بأنامل ميدانية راقية وبحبكة مسرحية مُصَورةٍ لواقع حياتنا الاجتماعية المُركبة، عاش المئات من رواد الثقافة الفكرية المسرحية الناقدة ساعة من الزمن في عباب مسرحية "البيت" على ارض الحوارنة في كفر قرع،وذلك تحت رعاية مجلس كفر قرع المحلي ومبادرة،إشراف وتنظيم قسم الثقافة والتربية اللا منهجية في مجلس كفر قرع المحلي.وتندرج الأمسية الثقافية ضمن المُخطط الثقافي التثقيفي الهادف إلى نبذ آفة العنف في المجتمع القرعاوي والمجتمع العربي الفلسطيني والتطرق بحدة إلى العوامل والمركبات الإنسانية، الاقتصادية والمجتمعية في هذا الشأن! سعياً وراء نبذها والقضاء عليها.

إفتتحت اللقاء الثقافي السيدة مها زحالقة مصالحة، مديرة قسم الثقافة والتربية اللا منهجية في مجلس كفر قرع المحلي والتي حيت بدورها المحامي نزيه مصاروة رئيس المجلس المحلي وأعضاء المجلس المحلي والضيوف الكرام من كفر قرع والبلدان المجاورة، من أم الفحم، كفر قرع، باقة الغربية،جت المثلث،زلفة،المغار، عارة عرعرة، العريان وعين السهلة وأم القطف وخور صقر،مصمص، إعبلين، زيمر، الطيبة، الناصرة، الطيرة،وقلنسوة والفريديس، إكسال وحيفا.. مُرحبة بهم لدخول "البيت" في بيتهم الحوارنة. كما وحيت السيد نايف دغش ممثل المجلس الشعبي لمنع العنف على دعم الأمسية وتمويلها اقتصادياً بالكامل.


وقد إستهلت عريفة الأمسية تحيتها ومقدمتها حول الغاية من استضافة البيت في بيت الحوارنة قائلة :"اجتمعنا وإياكم هذا المساء لنقول كفى للعنف.. كفى للقتل.. كفى للتفكك الأسري الحاصل بفعل الحداثة والعولمة الغازية وجنود الفقر والبطالة.. نعم للوفاق الأسري ... نعم للوفاق المجتمعي الاجتماعي نحو مجتمع راق واع ومؤمن. ولكننا نقول ذلك ..على شاكلة جديدة ومنحً مختلف هذا المساء.. ندخل إلى نواة القضية، إلى سراديب الأسرة العربية الفلسطينية، ونحمل راية لا نريد أن نحارب العنف، بل نوُد أن ننبذه حد الإبادة، ربما أن مُصطلحاتنا باتت عنيفة بشكل غير واع، كي لا نعمل حسب إستراتيجية إطفاء الحرائق، علينا أن نجتهد في التنقيب عن الكبريت وتنظيف تراب البيت الأسري المجتمعي منه! بأيادٍ جريئة وذكية!"

وفي تطرق لها حول الآلية الفكرية للنهوض بقضية التربية ضد العنف أكدت عريفة الأمسية :"حين نؤمن يقيناً أن التصدي للعنف هو رسالة وطنية ودينية في وجه التهديد الاستراتيجي الذي يلبس زي العنف... نتقدم ونتقدم في مخطط تخفيف حدته! لأن روح الدين والوطن أقوى ما فينا.. وكما قال غاندي "كن أنت التغيير الذي تريد أن تراه في هذا العالم"، علينا أن نبدأ بأنفسنا لتحديد صيرورة سيرورة التغيير المرجو نحو واحة اللا عنف وسط صحراء القتل والصراعات!"

وحول الإختيار المميز لمسرحية البيت تحديداً وبالتلاؤم مع مسرحية فتح الملف التي زارت مسرح الحوارنة قبل شهرين من اليوم فقد أوضحت السيدة زحالقة مصالحة:

