سيدر زيتون، وبعد تعريب الأسم الأول، الذي يعني الأرز، تجمع الفنانة الفلسطينية سيدر زيتون بين شموخ الأرز وأصالة الزيتون، هادئة كبحر حيفا، وبلا انفعال او افتعال تحاورنا عن مشروعها الفني.

الذي بداته فتاة صغيرة في فرقة عائلية تضم أخوتها الأربعة، ليشكلوا فرقة ' عروس البحر' يافا، موطنها الأصلي، ومع انتمائها لشعب يحمل على كاهليه قضية كبرى، إلا أنها ترى دورها ليس استغلال هذه القضية لضمان سرعة الانتشار، فهي تريد ان تكون فنانة كأي فنانة عربية تشق طريقها عبر اعجاب الجمهور والتأثير على ذوقه وليس موقفه السياسي، أو محاولة استجداء عواطفه.

سيدر عاملة اجتماعية في المستشفى الطلياني بحيفا، للعناية بمرضى السرطان، وتغني بعدة لهجات عربية وثمان لغات رغم أنها لا تتكلمها، ودليلها في ذلك موهبتها في حفظ الأغنية بلغتها الأصلية بمجرد سماعها.

* نرى بأن معظم الفنانين الفلسطينيين يلجأون خاصة في بداياتهم إلى الفلكلور والأغاني الوطنية، لكنك بدأت بشكل مختلف، لماذا؟
- أنا من طبيعتي مواجهة الصعاب، نحن في الداخل الفلسطيني لدينا مشاكل كثيرة كفنانين، مع المحيط العربي، فبمجرد أن يعرفوا اننا من الداخل حتى تغلق الأبواب في وجوهنا، ومن الصعب أن تفتح، في أغنيتي لا أريد من أحد أن يفحص وطنيتي، او يعطيني شهادة وطنية، فإذا كنت وطنية فعلي ان أغني وطني؟!، أنا أرفض هذا الامتحان، أثناء دراستي في الجامعة غنيت من كلمات المرحوم حاتم الأفغاني للشهداء، ولكن هذه الأغنية كانت بسبب موقفي كفلسطينية مما يحدث، وفي تلك الفترة كنت ناشطة سياسية في الجامعة، وليس بهدف الانتشار او الاحتراف.

* لذلك عندما قررت الاحتراف انفتحتي على شعراء عرب وليس فلسطينيين فقط ، كالشاعر الكبير سميح القاسم ونور الهاشمي من العراق والأميرة سارة آل سعود وغيرهم؟
- هؤلاء الشعراء وغيرهم تعرفت إليهم عن طريق الفيسبوك، و يرسل لي كلمات و أشعار بأعداد كبيرة جدا، وعلى ضوء ما يرسلوه كان من الممكن أن أكون قد سجلت أغنيات عديدة ولكن هذا مكلف جدا، ، أنا كفنانة بحاجة لمن يساندني في مشروعي الفني، ولكني لست بحاجة إلى شفقة أحد، المطلوب من العالم ان يسمع أغنياتنا كفنانين فلسطينيين ويحبوها اذا كانت جيدة ولا نريد منهم أن يشفقوا علينا باعتبارنا ضحايا، لا نحن أقوياء أسوة بباقي الفنانين العرب، انفتاحي على الشعراء العرب هو محاولة اختراق الحصار المفروض علينا، والذي فرضه بعض العرب وخاصة على فناني الداخل المحتل خوفا من ' التطبيع'، متناسين أننا نظل فلسطينيين، رغم كل شيء،

*باعتقادك من الممكن أن تخترقي هذا الحصار عن طريق الأغنية؟
نستطيع ليس فقط أن نخترق الحصار عبر الأغنية ولكن أن نسجل روايتنا أيضا، وذلك لن يكون إلا عبر فن متميز لنا، وأعمال خاصة بنا كفنانين فلسطينيين، وفي النهاية ماذا يتبقى للشعوب؟! الفن والأدب، فالأمم والحضارات عرفت من خلال تاريخ الفن وليس التاريخ السياسي، ويجب أن يكون هناك تشجيع للفنان الفلسطيني في الدول العربية.

