هل تتذكرون توماس فريدمان، إنه ليس مجرد كاتب كبير في صحيفة نيويورك تايمز، إنه كما يدعي صاحب فكرة المبادرة العربية للسلام بين «إسرائيل» والعرب التي تم اطلاقها عام 2002 وتم تبنيها من قبل القمة العربية الرابعة عشرة في نفس العام، يقول فريدمان عن هذه الفكرة التي تحولت إلى مبادرة إنه كتب عموداً في صحيفته مقترحاً حلاً للقضية الفلسطينية من خلال تطبيع عربي شامل مع إسرائيل مقابل انسحاب إسرائيلي شامل من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإنه نقل هذه الفكرة أثناء زيارته للسعودية واجتماعه مع ولي العهد آنذاك الأمير عبد الله، عندها أشار الأمير إلى أن فريدمان سرق فكرته وأن الأمير أجّل طرحها لأن شارون كان يفتك بالفلسطينيين، ويستطرد فريدمان قائلاً إنه سمح له أن ينشر هذه الاقتباسات حول الفكرة ورد الأمير عليها في صحيفة نيويورك تايمز وهكذا كان!
لماذا العودة إلى فكرة فريدمان ومبادرة الأمير عبد الله الذي أصبح ملِكاً فيما بعد؟ لأن الكاتب نفسه يعاود الظهور مجدداً في مقالٍ له في «نيويورك تايمز» له قبل أيام مقارناً بين حرب 1973 بين «إسرائيل» من جهة ومصر وسورية من جهة أخرى، والحرب الإسرائيلية الرابعة على قطاع غزة، مشيراً إلى أن وزير الخارجية الأميركية هنري كيسنجر استثمر تلك الحرب ليحقق ما أسماه الكاتب السلام بين بين مصر وإسرائيل رغم عدم حماسة الرئيس نيكسون لمساعي وزير خارجيته نظراً لانغماسه في فضيحة «وترغيت»، الأمر الذي أدى من خلال سياسة خطوة خطوة التي اتبعها كسينجر وجولاته المكوكية إلى زيارة الرئيس السادات إلى القدس، ومن ثم عقد اتفاقات سلام بين مصر وإسرائيل، فريدمان يطلق على هذه المقاربة «لحظة كيسنجر» موجهاً حديثه للرئيس بادين: «بإمكانك الفوز بجائزة نوبل للسلام لو لعبت بأوراقك جيداً، قد تكون مهتماً بالصين، لكن الشرق الأوسط مهتم بك، لقد هندست وقف إطلاق النار، ألا تريد أن تنخرط في الشرق الأوسط؟ فهذه «لحظة كيسنجر» ولن ألومك إذا لم تفعل، لكنني أحذرك أن الوضع لن يتحسن بنفسه».
جولة وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن الذي يزور خلالها القدس ورام الله والقاهرة وعمان، يقال حسب ناطق أميركي إنها ستبحث تثبيت وقف إطلاق النار بين الاحتلال وقطاع غزة، والتعامل مع الوضع الانساني الخطير في القطاع وجهود إعادة إعماره، وقبل هذه الجولة بساعات صرح بلينكن أن على الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء أن يعرفوا في يومهم وحياتهم مقاييسَ متساوية للفرص والأمن والكرامة، ولا بد من بذل الجهود لتهيئة الظروف بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لإطلاق علمية سلام حقيقية تؤدي إلى حل الدولتين، وقد اعتبر هذا التصريح ايجابياً من قبل القيادة الرسمية الفلسطينية عندما ساوى في الحقوق بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
بين فكرة فريدمان للتطبيع مقابل الانسحاب الإسرائيلي وأفكاره حول ضرورة أن يستثمر بايدن جهوده في وقف إطلاق النار لإطلاق عملية سياسية الكثير من العوائق في التطبيق، ذلك أن حكومات إسرائيل المتعاقبة نجحت في الهروب من استحقاقات الالتزام بالقرارات الدولية وواصلت خططها المتعلقة بالعملية الاستيطانية في ظل دعم أميركي مطلق، إضافة إلى عملية تطبيع عربية متوالية، كل ذلك وأكثر يجعل مهمة بايدن في حال تبني فكرة فريدمان للسعي إلى جائزة نوبل تكاد تكون مستحيلة في ظل ميزان القوى القائم.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]