لا غريب بما يحدث في الأسابيع الأخيرة من تصعيد في الترهيب السياسي تجاه الفلسطينيين في الداخل. تراكمت العديد من المؤشرات والدلائل وتفاقمت دون رد فعل لائق من المجتمع العربي. فبعد أن أحيل تعامل الدولة مع الفلسطينيين في الداخل -وعلى غرار تعامل الاحتلال مع الفلسطينيين في مناطق الـ 67- إلى جهاز الأمن الداخلي-الشاباك (راجعوا تصريحات رئيس جهاز الأمن العام –الشباك- في آذار 2007 حول تحول العرب إلى خطر استراتيجي على يهودية الدولة وأنَّ الشاباك سوف يقمع أي محاولة لتغيبر طابع الدولة حتى لو كانت أدواتها ديمقراطية وقانونية)، خاصةً على أثر نشر وثائق الرؤى المستقبلية، وموقف الفلسطينيين خلال حرب لبنان الثانية، أتخذ تعامل الدولة مع النشاط السياسي للفلسطينيين في الداخل منحىً أكثر أمنيًا، وكان الهدف الاساسي لهذا الترهيب هو التجمع الوطني الديمقراطي والحركة الإسلامية الشق الشمالي (راجعوا تقرير لجنة أور)، وسعت أجهزة الأمن إلى تجريم العمل السياسي لهذه التيارات من خلال إنهاكهما قضائيًا وأمنيًا، ومتى تسنح الفرصة القضاء عليهما، سياسيًا على الأقل.

لاحقًا، وتماشيًا مع نفس الهدف استمرت الملاحقة والترهيب لتطال نشطاء سياسيين من التيار القومي بالأساس. لكن، كل هذا لم يحوّل الملاحقات السياسية الى قضية مركزية في المجتمع العربي في الداخل ولا لدى بعض الأحزاب العربية، ولم تنتج حالة جماعية لمواجهة واعية ومنظمة للملاحقات السياسية (الأمنية). وبقيت مواجهة الملاحقات حكرًا على الاحزاب المُلاحقة وبعض المؤسسات الأهلية، وعائلات الملاحقين أو الأسرى.

بموازاة الترهيب الفردي بدأ أيضًا ترهيب جماعيّ. وهو لا يقل خطورةً. ويرمي إلى نفس الأهداف، تجريم المواقف السياسية القومية وتجريم العمل على حفظ الذاكرة والهوية الجماعية ويسعى إلى خلق وعيٍ سياسيٍ مشوّهٍ. تجتمع في هذه السياسة كافة الأحزاب الإسرائيلية باستثناء هامش مهمش كحزب “ميرتس”. وتسعى إلى ترهيب وتجريم المجتمع الفلسطيني، بواسطة قمع الهوية الفلسطينية. تحاول الكنسيت الحالية بواسطة سن قوانين منع إحياء ذكرى النكبة وفرض الولاء للدولة الصهيونية، على سبيل المثال لا الحصر، قمع الهوية والذاكرة الفلسطينية وتجريم إحياء ذكرى نكبتنا التي تذكرّهم بإجرامهم. يريدون منّا منحهم صكوكَ الغفران وشرعنة المشروع الصهيوني ونحن نأبى. هذه الهجمة ليست حكرًا على فروع فاشيّة داخل المشروع الصهيوني، بل تنبض من قلب الإجماع الصهيوني ومعسكراته على مختلف أطيافها.

