آخر ما توقعته وفاء زبيدات، وهي ناشطة اجتماعية من بسمة طبعون وأم لـ4 أولاد، أن يتم اعتقالها من وسط بيتها، مثل المجرمين والقتلة، وأن تقضي ليلة في السجن، لكن في الشهر الأخير، بات كل شيء ممكنًا ومتوقعًا، كل عربي معرّض للاعتقال، أحيانًا بسبب صورة، أو كلمة، وأحيانًا بسبب موقف، وأحيانًا بلا سبب، فوفق بيانات الهيئة العربية- وهي جسم مهني تابع للجنة المتابعة وجمعيات أخرى، تأسس لرصد تطورات الكورونا بالمجتمع العربي ويتابع الآن موضوع الاعتقالات، حسب هذه الهيئة فإنه حتى صباح قبل نهاية الأسبوع، تم اعتقال نحو 2000 عربي، وقد أعلن الناطق بلسان الشرطة الإسرائيلية إيلي ليفي، الجمعة الماضية، أن مفتش عام الشرطة قرر أن تستمر حملة "القانون والنظام" لأسبوع آخر وقد انتهت اليوم.

تتحدث وفاء زبيدات وهي سيدة بسنوات الأربعين من عمرها، عن اعتقالها: صباح الأربعاء، الساعة 10:30 تقريبًا، اقتحمت قوات كبيرة منزلي، ولم يكترثوا لكوني أن وأولادي في المنزل، ولا حتى لكون زوجي مريض بالسرطان وحالته الصحية صعبة جدًا ويرقد في الفراس ولا استطيع تركه للحظة، لو يكترثوا لكل هذا، اعتقولني بشكل مهين وأخذوني معهم، ثم وضعوني في غرفة توقيف لمدة 5 أز 6 ساعات رغم أنه يجب التحقيق معه المعتقل خلال 3 ساعات من اعتقاله كحد أقصى، وبعد 6 ساعات بدأوا تحقيقاتهم، ثم نقلوني إلى معتقل كيشون.
وتابعت: بعدما نقلوني إلى السجن، حاول مسؤول هناك استفزازي وقال لي أنني عنصرية وحرضت على الدولة، فأجبته أنه من سلطة السجون (شباس) وليس لديه الحق بالحديث معي والتحقيق معي، ثم وضعني مع سجينة أخرى في نفس الزنزانة، وقال لي هذه مدمنة مخدرات، انظري أين أصبحت، ثم بقيت هناك لساعات طويلة، ولم يهتموا لشكواي من ألم الأسنان بسبب الجسر الذي أضعه على أسناني، وعند الساعة 12 ليلًا، قالوا أن هنالك جلسة محكمة، وأخذوني إليها مكبلة اليدين والرجلين، وهناك ادعى ممثل الشرطة أنني وخلال مشاركتي في المظاهرة بمدخل قريتي، حرضت ضد دولة إسرائيل، وأنني غنيت للشهداء وأنني طلبت من الشبان تصوير عناصر الشرطة العرب، ولم يكن لدى الشرطي أي توثيق فيديو، فقررت القاضية ابقائي في السجن حتى الصباح، وأعادوني فعلًا ولم يمسحوا لأخي بأن يدخل لقي ملابس وطعام، وفي الصباح أعادوني إلى المحكمة بالكرايوت، وعندما جلبوا الفيديو ورأته القاضية، قررت أن لا شيء فيه يدينني وفق ما ادعوه، أنه لا يوجد أي اثبات لديهم بأنني أنا من حرضت الشبان وبأنني اعرفهم أصلًا، وأن الغناء للشهداء ليس مخالفة، وقررت اخلاء سبيلي.
وتابعت: الواضح أن الهدف كان تخويفي وإذلالي، وأن يقولوا لي "ارأيت الآن ماذا يعني السجن"، لم يهتموا لحالة زوجي ولظروفي، وقد عدت إلى المنزل ووجدت أن حالته قد تدهورت وطلبت الإسعاف ليتم نقله فورًا إلى المستشفى، ولم يتهموا لأنني أم لأربعة أولاد أحدهم قاصر، وفوق كل هذا تحدثوا معي وكأنني مجرمة وناكرة للجميل، أحدهم قال لي "علمناك التحدث بالعبري والعيش هنا والآن تخونين دولتنا"، إلى هذه المرحلة وصلت وقاحتهم، وأخرجوني بلا هاتفي ولا أموالي، حتى أنني طلبت مساعدة الناس للوصول إلى حيث كان ينتظرني اخي! كل هذا برأيي عبارة عن محاولات للإذلال ولمنعنا من التعبير القانوني عن رأينا.


قصص عديدة أخرى شبيهة بقصة وفاء، الصحافي رشاد عمري من حيفا، تم اعتقاله الأسبوع الماضي، وتحريره بعد يوم دون أي شروط، يقول : قوات كبيرة من الشاباك اقتحمت منزلي، وتم اعتقالي، وقد نقلوني فورًا إلى ما تسمى "غرفة القيادة الأمامية"، هناك وجدت ضباط شرطة ومسؤولين، ووجدت رئيسة بلدية حيفا عينات كاليش والمتحدث باسها فاخر بيادسة، وقد حاول التكلم معي ليسألني ما الذي حصل وسط استغرابه من اعتقالي، فمنعه عناصر الأمن من الاقتراب مني، اخذوني للتحقيق، وقالوا أنني أحرض على قتل اليهود، فسخرت وقلت أن الذي قال لهم هذا الكلام غبي (تمبل)، ووضعوني لساعات طويلة في المعتقل قبل نقلي للمحكمة، نائبة رئيسة محكمة الصلح في حيفا، القاضية تال تدمور زمير، قالت لهم أنها اطلعت على ملف التحقيق، ولا يوجد فيه علاقة أو أدلة لما ينسبونه لي، وأمرت بالافراج عني دون شروط، وفعلًا حصلت ذلك، ولكن قبل الجلسة حاول المحقق عرض صفقة علي بأن أخرج من حيفا لمدة أسبوعين مقابل التوصل الى اتفاق قبل جلسة المحكمة واذا رفضت ذلك سيطلبون تمديد اعتقالي 100 يوم، لكني رفضت وقلت من يجب عليه الخروج من حيفا هم المتطرفين الفاشيين الذين جاءوا لمهاجمة المواطنين العرب في المدينة. بعد قرار الافراج عني، أخروا ذلك لبضع ساعات، لساعات فجر الأحد 16.5.

