مدخل: صوّت مجلس النوّاب الأردنيّ في جلسة مغلقة طارئة، قبل فترة، على قرار تجميد عضويّة النائب أسامة العجارمة لعام كامل، بسبب قوله للمجلس " طز".
واعتبر البرلمان تصريح العجارمة" إساءة لمجلس النوّاب وهيبته وسمعته وأعضائه والنّظام الداخليّ للمجلس".
وصوّت 91 نائبًا بالموافقة على تجميد العضويّة من أصل 103 حضروا الجلسة. ولم تستغرق الجلسة النيابيّة أكثر من 10 دقائق فقط.
هذا الأمر دعاني لكي أغوص في معنى هذه الكلمة: -طزّ-.
ماذا تعني طزّ في الجامعة العربية؟ أو ما تعني طزّ في أمريكا؟ سؤال محيِّرٌ، دفعني للبحث فيما تعنيه كلمة طزّ، خاصة أن هذه الكلمة "الشعبيّة" إلى حدّ كبير، استخدمت "سياسيًا" على لسان مندوب سورية في الجامعة العربية، أي في داخل البيت العربي الكبير عندما اتخذ قراربتعليق عضوية سورية في الجامعة، وثانيًا تسعفنا فيه الذاكرة التي تحتفظ بمشاهد تركها القذّافي في ذاكرتنا، وتحديدًا عندما كان يوقف بثّ محطاته، الرسميّة لتصبح الشاشة "خضراء" بلون "الكتاب الأخضر" خاصتّه، ثم تخرج عبارة بالأصفر أو بالبرتقالي، تقول: "طزّ في أمريكا" ثم تبدأ العبارة تتأرجح على الشاشة ذات اليمين وذات اليسار.
تعني كلمة "طز" الملح في اللغة التركية، والغبار في اللغة الأذرية.
لذلك كان الخوض في حقل هذه الكلمة الشعبية شائكًا لدرجة كبيرة. ولا تتوقعوا أن العملية بسيطة، فتفكيك لغز هذه الكلمة اقتضى منّي جهدًا كبيرًا. فهو بحث لغويّ جاد، اتبعت فيه منهجًا بحثيًّا إليكم خطواته: بحثت طويلًا في "معاجم اللغة العربيّة" عن أصل الكلمة، ويبدو أنها كلمة قديمة جدًا، نظرا لجذرها الثنائي "الطاء" و"الزاي". فتوجهت بالسؤال أيضًا لغوغل، وسخّرت إمكانيات الترجمة الموجودة فيه في خدمة هذا البحث. وليفيدني الباحث الكبير "غوغل" بعلمه: كان علي أن أجري عملية قلب لـ"طز" إلى الحرف اللاتيني لسببين: الأول كي يساعدني "غوغل" الذي لا يفهم إلا لغة الذي ابتكره، والثاني لأن لها جذورًا في اللغة التركية التي استخدمت منذ عهد أتاتورك الحرف اللاتيني، فتصبح الكلمة "Toz". و"توز" هذه في اللغة العربية، في التركية هي "المسحوق"، وقيل "الملح"، وفي الأذرية (الأذربيجانية وتستخدم أيضًا في عدة مناطق من إيران): "الغبار".وفي الإسبانية: "سعال".

المفارقة أن معنى "توز" في اللغة العربية يؤدي إلى غير المعنى المراد منها. يقول صاحب "لسان العرب" إبن منظور، وصاحب "القاموس المحيط" الفيروزآبادي: التوز: الخُلق، والتوز: هو الأصل. والأتوز: الإنسان الكريم.
قد يتبادر إلى الذهن أن هناك علاقة عضوية بين كلمة Toz وTez، لكن سيخيب ظن المعتقد، لماذا؟ لأن كلمة Tez في الأذرية تعني "سريع"، وفي التركية الأطروحة، وفي الإسبانية تعني البشرة.
أمثلة توضيحية:
في التركية عندما يقول شخص مثلًا "عم أحضّر" لــ"Tez" الدكتوراه، أي لأطروحة الدكتوراه. وفي الإسبانية عندما تقول لفتاة جميلة بصيغة المتعجب والمنبهر والمستفهم بآن معًا: "شو هل Tez الحلوة؟"، فهذا يعني أنك تقول لها: "ما هذه البشرة الجميلة".
المكتشفات الأثرية:
لكن في عامية بلاد الشام لـ tez وtoz معان مختلفة حتمًا مما يدل على أن لها أصلًا في اللغات السورية القديمة، ولم يصل العلم حتى اليوم إلى معرفة معناها، إذ لم تخبرنا المكتشفات عن رُقم ومخطوطات قديمة عن معاني هذه الكلمة على حد علمنا.
"طز في الأخبار" وفي المرويات "الجوجلية": لا يختلف إثنان في أن "غوغل" سيكون "هيرودوتس القرن الـ21"، وهيرودوتس لمن لا يعرفه هو المؤرخ اليوناني الشهير الملقّب بأبي التاريخ، في المرويات الجوجلية نقرأ مرويات عن جوجل أنه قال: عندما كان للأتراك السيطرة وحكم بلاد العرب، كان عسكرهم على مراكز ونقاط التفتيش، يسألون العربيّ عندما يمر، عما إذا كانت الأكياس التي يحملها، هي أكياس ملح، وعندما يتأكّد العسكريّ التركيّ من ذلك، يشير بيده في إيماءة بيده تدل على السماح للعربي بالدخول وهو يقول لزميله: "طز طز طز"، فيرد المواطن العربي "طز"، أي أن ما يحمله هو فقط ملح فيسمح له بالمرور دون تفتيش.
