إسرائيل اليوم - بقلم: آفي بار-ايلي "تعدّ المنافسة الديمغرافية لب النزاع في البلاد. فهو نزاع على الحدود، والدين، والثقافة واللغة، ولكنه نزاع قومي في أساسه، وساحته الرئيسة ديمغرافية. استراتيجيتنا ملزمة بأن تكون توسعاً ديمغرافياً ومنع الهجرة العربية الإسلامية إلى البلاد. إذا لم نفهم بأن الانتصار في النزاع – يهودياً، أو عربياً لا سمح الله – ليس عسكرياً بل ديمغرافي، فسنخسر المعركة.

الفلسطينيون يفهمون هذا. أما إسرائيل – فأقل. قسم كبير من مقرري السياسة يفكر بأن إسرائيل انتصرت، وعليها أن تثبت انتصارها في اتفاق. لقد قاد اليسار الصهيوني باتجاه اتفاقات أوسلو، لأنه أعتقد أن إسرائيل انتصرت عسكرياً على الفلسطينيين منذ 1948، وعلى الدول العربية في سلسلة حروب في العقود التالية، وزعماً لم يتبقَ الآن غير تثبيت النصر في اتفاق تقسيم لدولتين قوميتين.

ما هكذا فكر عرفات ورجاله، لقد أدركوا أن المنافسة الديمغرافية هي الحاسمة، وأحد الطرفين سينتصر فيها وليس “الجميع”. ويعلقون آمالهم بالهجرة من الأغلبية الديمغرافية العربية الإسلامية الهائلة التي في محيطنا، ولا سيما الآن، حين تهبط معدلات الولادة العربية.

بعد مراجعة لمفترقات النزاع منذ بدايته في العشرينيات من القرن الماضي، تبين أن عرفات كان أكثر عمقاً وواقعية في فهمه من رابين وبيرس. نمط النزاع ثابت: حتى 1948 حصلت ضغوط هجرة هائلة لليهود من أوروبا، عقب تعاظم اللاسامية وإغلاق بلدان هجرة أخرى في وجوههم. رد العرب بالعنف: في 1921 على الهجرة الثالثة، في 1929 على الهجرة الرابعة وفي 1936 على الهجرة الخامسة، التي ضاعفت عدد السكان اليهود وجعلتهم ثلث سكان البلاد. من ناحية ديمغرافية، كانت الحرب في 1948 نتيجة مأساوية وضرورية للتهديد الديمغرافي اليهودي على العرب وللحاجة الحيوية لمئات آلاف اليهود للهجرة من أوروبا ومن البلدان الإسلامية إلى البلاد.

من هنا فصاعداً، بات التهديد الديمغرافي متبادلاً. وبسببه، لم تسمح إسرائيل للاجئين العرب بالعودة، وسنت قانون العودة (لليهود)، الذي ضاعف عدد اليهود مرة أخرى في غضون نحو ثلاث سنوات، وخلق في إسرائيل أغلبية يهودية كبيرة أخذت تتسع في هجرات الستينيات والسبعينيات وفي هجرة التسعينيات. وتواصل الحروب ووضع العداء ساعد إسرائيل لمنع الهجرة العربية إلى نطاق الدولة حتى منتصف التسعينيات.

الهجرة الهائلة من الاتحاد السوفياتي صفّت استراتيجية “الرحم الفلسطيني”، كما أعلن عرفات. قد يكون هذا يشرح سبب تبني نوع من “خطة المراحل”، للتغلب الديمغرافي على إسرائيل وجسدها في اتفاقات أوسلو. في ضوء التهديد الديمغرافي اليهودي، لعله فهم بأن عليه أن يفتح بوابات البلاد لهجرة العرب من محيطها، وهذا لن يكون ممكناً إلا في ظروف “السلام”.

لقد قامت اتفاقات أوسلو على وهم بأن التقسيم يزيل التهديد الديمغرافي العربي: فأنسال اللاجئين العرب لن يعودوا إلا إلى فلسطين “فقط”، وليس لإسرائيل. كان هذا ولا يزال إخفاقاً فكرياً سائباً. ما يحصل الآن في “لم شمل العائلات” وفي ظواهر الماكثين غير القانونيين وإسكان العملاء في نطاقنا، سيحصل بشكل جماعي في ظروف “السلام الدائم”.

من يأمل بأن تكون هناك حدود مسدودة ومنفصلة بقناة ماء مليئة بالتماسيح المفترسة في بلاد إسرائيل بين النهر والبحر، فهو يحلم أحلاماً عابثة؛ فلا يمكن منع تسلل ديمغرافي عربي إسلامي (وليس فقط “فلسطيني”) من “فلسطين” إلى داخل الدولة، وبالتأكيد ليس في ظروف السلام، ولا في ظروف الهدوء. والأزمة السياسية والتحولات الديمغرافية المتكررة في المنطقة تثبت ذلك.

الاستراتيجية الديمغرافية الفلسطينية واضحة: “حق العودة”؛ والتحكم ببوابات الهجرة على نهر الأردن؛ والتحكم بغور الأردن وتواصل إقليمي مع العالم العربي؛ ورفض الاعتراف بـ “الدولة القومية اليهودية”، مثل هذا الاعتراف يجر اعترافاً بالحق في الدفاع عن النفس ديمغرافياً من الهجرة العربية.

الاستراتيجية الديمغرافية الإسرائيلية ملزمة بصد تلك الفلسطينية: هجرة يهودية كبيرة بقدر الإمكان؛ ومنع الهجرة العربية الإسلامية إلى كل البلاد، بين البحر والنهر؛ وحق الدفاع عن النفس ديمغرافياً؛ وقانون أساس لترتيب الهجرة؛ وأخيراً استيطان مديني جماعي في الغور. إذا لم نفهم هذا، فلعلنا ننتصر في المعارك العسكرية، ولكننا سنخسر المعركة.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]