* حتى عندما غنيتي للشاعر سميح القاسم ' الدفتر الأزرق' كان توجهك عاطفي اكثر من اي موضوع آخر...
- أحب أن أتطرق لكل شيء، فأغنية الرحيل مثلا هي أغنية مرمزة يمكن أن تفهم بمستويات ومعاني مختلفة، كالعاطفي أو الوطني أيضا، وكانت لي أيضا أغنية للأم ' صباح الخير يا أمي' للشاعر جودت عيد من الناصرة، وطلبت من الشاعر أن يرمز بها إلى يافا بلدي والاشتياق لها، طبعا بطريقة غير مباشرة حتى لا نحمل الموضوع أكثر مما يحتمل، اضافة إلى أنني لا أحب أن تكون الأغنية حادة، ووطنية جدا، لأني لا أريد الغناء باللون الوطني، حتى في الحفلات ان كانت هنا او في الوطن العربي لا يستطيع المغني أن يغني وطني فقط، هذه بحاجة إلى حفلات خاصة ومنسقة بالأساس لمناسبة وطنية، في مثل هذه الحفلات يمكن أن أغني اللون الوطني، وانا لا أتعارض معه،

* يمكن أن نعود إلى السؤال الأول ولكن الأغنية الوطنية لها جمهورها أيضا وهي مطلوبة...
- لا أرى أن اللون الوطني والفلوكلوري هو الذي يناسبني، ولا أريد ان اكون كبعض الفنانين الذين يفشلون في اجتذاب الجمهور فيلجأون للفلكلور والوطني، انا لا اقبل أن أتاجر بالقضية الفلسطينية لأشتهر في العالم العربي،

* في اختيارك للألحان تختارين اللحن الهاديء في أغلب الأغنيات هل هو عائد إلى طبيعتك؟
- هذا نمطي وأسلوبي، وهذا ما يميز حضوري، ولكن هذا لا يمنعني من التنويع والتغيير بين أغنية وأخرى، وخصوصية الألحان تعود إلى الملحن رامي زيتون وهو زوجي، الذي يعرف مميزات صوتي ويلحن الأغنية على أساس هذه المميزات، وعلى اختلاف الاغنيات فهناك مثلا الروك كأغنية ' تشتاق عيوني' وهناك أغنيات برتم سريع ...

* مع اختلاف اللهجات هل كانت هناك لهجة عربية أقرب إليك من غيرها؟
كل اللهجات كانت جميلة، ربما واجهت بعض الصعوب في بداية تعلمي للهجة الخليجية التي كانت جديدة علي، ولكن مع الممارسة وعن طريق اصدقائي على الانترنت استطعت أن اتقنها، وصارت تتحبب إلي تدريجيا،

* أنت تمتلكين موهبة تعلم اللهجات واللغات سريعا، لدرجة أنك تعلمتي اللهجة اللبنانية على الهاتف، من خلال الفنان اللبناني الياس رحباني...
- أنا أحب كل اللهجات، وطالما الكلمات عربية فهي جميلة، جميل ان يحافظ الفنان على أصالته وهويته ولكن في النهاية نحن كعرب لغتنا هي اللغة العربية وليست اللهجات، حتى نحن في فلسطين لدينا لهجات مختلفة، ولا يمكن للهجة ان تكون حاجزا أو عائقا بين العرب.