في التراث الشعبي، عندما يخرج من بيتك شخص لا تحبه، تقوم برش الملح على عتبة البيت، كي لا يعود ثانية.
تعقيب لا بد منه:
ربما يكون الأصل في الحركة التي اتخذها مندوب سورية في الجامعة العربية وهو ينطق كلمة "طز"، وهي الحركة الشهيرة التي ترافق نطق هذه الكلمة، أساسه الأنثربولوجي هو حركة العسكريّ التركيّ للسماح بدخول "مسحوق الملح، الطز".
وفي رواية أخرى عن فلان، ثنا أحد الكتّاب أنه قال: أثناء الحرب العالمية الأولى، كان الجباة الأتراك يداهمون البيوت في فلسطين، بحثًا عن المؤونة لفرض الضرائب عليها، وهم يفرضون الضريبة على أكياس القمح والشعير والسمسم والفول والحمص. ولكن أقل ضريبة كانت على الملح، ومن أجل التهرب من الضريبة كان الفلسطينيون يدعون أن أكياسهم مليئة بالملح وحده، وهكذا يدخل الجابي فيدور الحوار التالي مع صاحب الدار:
- ماذا في هذا الكيس؟
- ملح!
فيصرخ الجابي بمرافقه: سجل طز!
لكن السؤال الذي يطرح نفسه كيف أصبح للطز علاقة بالملح، في المخيال الشعبي والأمثال الشعبية؟
في التراث الشعبي السوري، عندما يخرج من بيتك شخص لا تحب معاشرته، فإن النساء تقوم برش الملح على عتبة البيت، كي لا يعود هذا الشخص، وكأن صاحبه يقول له "اي حلّ عن Teze"، ومن معانيها أيضًا بشرة الوجه وأطروحة الدكتوراه.
وفي الأمثال الشعبية، هناك مثل يقول: "ملحه على ركبته"، وهو يقال للشخص سريع الغضب وسيئ الخلق، "يعني طز- Toz بهيك شخص".
بالمحصلة، فإن لغة الـ"ALToz-tyza" (والطزطيزية هي عربة صغيرة من ثلاثة دواليب كان يستخدمها الفقراء تتميز بضجيجها الهائل)، لا تنفع في السياسة، لأنها تدل على توتر الدبلوماسي. وبديهي أن أهم صفات الدبلوماسي محافظته على رصانته وهدوئه.
وفي رواية أخرى تقول: طز هي كلمة متداولة عربيّا والأكثريّة العربيّة تستخدمها بمعنى لا يبالي به، ولكن باللهجة المغربيّة تعني الريح التي تخرج من المؤخّرة ، وباللهجة العاميّة هو الضراط.
ونختم بقصيدة لأمير الشعراء، أحمد شوقي، استخدم بها كلمة طزّ.
- يمينا بالطلاق وبالعتاق -
يمينا بالطلاق وبالعتاق
من الدنيا المعلقمة المذاق
وكل فقارة من ظهر مكسى
بصحراء الإمام وعظم ساق
وتربته وكل الخير فيها
ونسبته الشريفة للبراق
وبالخُطَب الطوال وما حوته
وإن لم يبق في الأذهان باق
وكَسرى الشعر إن أنشدت شعرًا
ونطقي القاف واسعة النطاق
وما لوَّنت للدُّولات وجهي
ولم ألبس لها ثوب الرياق
بوقت ضاعت الأخلاق فيه
وأصبحت السلامة في النفاق
أيشتمني سليمان بن فوزي
و بيبي في دي ومعي تَباق
وتحت يدى من العمال جمع
يُشمِّر ذيله عند التلاقي
ولسنا في البيان إذا جرينا
لأبعدِ غاية فرسَي سباق
تُقاقي ذقنه من غير بيض
ولي ذقن تبيض ولا تقاقي
وتحلاق اللحى ما كان رأيي
ولا قصّ الشوارب من خلاقي
أنا الطيار رجل في دمشق
إذا اشتدّت ورجل في العراق
أنا الأسد الغضنفر بيد أني
تسيرني الجآذر في الرباق
ألا طز على العيهور طز
وإن أبدى مجاملة الرفاق
بقارعة الطريق ينال مني
ويوسعني عناقا في الزقاق
وليس من الغريب سواد حظي
وبالسودان قد طال التصاقي
نُحست فلو دعيت لأجل فتق
وجدت قليطة تحت الفتاق
ألم تر أنني أعرضت عنه
وصار لغير طلعته اشتياقي
أذم القبعات ولابسيها
وتعجبني الشوادن في الطواقي
وأوعز بالعقال إلى شباب
رجعت بهم إلى عصر النياق
فسبحان المفرِّق حظ قومٍ
قناطيرا وأقوامٍ أواقي
وقوم يرتقون إلى المعالي
وقوم ما لهم فيها مراقي
وأصحاب المقارف والمرازي
وأصحاب المزارع والسواقي
وأيد لا تكاد تصيب خبزا
وأيد لا تُسل من الرقاق
وعيش كالزواج على غرام
وعيش مثل كارثة الطلاق
أمور يضحك السعداء منها
ويبكى البلشفيّ والاشتراكي





 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]