على وقع الاستنكار والذهول والمباركة، تعددت الآراء والمواقف في الشارع التونسي والعربي، بعد إعلان الرئيس التونسي قيس سعيّد تجميد عمل البرلمان وإقالة رئيس الحكومة وتولي السلطة التنفيذية بنفسه.

وأعلن بيان رئاسي مساء الأحد، عن تفعيل قيس سعيّد الفصل 80 من الدستور والذي يوصف بالسلطة الجبارة في يد الرئيس، متخذا جملة من القرارات بررها بحفظ "كيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها وضمان السير العادي لدواليب الدولة".

وقرر سعيّد تجميد عمل البرلمان مدة 30 يوما ورفع الحصانة عن كل نوابه، فضلا عن إعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي، وسط أنباء متضاربة عن مصيره.

ويشهد محيط المقر الرسمي لحركة النهضة بالعاصمة حالة كر وفر بين عشرات المتظاهرين الغاضبين وقوات الأمن التي أطلقت القنابل المسيلة للدموع لتفريقهم ومنعهم من اقتحام المقر، بعد أن شهدت مقرات الحركة في عدد من المدن هجمات من محتجين تمكن بعضهم من اقتحامها وتكسير محتوياتها.

وتداول كثيرون صور للاحتفالات التي عمت بعض شوارع العاصمة تونس عقب الإعلان، واعتبر كثيرون أن ما قام به الرئيس هو خطوة على الطريق الصحيح وتنفيذ لمطالب الشعب.

"الحل الأخير قبل الانهيار"

ووصف الناشط هاشم العامر خطوة سعيّد "الحل الأخير قبل الانهيار"، وقال: "المتابع للأحداث في تونس وتطورها يرى ان البلاد التي تعاني أزمات اقتصادية وفي قطاعات عدة أبرزها الصحة ومؤخرا خروج مظاهرات عمت البلاد ستجده يؤيد القرارات الأخيرة لوقف تعطيل البلاد والاقتصاد من قبل النهضة".

في المقابل كان لنشطاء آراء مختلفة فيما وصف الكاتب محمد شباط أن خطوة سعيّد "مفاجئة وضربت آمال الشعوب العربية بالتحرر نن قبضة الاستبداد السياسي"، وقال: "الخطوة التي قام بها الرئيس قيس سعيّد كانت مفاجئة لأغلب الجمهور العربي المتابع للشأن السياسي ما بعد ثورات الربيع العربي، خاصة في تونس التي ضُرب بها المثل في العالم العربي أجمع كونها تحولت بعد الثورة إلى معقل الديمقراطية الوحيد في العالم العربيّ زارعة بذلك بذور أمل لدى باقي الشعوب بأن التحرر من قبضة الاستبداد السياسي وحكم التوريث ما زالت ممكنة؛ خطوات الرئيس قيس سعيّد ضربت هذه الأمال بعرض الحائط".

انقسام

وفي سياق آخر فقد ولدت هذه الأحداث انقساما واضحا بين فئات الشعب التونسي والشعوب العربية بشكل عام ووصف الناشط رأفت جمال آمنة هذه الحالة "بالطبيعية والمتوقعة"، وقال: "الانقسام طبيعيّ جدًا ومتوقّع، ولكن يبقى الرّهان كبيرًا على الشعب التونسي العظيم والوطنيّ بألّا يجرّ البلاد لحالة انقسام خطيرة. ما يطمئن ربّما أنّ المواجهة ليست بين تيّار علمانيّ وآخر إسلاميّ كما يحاول البعض تصوير الحالة، وهو ليس "انقلابًا عسكريًّا" حتى لو اعتبرنا ما يحدث انقلابًا، هذه المعطيات لا تشير إلى انقسام بالمعنى المعروف من خلال ما لاحظناه من انقسامات سابقة في دول عديدة"

وفي نفس السياق عبّر جمال عن انعكاس الأحداث في تونس على الرأي العام الفلسطيني مشيرًا بأن: "كلّ انتفاضة او ثورة او هبّة شعبيّة او حالة سياسيّة في دولة ما من دول الوطن العربيّ تثير ردود فعل كبيرة في أوساط الفلسطينيين، وأحيل ذلك الى فقدان المواطن الفلسطيني الى "وطن" يناضلون فيه ضدّ سلطتهم الحاكمة. خاصّة في مناطق ال ٤٨ الفلسطينيّة، حيث يتعطش الفلسطينيون إلى اتخاذ المواقف والتماهي مع الشعوب العربيّة، ذلك لشعور فلسطيني أصيل بعدم الانفصال عن قضايا الوطن العربيّ. إلا أنّني أتحفّظ من اطلاق المواقف سريعًا والاعتقاد بأنّ كل شخص محلّل سياسيّ يفهم في الشّؤون الداخلية للدول. مشكلتي أنّنا نزاود على مصائر الشّعوب، نظنّ أن بإمكاننا تعليمهم أبجديات الثورة والحرية ونحن لا نستطيع تغيير عضو كنيست واحد".

مصر وتونس

ومن جهته علّق العامر على من يقارن بين المشهد التونسي الآني والمشهد المصري لعام ٢٠١٣، وقال: "الحالة التونسية تختلف عن المصرية.. فمن قام باتخاذ القرار هو رئيس منتخب من قبل ملايين التونسيين.. حتى النهضة نفسها كانت تتحالف معه وتؤيده"

وعن تطلعاتهم لما ستؤول إليه الأيام القادمة قال جمال: "لا أستطيع أن اتوقّع لأن الصورة حتى الآن غير واضحة تمامًا. ولكنني أعتقد أن التونسيين قادرون على احتواء الأزمات. في أيام الثورة التونسيّة المجيدة لاحظنا كيف تعامل التونسيون مع الأحداث بإيمان حقيقيّ بقيم الثورة والحريّات. نحن نرجو لتونس كل الخير.. فهي بلد يستحقّ الاستقلال والحريّة والديمقراطيّة التي تليق بتاريخه النّضاليّ وشعبه الحضاريّ."

وفي الختام، فإن الانقسام الحاصل في تونس انعكس انقساما موازيا على مواقع التواصل الاجتماعي في الدول العربية.

واعتبر البعض أن تونس ظلّت عصيّة على الثورة المضادة على مدى عقدٍ من الزمان، مبدين قلقهم على التجربة الديمقراطية الرائدة هناك، وخشيتهم من تكرار "سيناريو مصر" من جهة أخرى لم يخف آخرون فرحهم بما حصل.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]