهذه العلاقة مع البيئة المحيطة ومن هنا كان علي اولا فتح ابوابي المؤصدة للتعرف على البيئة المحيطة والتعامل معها ومحاولة التأثير والتأثر الذي كان مفتاح التغيير.

فاليوم لي دور من خلال عملي كمدربة تنمية بشرية من خلال الورشات, الندوات, الدورات, لقاءات تلفزيونية ومن خلال اللقاءات الاذاعية. اقوم بدوري مع كافة شرائح المجتمع نساء, امهات اطفال ما قبل المدرسة, طلاب مدارس وبكل المراحل التعليمية ابتدائي اعدادي وثانوي, وكما التقي طواقم عمل مختلفة وكذلك من خلال حضوري الشخصي بيئتي القريبة والموسعة.

ما الذي ينقصنا لنحقق نهضة ثقافية كاملة بمحيطنا الضيق لنؤثرعلى المجتمع كافة ونرتقي فيه؟

- ينقصنا التوجيه أرى الناس تعيش الحياة بمنطقة الراحة المقصود المنطقة الآمنة دون مخاطرات من عمل روتيني وحياة روتينية. الحياة الروتينية تتسم بتقبل الموجود وتتطلب طاقات وقدرات عادية او ممكن اقل من العادية . من خلال حياتنا هذه نحن بعيدون كل البعد عن الشغف ومتعة الاكتشاف واقصد اكتشاف ذواتنا وميولنا خبراتنا المتنوعة, الثقافة الفن القدرات الكامنة فينا والتي ممكن ان تخلق حياة ومجتمع اكثر ابداع وتميز وتألق. مجتمع نحن نتوق له وفقط ننظر له عند الاخرين بنظرة حاسدة وكأننا ننتظر من المجتمعات الاخرى ان تقدمها لنا والحقيقة اننا قادرون على ان نكون بحجرة القيادة.

ويمكنني ان اقول في الختام في الحياة هنالك ملهمين واصحاب مناصب ومراكز والكثير من يستطيع ان يشاركنا النجاح وانا بشكل خاص "كل شخص في حياتي ممكن ان يلهمني بمجال ما كل الكتب والمقالات والندوات الثقافية والبرامج ممكن ان تختصر لي سنوات من التجربة الشخصية. فقط افتح عينيك وسيدهشك هذا العالم".

وتأكد انه يوجد لك حياة.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]