تنتظر عائلة "صب لبن" التي تعيش في عقبة الخالدية بمدينة القدس المحتلة غدا الأحد 31/5 قراراً من محكمة صلح في القدس، حول استئنافها على قضية إخلاء المنزل، قد يسلبها حقها في المنزل الذي أقامت فيه على مدى ستة عقود، أو يمد أجل القضية في المحاكم الإسرائيلية، بدعوى أنهم يعيشون في منزل تعود ملكيته لعائلة يهودية تركته قبل عام 1948، وهو الأمر الذي تنفيه العائلة المقدسية تماماً.

ويقول تقرير معلومات صادر عن ملتقى القدس الثقافي ان هذه المحاولة الإسرائيلية تعد الثانية للاستيلاء على عقار غيث- صب لبن؛ إذ بدأت المحاولة الأولى عام 1978، وانتهت عام 1999 بقرار من المحكمة العليا الإسرائيلية يؤكد أحقيتها في العقار. أما المحاولة الثانية فبدأت عام 2010 بعد دخول جمعية "عطيرت كوهانيم" الاستيطانية كطرف جديد في القضية، وشهدت 3 محاولات لإخلاء العائلة رغم أن القضية ما تزال قيد النظر في القضاء الإسرائيلي.

أولاً: عائلة صب لبن في عقبة الخالدية:

في البلدة القديمة لمدينة القدس، وفي عقبة الخالدية -الطريق الصاعد المكتظ بالأبنية والأحواش التاريخية- وعلى مسافة لا تزيد عن 100 مترٍ غرب المسجد الأقصى المبارك، تعيش الحاجة نورة غيث وأبناؤها رأفت، وأحمد صب لبن الذي يقيم في المنزل مع زوجته وأولاده.
تقول نورة غيث إن المنزل يعود في الأساس لوالديها، اللذين استأجراه في عام 1953 مما عرف حينها بـ "حارس أملاك العدو"؛ وهي دائرة حكومية أردنية أُنشئت عام 1950 لإدارة الأملاك التي تركها المستوطنون اليهود في مناطق الضفة الغربية التي آلت للحكم الأردني. وتؤكد نورة غيث أن عقد الإيجار الموقع مع الحكومة الأردنية مازال بحوزتها، وأن والدتها "كانت توقعه كل سنة مع الأردن". انضمت نورة غيث وعائلتها إلى والديها في العقار، ليؤول لها الآن بعد وفاتهما.

بعد الاحتلال الاسرائيلي لشرقي القدس عام 1967، سيطرت السلطات الاسرائيلية على كامل المدينة، وتسلمت دائرة "حارس الأملاك العامة" الإسرائيلية مهمة إدارة الأملاك التي كانت تحت إدارة مديرية "حارس أملاك العدو" الأردنية، على اعتبار أن تلك الأملاك كانت سابقاً لمستوطنين يهود، وأنها باتت تعتبر من ضمن الأملاك العامة الإسرائيلية بناءً على ذلك.

ثانياً: المحاولة الإسرائيلية الأولى للاستيلاء على المنزل:

عاشت عائلة غيث-صب لبن في هذا المنزل على مدى 14 عاماً تحت الإدارة الأردنية، بين عامي 1953-1967، واستمرّت في سكناها له على مدى 11 عاماً بعد استيلاء الاسرائيليين على شرقي القدس، أي حتى عام 1978، وكانت تسدد الأجرة المنصوص عليها في العقد القديم دون أن تتعرض لأي ادعاء بملكية شخص أو جهة أخرى للعقار؛ ويصنف القانون الإسرائيلي عقد تلك العائلة بأنه "محمي" حتى في ظل القانون الإسرائيلي، لكونه مبرم قبل عام 1968، ولا يجوز بناء على ذلك لأي جهة كانت إخراج تلك العائلة من العقار ما دامت تسدد الإيجار المنصوص عليه.
على الرغم من هذه الحماية القانونية النظرية، بدأت فصول المعركة الأولى للاستيلاء على المنزل بدعوى رفعها "حارس الأملاك العامة" الإسرائيلي، بادعاء أن المنزل كان ملكاً ليهود قبل أن عام 1948، وقبل أن تستأجره عائلة صب لبن عام 1953، متغاضيةً عن 25 عاماً من سكن العائلة المتواصل لهذا العقار حتى تاريخ رفع الدعوى.

