نعم تصريح عضو الكنيست د. عنات بيركو، التي تحمل لقب دكتوراة بالكريمينولوجيا والتي تختص بما تعتبره بحث "الإرهاب"، نعم هذه هي عضو الكنيست التي خرجت الينا بهذا التصريح الغبي أنه لا يوجد شعب فلسطيني لأنه باللغة العربية لا يوجد حرف الـ P اللاتيني أصلا. "there is no such a thing Palestinian people because there is no P in Arabic".

لكن لنسألها أولا عن أصولها. فهي عراقية الأصل، وأهلها فروا من العراق في الخمسينيات ولجأوا الى اسرائيل بتهجير من الحركة الصهيونية العالمية، هذه هي العراقية الجديدة، هذه هي اليهودية الشرقية الصهيونية التي تنسى وتتنكر لأصولها وأنها ناطقة بالعربية أولا وقبل كل شيء.

المشكلة ليست في اللغة يا أيها العرب الفلسطينيون الذين سخروا من هذا التصريح بشدة، والذي يثبت العبث الصهيوني بأغبى الأمور في محاولتهم لتبرير الحالة الاستعمارية التي فرضوها على الشعب الفلسطيني.

المشكلة في الصهيونية وبالايديولوجية الصهيونية بحد ذاتها.

وأول من ردت عليها كانت عضو الكنيست تمار زاندبرغ من حزب ميرتس اليساري (الاشتراكي الديمقراطي). متساءلة من أين جاء هذا التصريح الغبي...

تصريح عضو الكنيست عن حزب الليكود لم يولد من فراغ، بل هو نتاج فكر الصهيونية بحد ذاتها. فقد سبقها الى القسم الأول من تصريحها مؤسس دولة إسرائيل دافيد بن غوريون عام 1949.

ويقول بن غوريون إن الشعب الفلسطيني أصلا هو بدعة عن مجموعة من الناس كانت تدعى الفلستيين المذكورين في التوراة، وهم الذين عاشوا في الساحل بين غزة ويافا وكانوا شعبا يهوى البحر قدم من جزيرة كريت الى أرض كنعان. ويدعي بن غوريون إنه لم تكن يوما دولة فلسطينية ولن تقام كذلك، بل إن البريطانيين عند انتدابهم أسموها أرض فلسطين للانتقام من اليهود. ويقول إن هناك عرب قدموا الى أرض الميعاد واحتلوها تحت الفتح الاسلامي وليس هناك شيء يسمى بالشعب الفلسطيني.

ولكن ورد ذكر اسم البلاد بفلسطين في الأدبيات الأوروبية في القرون الـ17 والـ18 حتى قبل تطوّر الفكر القومي.

ما هي سمات الشعوب؟

"الشعب مصطلح في علم الإجتماع والسياسة يشير إلى مجموعة من الأفراد أو الأقوام يعيشون في إطار واحد من الثقافة والعادات ضمن مجتمع واحد وعلى أرض واحدة، ومن الأمور المميزة لكل شعب هي طريقة تعاملهم وشكل العلاقات الاجتماعية التي تتكون في مجتمعات هذا الشعب إضافة إلى أسلوب العقد الاجتماعي بين أفراد الشعب". وورد في الصحّاح في اللغة "الشَّعْبُ: ما تَشَعَّبَ من قبائل العرب والعجم، والجمعُ الشعوبُ".

وبحسب لسان العرب "وحكى ابن الكلبي، عن أَبيه: الشَّعْبُ أَكبرُ من القبيلةِ، ثم الفَصيلةُ، ثم العِمارةُ، ثم البطنُ، ثم الفَخِذُ. قال الشيخ ابن بري: الصحيح في هذا ما رَتَّبَه الزُّبَيرُ ابنُ بكَّارٍ: وهو الشَّعْبُ، ثم القبيلةُ، ثم العِمارةُ، ثم البطنُ، ثم الفَخِذُ، ثم الفصيلة؛ قال أَبو أُسامة: هذه الطَّبَقات على ترتِـيب خَلْق الإِنسانِ، فالشَّعبُ أَعظمُها، مُشْتَقٌّ من شَعْبِ الرَّأْسِ، ثم القبيلةُ من قبيلةِ الرّأْسِ لاجْتماعِها، ثم العِمارةُ وهي الصَّدرُ، ثم البَطنُ، ثم الفخِذُ، ثم الفصيلة، وهي الساقُ ".

الشعب يحدد بحسب المكان الجغرافي والانتماء للقبيلة المعينة، وقد دعا رواد الفكر التحرري القومي العربي - ومنهم قنسطنطين زريق، ميشيل عفلق، وعبدارحمن الكواكبي وساطع الحصري وغيرهم الى تحرر الامة العربية من الاحتلال العثماني في مطلع القرن العشرين. ولادة الفكرة القومية كانت مصطفاة من أوروبا، ولكن بعد سايكس بيكو وتقسيم الشرق الأوسط الى دول قومية، بات الاستعمال الشائع الشعوب بحسب انتمائها الجغرافي.

لكن هذا لا يعني أننا لسنا جزءا من فضائنا العربي أو القومي أو الإقلميي، فنحن الفلسطينيون جزء أيضا من سوريا الكبرى، وجزء من الأمة العربية، وعلاقتنا بالدول العربية المجاورة بطبيعة حالها لا تفسد للود قضية.

الوطن هو فلسطين، وإن كان النظام الحاكم السائد الاستعماري بمسمى اسرائيل، وهو طموح رأسمالي نتاج الحركة الصهيونية لأبناء ديانة واحدة وهي اليهودية. لن أخوض هنا في تاريخ البلاد والاراضي الفلسطينية التي تعرضت للاحتلال مرارا وتكرارا في عصور خوالي، ولم يكن يوما بوسع شعب هذه البلاد تقرير مصيره بنفسه.

صحيح أننا كشعب فلسطيني نجمع العراقي والمصري واللبناني والسوري أيضا، ولكن ما يوّحدنا هو حبنا للوطن الواحد، فلسطين. ففي جذور عائلتي مثلا تجد أن جد جد جدي قدم من جنوب لبنان الى شمال فلسطين، ويومها لم تكن هناك حدود. وجدي الآخر قدم من منطقة نابلس الى معلول القريبة من الناصرة والتي تهجّر منها في النكبة.

المشكلة ليست في وجود أو عدم وجود شعب فلسطيني، إن كان أو لم يكن، فهو حالة اجتماعية جيوسياسية. نحن نحدد هويتنا ولا يحددها لنا المستعمر. علاقاتنا بمن هم حولنا هي ما تحدد هويتنا. ونحن فلسطينيون.

المشكلة الأساسية هي بالايديولوجية الاستعلائية التي تحاول طمس الهوية لتكون هي المسيطرة والمهيمنة. ومهما كان تصريحها غبيا الا أنه مولود من فكر استعلائي همجي مبني على طمس الآخرين، فكما طمست هويتها العراقية لتتبنى الايديولوجية الصهيونية وتستنقع فيها، تسعى بيركو والمؤسسة الاسرائيلية والصهيونية الى طمس هويتنا الفلسطينيية.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]