" هذا المساء نهاجم عدونا العنف في عرين البرعم وجذره... البيت! نقتحم خبايا بيتك، بيتك، بيتي وبيتكم لنناقش بصوت صامت وخافت ودمعة ندم مخفية... من المسئول ومن هو المجرم الحقيقي، ربما من هم المجرمون الحقيقيون! ندخل إلى كل بيت لنكشف خبايا العائلات وأسرارها! نتجول من خلال العمل المسرحي البيت بأنامل ميدانية راقية بين البيت الدافئ والبيت الآيل للانهيار والاندثار الأسري.. الجو الأسري المتوتر الذي يخلق المناخ لميلاد ذلك الشيطان اللعين المسمى بالعنف والقتل! تلك الأم التي تبني أمة كاملة.. في المسرحية.. صراعها على الوقت .. بين الأسرية الدافئة والحوار مع الأبناء أعزاءنا وبين النجاحات في عالم العمل واللهث وراء لقمة العيش ، تلك المنافسة الغير متعادلة أمام الايبود والايبد والفيسبوك.. الغربة والمنفى الإنسانية بين أفراد الأسرة وبين أفراد أسرة المجتمع.. ذلك اللقاء الصامت في غرفة الطعام.. باتت بيوتنا فنادق ونلتقي في غرفة الطعام أو المعيشة كل مع حاكمه الالكتروني! وأنا هنا قطعا لا أعمم! والويل لو عممت!"

وشكرت عريفة الأمسية السيد المحامي نزيه سليمان مصاروة على دعمه المتواصل والدؤوب لفعاليات قسم الثقافة والتربية اللا منهجية نحو خلق تثقيف وطني مجتمعي اجتماعي ينهض بالمجتمع القرعاوي إلى درجات العُلا الإنسانية.

ثم دعت السيد نزيه مصاروة رئيس مجلس كفر قرع المحلي ليبارك الفعالية، هو بدوره تطرق السيد مصاروة إلى أهمية تدعيم وتمكين مكانة الأسرة العربية والتعامل بدقة مع الانعكاسات الاجتماعية الحاصلة بين صفوف المجتمع في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية المختلفة، داعياً كل الأطراف في المجتمع إلى تشبيك الجهود وتظافر المقاصد والنوايا من أجل تغيير الواقع الظالم والحالك الذي وصل إليه مجتمعنا متمثلاً بالانحرافات الأخلاقية العنيفة لدى البعض، ومظاهر القتل لدى البعض الآخر!

وفي تحيته وجه رئيس المجلس المحلي جزيل الشكر لكل رواد الفعاليات الثقافية في كفر قرع من مختلف البلدان، وأكد على أن كفر قرع تشهد في الآونة الأخيرة نهضة في منحى تعبيد الشوارع في نقاط ومراكز وطرق أساسية في هذا البلد الطيب، مؤكداً أن الإسفلت والعمران لا يوازي الأهمية التي يوليها هو للفعاليات التثقيفية التي تغذي الروح البشرية والتي تتمتع بها كفر قرع بجودة كبيرة! وأكد رئيس المجلس المحلي على أهمية تفعيل السبل الرامية إلى الحوار الأسري البناء والحوار بين الأفراد في المجتمع نحو خلق بيئة فكرية إنسانية راقية تتلاءم ومستوى الحياة التي نرغب بها، مشدداً على أهمية الحوار بين أفراد الأسرة والاهتمام بروحانيات الأولاد.

واختتم السيد مصاروة تحيته للجمهور ولمسرح الميدان بإستمرار العزم في مشوار الثقافيات المدروسة لمجتمعنا داعيا مجدداً كل الأطراف إلى توحيد الجهود وصبها في هدف واحد.

وبعدها شكرت مديرة قسم الثقافة على المداخلة الراقية، وفي ختام كلمتها أكدت أهمية التعامل بحذر مع عوامل الحداثة قائلة:" ذلك الجهاز المخيف اللطيف الذي يغزو البيت .. ويُشرعن العنف..ليصبح ضحية العنف الأسري في البيت هو المجرم والقاتل القادم في بلدي أو بلدكم.. تعددت الأسباب والعنف واحد.. والدمعة والحزن واحدّ! أم الفحم لا تزال تلعق جروحها من مقتل الشاب مثقال إغبارية والشرخ العائلي هناك لا يوصف... إحراق سيارات في جت مساء الأمس مزق مُجدداً فضاء الهدوء الوهمي الذي عاشه الناس! شرعنة القتل أمام أجيال الشباب على هذا النحو باتت أمرا عادياً، علينا إيجاد المعادلة للتعامل بذكاء مع أنواع العنف الحاصلة أيضا في ربيع الثورات .... ضجيج فكري قاتل! بات منظر الدماء روتينياً على الشاشات! ولا نفكر في الانعكاسات على النشأ الجديد!"