تنبع ضرورة الترهيب الجماعي، وفق مفاهيم “الشاباك” والمؤسسات الأمنية والبحثية والسياسية الأخرى من عجزهم في قمع وترهيب رموز الوعي القومي للفلسطينيين في الداخل وفشلهم في الغاء الهوية والذاكرة الفلسطينية ومن تصميمنا على رفض الخضوع لواقع حرماننا من محيطنا العربي. فشلهم في سحق المشروع الوطني الممانع وأسرلتنا. فشل الترهيب الفردي يخلق حاجة لترهيب جماعي، والعكس صحيح. فشل الترهيب الجماعي يدفعهم الى رفع وتيرة الترهيب الفردي والى ضرب رموز الممانعة القومية والوطنية، بل يطال أحيانا، أوجه اعتيادية للنضال السياسي للفلسطينيين كالمشاركة في المظاهرات والنضال لإنهاء الاحتلال ومواجهة رجال الشرطة.

إنّ نجاح الترهيب الفردي والجماعي يساهم في تحويل التيارات السياسية القومية والممانعة إلى ظاهرة غريبة وهامشية وعبثية في المشهد السياسي الفلسطيني، أو ربما دخيلة على مفاهيم الفلسطينيين في الداخل، ولا مكان لها أصلاً في الفضاء السياسي “المؤسرل”. وفي هذا الواقع لا حاجة لفرض الولاء للدولة الصهيونية بالقانون، بل سوف يستبطن أو يُذّوت لدى المواطن الفلسطيني. ولا حاجة لفرض الخدمة القومية أو العسكرية بالقانون، ستكون طوعية. لا حاجة لمنع التواصل مع عالمنا العربي، لانه سيكون غريبًا لنا.

عن ردود فعل المجتمع الفلسطيني

حسنا تصرفت مؤسسات المجتمع الأهلي في مواجهة الهجمة الأخيرة. اذ جاءت مبادرات التعاون والعمل المشترك وتوحيد الصف لتكون رسالة الى المؤسسات الأمنية على شاكلة “لن ترهبونا” واننا “سنتصدى جميعًا لسياسات شرذمة المجتمع الفلسطيني”. على الرغم من تفاوت المواقف السابقة والأهداف المستقبلية للجمعيات الأهلية، وعلى اختلاف طموحاتها ومشاربها الفكرية أو الانتماءات السياسية، كان هناك نوع من أنواع العمل المشترك، وبوادر لحالة نضالية جماعيّة. لم يخلُ هذا العمل المشترك من شوائب أو محاولات اغتنام فرص للبروز وتبييض صورة البعض. لا ضرر في ذلك إذا كان هناك وعي لوجوده، واذا كان هناك حد أدنى لضبط إيقاع العمل المشترك والسيطرة على الخطاب.

حسنا فعلت الأحزاب العربية والتيارات السياسية في مشاركتها الواسعة في المظاهرة الجماعية في مدينة حيفا. قد تكون في هذه المشاركة وقفة لمراجعة مواقف سابقة صمت فيها الكثير من الاحزاب والتيارات السياسية، ومراجعة للذات على منح القضاء الإسرائيلي ثقة واسعة في التعامل مع تجريم العمل السياسي، وعلى تذنيب المُلاحق. حسنًا فعلت الأحزاب العربية بوقوفها في مظاهرة واحدة ورفع أعلامها وشعاراتها الخاصة، لتقول إن الملاحقة الأمنية ما هي الا سياسية الأصل، ولتعلن عن أننا في خضّم نظام أمني لا صلة له بأدنى قواعد الديمقراطية.

حسنا فعلنا حتى الآن. لم نرضخ الى الترهيب الجماعي او الفردي. ونحافظ على الثوابت والحقوق. وبناءً على الماضي القريب يمكننا التخمين بأنَّ وتيرة الترهيب السياسي والأمني سوف تزداد في المستقبل. مما يتطلب بث رسالة واضحة إلى المؤسسة الأمنية والسياسية الإسرائيلية، نؤكد بها تمسكنا في العمل السياسي وفي مطالبنا القومية الفردية و.... لن يردعنا تجريم المطالب القومية ولن نخشى من حقنا في التواصل مع محيطنا العربي، ولن نتردد في التصميم على مطالبنا السياسية وان كانت غير مرغوب بها لدى المشروع الصهيوني
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]