* علمنا أن هناك تعاونا مع الفنان الياس رحباني واهداك أغنية خاصة، كيف استقبلتي هذه الهدية؟
- عندما توجهت للفنان الرحباني لأغني من ألحانه، أهداني أغنية كاملة بعدما استمع إلى صوتي وغنائي، بقيت فترة طويلة وأنا متشككة من حقيقة هذه الهدية، لذلك لم أتكلم عن الموضوع مع أحد، حتى وصلت هديته، ولم يصدق أحد عندما قلت أني سأغني من كلمات والحان الرحباني

* ما اسم الأغنية؟
اسمها ' قلي قلي غايب وين' وهي من كلمات والحان الياس رحباني، هي من النمط الشبابي الذي احبه،

* هل هي موجودة ضمن أغانيك؟
ـ لا، ليس بعد، لا أريد أن أطرحها كأي أغنية أخرى احتراما للياس رحباني الذي احترمني وأهداني اياها، فعلي أن أقابل هذا الاحترام باحترام متبادل، وباهتمام اكبر، حاليا نحن في صدد عمل فيديو كليب للأغنية، لكن هذا العمل بحاجة الى مبالغ كبيرة، حتى يخرج للمشاهدين عبر الفضائيات، نحاول عن طريق بعض رجال الأعمال توفير هذا المبلغ، ونسعى إلى ايجاد منتج فني لاتمام العمل.

* مع وجود المشكلة الكبرى للفنان الفلسطيني وهي الهوية التي قلت عنها ' هويتنا حصارنا' ما هي المشاكل التي تواجه الفنان في الداخل ؟
- عدة مشاكل كغياب دور الاعلام، والفضائيات، وعدم وجود الدعم المادي، فالفنان الذي يريد أن يقدم فنه عليه أن يؤسس لمهرجان أو عرض مسرحي يغني من خلاله، ويبيع تذاكر الحفل وغيره، أنا لست مستعدة لبيع تذاكر لحفلاتي، من يريد ان يسمعني عليه أن يطلبني،

* لكن حتى نؤسس لفن نحن بحاجة إلى سوق...
- نعم، ولكن ليس انا من عليها أن تقوم بهذا، يجب أن يكون هناك اشخاص مختصين، أنا دوري الغناء فقط، هذا دور المنتجين، وبصراحة أكثر أنا أشعر أني أرخص من نفسي ومن فني اذا قمت ببيع التذاكر،

* ألم تفكري بالانتشار والعمل من لبنان أو مصر مثلا؟
- في لبنان صعب جدا الا أذا منحتني السلطة الفلسطينية جواز سفر فلسطيني، أما مصر أفكر في المحاولة ولكن ليس الآن، وكما قلت في بداية الحديث عن رفض فناني الداخل من قبل بعض المنتجين وشركات الانتاج العربية، هناك عدد من المنتجين العرب وعن طريق الفيسبوك وشبكات التواصل، كانوا يبادروا للعمل معي ولكن بمجرد أن يعرفوا اني من الداخل المحتل سرعان ما ينسحبوا خوفا من تهمة التطبيع،

* هل سنشهد أغنيات لسيدر عن الواقع الفلسطيني، رغم أن اللون الوطني ليس لونك كما قلت...
- لا شك، أنا في النهاية فنانة فلسطينية، ومهتمة بموضوع اللاجئين، استطيع أن اقول أني لاجئة في بلدي، فأنا أصلا من يافا وبعد هجرة ال48 خرجنا إلى لبنان ومن ثم عدنا لنستقر في حيفا، وكانت لي أغنية بعنوان ' طفلة من حيفا' لتذكير العالم أن اللاجئين وخاصة الفلسطينيين في مخيمات لبنان هم أيضا من حيفا، وكانوا ذات يوم بحيفا ويافا،

* اخيرا ماذا سنشهد لسيدر مستقبلا؟
مستقبلا لدي أغنية الياس رحباني كا قلت وستكون ضمن البوم غنائي يضم عددا من الاغنيات المختارة بعناية، وسيكون هناك أيضا أغنية من كلمات الاعلامية الفلسطينية ميساء أبو غنام،والحان رامي زيتون، وهي أغنية تتحدث عن تجربتها مع مرض السرطان، بشكل وجداني، ونفكر بتصويرها فيديو كليب وسيكون بالاشتراك مع ميساء أيضا، وهناك أغنية من كلمات وألحان فنان لبناني ولكن لم نتفق تماما حتى الآن.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]