لم يستطع "حارس الأملاك العامة" إثبات ملكية العقار ليهود قبل عام 1948، خصوصاً وأن معظم العائلات اليهودية التي كانت تسكن أحياء البلدة القديمة غادرتها خلال عقود العشرينات والثلاثينات بسبب ثورتي البراق 1929، والثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936-1939، أي قبل حرب 1948 بعقدٍ أو عقدين من الزمن، الأمر الذي أدى إلى حسم القضية في عام 1999 لصالح العائلة المقدسية؛ إذ انتزعت الحاجة نورة غيث من المحكمة الإسرائيلية العليا قراراً يؤكد أحقيتها في العقار.

وكان مستوطنون يهود قد استولوا بالقوة على عقار ملاصق عام 1986، يعود إلى رفيقة السلايمة ونائلة الزرو، وأغلقوا بعد استيلائهم على العقار الباب الوحيد الذي يمكن لنورة غيث وأولادها الدخول إلى منزلهم عبره، فاضطرت العائلة إلى إخلاء المنزل عام 1987، مع أن القضية كانت ما تزال منظورة في المحاكم.

ورغم صدور قرار من المحكمة العليا الإسرائيلية، رفض المستوطنون السماح لنورة وعائلتها دخول منزلهم، مستغلين أن المدخل الوحيد لعقار غيث-صب لبن يمر من العقار الملاصق الذي استولوا عليه؛ إذ تتميز المباني التاريخية في البلدة القديمة بأسلوب عمراني تتلاصق فيه المنازل والغرف فوق بعضها البعض في "حوش" واحد، ويشترك جميع السكان في المدخل.

في عام 2001 رفعت عائلة غيث-صب لبن قضية على المستوطنين لتمكينها من دخول بيتها بحرية، واضطر أحد قضاة المحكمة المركزية الإسرائيلية لزيارة المنزل لمعاينة الواقع، فحكم بتمكين العائلة من دخول منزلها.

بعد عودتها للمنزل، أجرت عائلة غيث صب-لبن بالتعاون مع إحدى الجمعيات المقدسية ترميماً محدوداً للمنزل، وفتحت باباً جديداً يدخل إلى عقارها مباشرة، دون أن تضطر للمرور من العقار الملاصق الذي يستولي عليه المستوطنون.

ثالثاً: المحاولة الإسرائيلية الثانية للاستيلاء على عقار صب لبن:

بعد 9 أعوام من عودة عائلة غيث-صب لبن إلى بيتها، وبعد قرابة 32 سنة من بدء مشوار العائلة مع المحاكم الإسرائيلية، وبالضبط في العام 2010، قرر "حارس الأملاك العامة" الاستعانة بإحدى الجمعيات الإسرائيلية -جمعية "عطيرت كوهانيم"- وتحويل العقار إليها. توجهت الجمعية الاستيطانية المذكورة بعد شهور إلى محكمة الصلح مطالبة إياها بإصدار قرار يجبر العائلة على إخلاء منزلها، بدعوى امتلاك الجمعية للمنزل؛ وفي الوقت عينه حاولت الجمعية أن تغري عائلة نورة غيث بالمال، وعرضت عليها ما يقارب المليون دولار لإخلاء المنزل، وهو ما قابلته العائلة بالرفض.

في شهر تشرين أول/ أكتوبر عام 2014 حكمت محكمة الصلح الإسرائيلية لمصلحة الجمعية الاستيطانية، وأعطتها الحق في الاستيلاء على المنزل، وهو حكم رفضت عائلة الحاجة نورة التسليم به فتقدمت باستئناف إلى محكمة الصلح تظهر نتائجه في يوم الأحد 31 /5 /2015 .

حاولت جمعية "عطيرت كوهانيم" استغلال الحكم الابتدائي، وقامت بـ3 محاولات مدعومة من الشرطة لإخلاء العائلة من المنزل في شهر 12 /2014، و2 /2015، و3 /2015 رغم أن القضية ما تزال منظورة في المحاكم. تصدت العائلة لمحاولات الإخلاء الثلاث، وحافظ أفرادها على التواجد في المنزل على مدار الساعة، وتصدى الطفل مصطفى أحمد صب لبن البالغ من العمر 9 سنوات لمحاولة الإخلاء في شهر 2 /2015 منفرداً؛ إذ أغلق باب المنزل في وجه المستوطنين وقوات الشرطة -رغم أجواء التهويل التي حاولوا صناعتها بالتهديد والطرق الشديد والمتكرر- لحين وصول والده الذي تصدى لهذه المحاولة. وقد توجهت العائلة إلى المحكمة العليا الإسرائيلية لوقف محاولات الإخلاء، وحصلت حينها على قرار تجميد لإخلاء المنزل بانتظار الحكم النهائي.

