في الوقت الذي بدأ نضال الغاز في إسرائيل بالتحوّل من مواجهة إلى حل بفضل الحراك الشعبي المنظم والمُمنهج على عدة أصعدة ومستويات، بدأت أزمة "الزبالة" عند جارة فلسطين، "بيروت" بالظهور، مع غياب، شبه تام، لحراك شعبي قادر على حل المشكلة المستمرة منذ 12 يومًا.

13300 طن من النفايات، وزبالة سياسية

ووفق لمصادر إعلامية فأن بيروت، اليوم، تغرق اليوم بـ 13300 طن من النفايات، وهي مدينة %80 من سكانها جاءوا من مناطق أخرى، ومع ذلك ترفض تلك المناطق تحمل جزء من نفاياتها، وتصد الطريق وجهة حاملات القمامة، مما حوّل مشهد بيروت في الأيام الأخيرة إلى "اكبر حاوية قمامة" عالميًا، الأمر الذي أدى إلى استنفار من قبل السكان، ليس باتجاه العمل على التخلص من القمامة، سواءً بالنزول إلى الشارع والتظاهر أو محاولة طمرها والتعامل معها بيئيًا، إنما بلبس الأقنعة الواقعية من الأمراض والمكاره البيئية التي نتجت عن رمي الزبالة في كل مكان.

وإن كنا نتحدث عن الزبالة، وهي خليط من مواد أنتهى مفعولها والتعامل معها، إلا أن زبالة بيروت لها ارتدادات سياسية وأخرى طائفية، فسابقًا عملت شركة "سوكلين" على جمع ومعالجة النفايات في منطقة بيروت وجبل لبنان، ومؤخرًا أنتهى العقد معها ولم يتم تكليف شركة جديدة بالقيام بهذه المهمة.

وشركة سوكلين موجودة منذ حقبة رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، فالحريري هو أول من أدرك أهمية الاستثمار في ملف النفايات وعائداته المالية، فأنشأ شركة سوكلين. وذكرت مصادر لبنانية في حديثها لوسائل الإعلام أن أرباح قطاع النفايات تقدر بمليون دولار يوميًا يوزع على ست جهات سياسية، أي أن كل جهة تحصل على نحو 180 ألف دولار يوميًا، مما جعل تجديد العقد مع الشركة المذكورة مهمة مستحيلة أقتصاديًا خاصة وأن عددًا من الجهات ترغب بالمناقصة محوّلة "الزبالة" إلى صراع سياسيّ طائفيّ، لتضاف إلى سلسلة الأزمات والمشاكل المستعصية على الحل في لبنان، فلا رئيس للجمهورية منذ أكثر من سنة ولا مجلس نيابي يمارس أعماله بل ممدد له، ولا حكومة يسمح لها بتسيير أمور الدولة!

لبنان ليس قطعة سما ...ولا حل في الأفق

ومن "لبنان يا قطعة سما" إلى "أنقذوا بيروت من زبالتها" بدأ السياسيون في لبنان بموجة من التصريحات رافقت موجه الحر التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، لكن على ما يبدو فأن هذه الموجة من التصريحات ومنها "قرب الحل"، لم تتعدى أروقة البرلمان اللبنانيّ وبعيدة على أن تكون واقعية لا سيما وأن بعض البلدات قد قطعت الطرق والممرات إلى بيروت، لتغرق وحدها.

ووسط هذا المشهد المضحك المبكي تحدثنا في "بكرا" إلى ابنة مجد الكروم والتي تسكن حاليًا في صيدا وتعمل في صحيفة الأخبار بيروت حمود والتي وصفت حال لبنان واللبنانيين اليوم: اللبنانيون ينعمون بمناعة خاصة، فقد تآلفوا العيش مع النكبات والأزمات والحروب، وحتى مع "الزبالة"، 30 عامًا من الحرب دفعتهم للتعامل مع كم الصور والمشاهد التي تظهر يوميًا بسخرية حد البكاء.

وأضافت: يوميًا وأثناء الذهاب إلى عملي أنظر إلى وجوه الناس، كيف تحارب القمامة والمكاره البيئية بالكمامات، المحزن في الموضوع أن حالة الاشمئزاز والقرف التي تبدو على وجوههم لم ترتقِ إلى حراك شعبي قادر على التأثير والتغيير.

وقالت: قبل يومين مررت بـ "الحمرا"، هو شارع المثقفين في لبنان، لكن هذا الشارع تحوّل إلى مزبلة بدون أحرف وبداية ونهاية مجرد قصة بدون رائحة أو طعم. للحظة شعرت وكأنني بطلت قصة "العمى" لخوسيه ساماراغو.

وعن الحراك اللبناني، خاصة "طلعت ريحتكم"، الذي نشط في الأيام الأخيرة قالت: هنالك حراك نزل إلى الشارع، لكن عدد أفراده لم يتعدى الـ 500 شخص، في حين نحن نتحدث عن 5 مليون!

ونفت حمود أن تكون الأزمة في طريقها إلى الحل خاصة وأن بعض السياسيين صرحوا بذلك اليوم لعددٍ من وسائل الإعلام وقالت: تلك فقط تصريحات، بدون حل. قطع الطريق من وإلى بيروت كفيل بالتوضيح على أن لا حل حاليًا لزبالة بيروت، وأن المشكلة تتوسع من سياسية إلى طائفية، والمنطق الذي يحرّك النواب في التصريحات، كرد النائب خالد ضاهر على محمد القباني، يوّكد على ذلك، علمًا أن زبالة بيروت جامعة لزبالة السني والشيعي والمسيحي ....فهل نعرف لمن هذا الـ"بامبرز" على سبيل المثال؟!

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]