ثم شاهد الجمهور الغفير وبشغف وتعاطف كبير تارة، غضب تارة، وأمل أليم تارة أخرى، وأخذت المسرحية الحضور الدمعة والألم، وإيقاظ المشاعر والسبات...إذ عالجت المسرحية حياتنا سريعًا وأغلبنا يحاول أن يجاريها ويلحقها حيث أصبحت أشبه بسباق أكثر من أنّها حياة يجب أن نتمتّع بجماليّتها وبالعلاقات الإنسانيّة التي تربطنا بعضنا البعض. وتوقفت المسرحية عند الحقيقة المؤلمة لقضاء الأب والأم ساعات طويلة في عملهم، بينما يبقى الأولاد أمام شاشات التلفاز والكمبيوتر، معرّضين لمخاطر العالم الخارجي التي لم يكتسبوا أدوات لمواجهتها بعد. في “بيت” كهذا، تعيش عائلة فرح…عائلة فرح هي عائلة عاديّة يحبّ أعضاؤها بعضهم البعض، فالابن فرح وحيد أهله، يعلّقون كل آمالهم على نجاحه المدرسيّ وذكائه، بينما يعمل الأب كعامل بناء والأم تهتم في “بوتيكها” ليل نهار.

ينهار “البيت” وأعضاؤه عندما يفقد الأب عمله ويستصعب إيجاد عمل بديل، وتقع مسؤولية إعالة العائلة على الأم، فتخلق ديناميكيّة جديدة لا تعرفها العائلة وتضطر لمواجهتها. المسرحية من إخراج منير بكري، الكاتب رياض مصاروة، والتمثيل الرائع لعنات حديد، حنا شماس، دريد لداوي وبشار مرقس.

وبعد الصفيق الحار لروعة الأداء المسرحي الميداني، فقد أكدت السيدة مها زحالقة مصالحة أن الجماهير عادت من المسرحية مع دموع في القلب وسوف تخرج من المسرحية غاضبة "علينا" مع دمعة في الروح والقلب، وقدمت المبدع أيمن نحاس الذي اسعد الجمهور الغفير بروعة الأداء والضحكة الصادقة من القلب على "البديل للعنف" ليخلصنا من هذا الشعور لأول وهلة، إلا انه يوقعنا مجدداً في بئر تأنيب الضمير.. إطلاق الرصاص في الأعراس والعنف في الأعراس .. شرعنة العنف.. وعنفنا الذي يبدأ بصراخنا! وصوتنا! وأولادنا مُتطرقاً أيضا إلى العنف الاقتصادي الحاصل بآلية الدعايات والإعلانات.

تجدر الإشارة إلى أن اللازمة الثقافية والفكرية من مختلف أطياف القوس الأدبي "معرض الكتاب" قد زينت المدخل لقاعة الحوارنة تحت رعاية دار الفتى العربي.

في تعقيب لها حول نجاح الامسية، أكدت عريفة الحفل على أن استخلاص العبر هو أمر حتمي بعد هذه الخطوة لكل ام واب بيننا، ففيمسرحية البيت نقاط تماس اجتماعية مميزة .. أفكار غزيرة تركض في مسرح الواقع..الفقر والبطالة والتمييز والتهميش والتربية الذكورية وغياب الضبط والنبذ كلها عوامل تفاقم العنف...

العنف المستشري في مجتمعنا بمثابة "حلم" تحقق لدى المؤسسة الحاكمة...

على قيادة الجماهير العربية اعتبار العنف تهديداً استرتيجياً ووضعه على سلم أولوياتها ومواجهته من خلال رؤية سياسية شمولية.. التطوع المدروس والتكافل هي أدوات هامة للمواجهة!خلق ثقافة الحوار بين الأفراد! لنغرس في أولادنا أن يكونوا كالقمر يرفع الناس رؤوسهم لكي يروهم ولا يكونوا كالدخان يرتفع كي يراه الناس! أحياناً يلجأ الفرد للعنف لكي يبرز ويراه الغير! ويقول أنا موجود!

وإختتمت الأمسية بمباركة مميزة من قبل السيدة زحالقة مصالحة لمسرح الميدان بميلاد باكورته المسرحية الجديدة قمر على باب الشام من إبداعات مكرم خوري وغسان عباس تمثيلاً وخليفة ناطور اخراجاً.

وهكذا عاشت كفر قرع أمسية ثقافية غزيرة تزين الحديقة الثقافية على ارض الحوارنة بعبير الحضور الكريم والمضمون الراقي.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]