رابعاً: الحاجة إلى الدعم وإلى الحقائق الضائعة:

على مدى 37 عاماً خلت، لم تدخر السلطات الإسرائيلية الرسمية أو المستوطنون أو الجمعيات الاستيطانية أي جهدٍ ممكن للاستيلاء على منزل عائلة غيث-صب لبن، الواقع في وسط البلدة القديمة، في حيٍ لا يبعد أكثر من 100 متر عن المسجد الأقصى موضوعٍ تحت مجهر الحكومة والجمعيات الاستيطانية للاستيلاء على عقاراته، ولم تدخر في المقابل عائلة صب لبن بأفرادها الثمانية كباراً وصغاراً جهداً في الدفاع عنه، وفي الصمود فيه، واستنفدت محاولاتها سواء عبر القضاء، أو عبر التواجد الدائم في العقار، والحرص على العودة له رغم التضييق الدائم من المستوطنين المجاورين، أو عبر الإعلام وإطلاق الحملات لحث جهود الدعم والتضامن، إلا أن المعادلة ما تزال مختلة؛ إذ تقف أجهزة الدولة مساندة لجماعات استيطانية تملك التنظيم والتمويل، في مواجهة عائلة من ثمانية أفراد بينهم أطفال، تقف وحيدة مجرّدة سوى من بعض الدعم من المتضامنين والنشطاء معظمهم من الأجانب.

أمام هذا الواقع، فالمطلوب بشكلٍ أساس هو:

1. الوقوف إلى جانب هذه العائلة بالتضامن والدعم وتسليط الضوء إعلامياً على قضيتها، وممارسة الضوط الشعبية والرسمية؛ لأن القضية أمام القضاء الإسرائيلي هي في الأساس قضية سياسية، وليست قضية ملكية تعتمد الوثائق والحقائق المجردة.

2. تعتمد الجمعيات الاستيطانية على استراتيجية التضييق في دفع العائلات المقدسية لترك منازلها؛ فالإزعاج الدائم والاعتداء على أفرادها، وتحويل حياتهم إلى جحيم هو الركيزة الأساسية لعملها، إلى جانب التقاضي أمام المحاكم الإسرائيلية المنحازة إليها ابتداءً، وما يرتبه على العائلة وأفرادها من خوف وقلق واستنزاف للوقت والمال. في مواجهة هذه العناصر المجتمعة، والتي واجهتها عائلة غيث-صب لبن على مدى 37 عاماً مضت، لا بد أن تمتد يد الدعم والإسناد والتضامن لهذه العائلة لاستدامة وجودها في منزلها ودفاعها عن حقها فيه.

3. تشكل قصة عائلة غيث-صب لبن نموذجاً لمصير 167 منزلاً في البلدة القديمة كانت تحت إدارة مديرية "حارس أملاك العدو" الأردنية، ومنازل وعقارات أخرى خارجها، لعائلات حصلت منازلها عبر تلك المديرية، وهي مهددة جميعاً بالوصول إلى المصير ذاته. إن وقائع قصة منزل غيث-صب لبن تعيد إلى الأذهان وقائع قضية إسكان الشيخ جراح، مع اختلاف التفاصيل، والتي حصلت على حق الانتفاع بالأرض من "حارس أملاك العدو" الأردني، وانتهت بإخلاء عائلات الكرد والغاوي وحنون، وما تزال تداعياتها مستمرة، وهو ما يتطلب وضع استراتيجية واضحة للتعامل مع تلك العقارات ودعم وتعزيز حق أصحابها فيها.

4. هناك دلائل تشير إلى أن العقارات المجاورة لعقار عائلة غيث–صب لبن كانت وقفياتٍ ذرية لعائلة رصاص، التي كانت تمتلك عدداً كبيراً من العقارات في عقبة الخالدية، وهذا ما يشير إلى أن الوجود اليهودي الطارئ فيها قد يكون على صيغة إجارة أو تحكير للوقف، وهذا لا يعطيها ولا يعطي "حارس الأملاك العامة" الإسرائيلي أية أرضية للمطالبة بها، ومن هنا تنبع الضرورة الملحة لمعرفة التفاصيل الكاملة حول العقار قبل عام 1953، ولإتاحة كل المصادر الممكنة لهذه العائلة للوصول إليها، لما يمكن أن تقدمه من تعزيز لموقفها في الدفاع عن منزلها.

أما الخطوة الأقرب والأكثر إلحاحاً اليوم، فهي إطلاق حملةٍ واسعة للتضامن مع العائلة قبل النظر في قضيتها يوم الأحد 31 /5 /2015.

أحببت الخبر ؟ شارك اصحابك 
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]