المحامي ماهر تلحمي، مثل كل من وفاء زبيدات ورشاد عمري (في قضية رشاد عمري كان برفقة المحامي حسن عبادي أيضًا)، يقول تلحمي: من الواضح أن الحديث يدور عن اعتقالات لأشخاص لها تأثير على المجتمع، اعتقالات هدفها الردع والتخويف، والمشكلة الأكبر أنها كانت من جهة وحدة، فقط، فقط بين العرب، معظم الاعتقالات بين العرب، كل التصرفات كانت غير قانونية، ومعظم هذه الاعتقالات كانت تنتهي بدون بشيء في المحكمة لأنها بدون أدلة وبادعاءات غير مقنعة، ولكن هي محاولة اذلال وتخويف، وهنالك اعتقالات تقوم بها الشرطة، لمدة 24 ساعة فقط، ثم تفرج عن المعتقل دون الحاجة لنقله للمحكمة، فقط للترهيب، وهذا أظهر رد فعل معاكس لما توقعوه، لقد توقعوا أن تتسبب هذه الاعتقالات برعب وخوف في المجتمع العربي، لكنها فقط رفعت منسوب الغضب والسخط والاستياء.

هذه القصص باتت في كل بلدة وبلدة بالمجتمع العربي، في دبورية مثلًا، الشاب معتصم طه، يعمل في مجال التصوير السينمائي، ويشارك مؤخرًا في نشاطات ثقافية توعية بالقرية، يقول بعدما اعتقل الثلاثاء الماضي ومن ثم تم الافراج عنه: قبل أسبوع من اعتقالي وصلتنا تهديدات، من شخص يدعى أبو النور من المخابرات، أرسل لنا تسجيلات صوتية في الواتسآب، يهددنا ويطلب بوقف النشاطات الثقافية التي نقوم بها من محاضرات وفعاليات، وعندما بدأت حملة الاعتقالات، فجر الثلاثاء، الساعة الثانية فجرًا، سمعت خبطة باب وجدت ملثمين بملابس مدنية، اقتحموا المنزل وأرعبوا والدتي وهي سيدة مسنة، وهم يحملون السلاح، دخلوا 5 على الغرفة ثم جاء ضابط من محطة العفولة، ومعه شخص يقول لي "شايف كيف منصلك" ثم بدأ بالتهديد وبذكر أسماء شباب من القرية وقال لي "هل تحب أن يشتم أحدهم والدتك؟ إسرائيل مثل والدتي ومن يشتمها سندمره" وقال لي "نعرف أنك لم تفعل شيء مخالف للقانون ولكن نريد أن نربيك ولن يساعدك لا المحامي رافي مصالحة ولا غيره"، ثم اعتقلوني وخلال اعتقالي رفعوا السلاح على أخي، وأغمي على زوجته، ورغم ذلك حاولوا التحدث مع افراد عائلتي بالتهديد وعندما اعترضت قال لي "اذا لم يعجبك الأمر إذهب وعش لدى اختك في ألمانيا".
وتابع: اعتقلوني مع شاب آخر من القرية يدعى أثير عزايزة، بقينا ليلة واحدة في مركز الشرطة ثم مددوا اعتقالي وأخذوني الى سجن تسلمون بتهمة احراق الإطارات، وحت في السجن حاول عناصر الامن هناك تهديدي وصاروا يقولون "سنضعك بزنزانة مع يهود ونقول لهم أنك أحرقت إطارات ضد الدولة"، ومن ثم في جلسة المحكمة الثانية تم الافراج عني دون شروط.
المحامي رافي مصالحة، الذي مثّل الشابين معتصم وأثير، يقول: القاضية طلبت أن التحقيق بتصرفات عناصر الأمن الذين قاموا بالاعتقال وقالت أن هذا خطير جدًا، وأفرجت عنهما لأنه لا يوجد أي ادلة ثبت ما حاولت الشرطة اتهامهما به، وأصلًا لم يكن هنالك احراق إطارات في المظاهرة التي تحدثوا عنها، لكن من الواضح أن الهدف هو ترهيب هؤلاء الشاب، وما يحدث عبارة عن مسرحية هزلية سخيفة، الشرطة تلفق الشبهات من خيالها وتعتقلهم بطريقة مذلة، بينما بالإمكان دعوتهم للتحقيق، لكن هي محاولات واضح هدفها، منذ 73 عامًا وهم يستثمرون الأموال من أجل ضرب الوعي العربي، وفي النهاية وجدوا أن الجيل الجديد هذا، يعرف الأمور ويعي القضايا الوطنية بشكل كامل، وهذا فاجأهم ويفسر طريقة تعاملهم هذه.

في تعقيب الشرطة على أقوال الشبان والمحامين، جاء: تقوم الشرطة بالتحقيق في احداث الشغب والاخلال بالنظام بشكل متساوي ودون اي تحييز لهوية المشتبهين او الضحايا.سنواصل اجراءات التحقيق بشكل موضوعي بهدف احالة المشتبهين الى العدالة.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]