من أكثر التقارير التي أثرت بي، خلال تجربتي الصحفية، كصحفي لديه تجربة لا بأس بها، واعترف أنني كنتُ مذهولا ومُعجبًا حقًا من الشخصية التي أمامي..!

لا يُشمِّر الطفل محمد حسن (11 عامًا) من مدينة الناصرة عن ذراعيه كي يقوم بالمهام التي يُريدها، فهو ولد دون ذراعين.. هكذا أراد له الله سبحانه وتعالى منذ يومه الأول.. إلا أنّ الله أعطاه قوة وعزيمة وإرادة وحُبًا للتحدي والاستمرار على امتداد بصره..!

منذ أن وُلد، عوّد نفسه على القيام بكل شيء مُستعينًا بقدميه، لقد قرر في قرارة نفسه، وبتشجيع ودعم كامل من أمه وشقيقاته وأصدقائه أنه شخص عاديٌ جدًا هو (فقط) دون ذراعين، إلا أنه يستطيع أن يقوم بكل شيء لوحده، دون غضب ودون حزن.. وحتى دون أن يُشجّع نفسه أو يطلب تشجيع الآخرين.

أركض.. أقفز.. أسبح.. وألعبُ كُل شيء..!

ومُعلقًا على سؤالي إن كان يشعر أنه محروم من بعض الألعاب التي هي بحاجة إلى ذراعين قال محمد: " كلا، من قال إنني محروم، أنا ألعب كُل الألعاب التي أحبها.. أنا أركض وألعب كُرة القدم وأقفز، حتى أنني أسبح وأغوص في الماء، وأنا أجيد السباحة مُستعينًا برأسي وقدميّ".

بُكرا: وإذا خرجت الكرة خارج الملعب (آوت)، كيف ستمسكها بيديك لترميها وتستأنف اللعب؟

محمد، مبتسمًا: .. هذه بسيطة، أتركها لأحد أعضاء فريقي ليرميها هو.. أما إذا خرجت الكرة من جانب المرمى فهناك تكون (كيرِن) وبالتالي مسموح أن أرميها بقدمي.

يُحكم "قبضته".. بكف قدمه..!

بمساعدة والدته، منذ أن كان طفلا صغيرًا تمرّن على أن يقوم بكل شيء مُستعينًا بقدميه فقط.

في بداية الأمر كانت تسقط منه بعض الأدوات التي يستخدمها من قدميه لأن القدم لها مبنى وشكل يُستخدم لحاجة مختلفة عما تستعمل اليد، إلا أنه اليوم بإمكانه "أن يُحكم قبضته.. بكف قدمه"..!

ظننت قبل أن أشاهده أن الموضوع لا يتعدى أنّ لديه ليونة مُعينة في قدميه وأنه يستطيع تحريك الأشياء بهما بشكل أمهر من العادة، إلا أن الحقيقة هي أمرٌ يُصيب المرء بالذهول والإعجاب معًا.

أحضرت أمه كأسًا زجاجية فيها الشراب، فسألته إن كان بحاجة لـ (قشة) كي يشرب، فأجاب بثقة: "مفِش حاجة" .. فسألته إن كان يريدني أن أساعده كي يشرب فأجاب بثقة: "مفِش حاجة"، فسألته: "ألا تريد أن تشرب..؟" فرفع قدمه وبأصابع كف القدم الماهرة أمسك الكأس ورفعها حتى فمه وشرب بشكل عادي جدًا.. وكُل شيءٍ على ما يُرام..!

يقول محمد: "أنا أفعل كُل ما أريد حقًا، وأنا لا أشعر أنه ينقصني أي شيء، ولا أشعر بأي انزعاج أو قيد لأنني دون يدين، أنا أتحدث بالهاتف وأضغط على الأزرار بشكل عادي وأعمل على الحاسوب وأحرك الفأرة بشكل عادي جدًا، ألبس ملابسي لوحدي وأرش العطر ، أنا أحمل الشنطة إلى المدرسة دون أن أطلب أدنى مساعدة من أحد وأقوم بفتح الكتب والدفاتر وأمسك القلم وأحل وظائفي بشكل ممتاز، وخطي جميل وأرى أنه مفهوم جدًا".

وأضاف مُستهزئاً مع ابتسامة ساخرة ذكية: "قبل نحو عام قال لي أحد الأطباء إنهم سيحضرون لي يدًا، وعندما جاءوا لي بها رأيت أنها حديدة معقوفة شكلها كالمنجل.. لبستها ونظرت في المرآة فرأيت أن شكلي بها يُشبه القراصنة الذين أراهم في الرسوم المتحركة فرميتها وعُدت (عاديًا)..!

الكُل يُحب محمد..!

في الطريق لالتقاط بعض الصور في الملعب، ذهب وأحضر كرة القدم، ولديه طريقة مميزة في نقلها من البيت إلى الملعب، فعند خروجه من البيت يركلها ركلةً خفيفة من أول الدرج، ثُم ينزل مُسرعًا عند آخر الدرج لاستقبالها، فلكل شيء لديه حل..!
عندما وصل الملعب تجمهر نحوه عدد من أترابه ومازحوه وضحكوا معه بمحبة ولعب معهم كُرة القدم، وهو بالمناسبة لاعبٌ ماهرٌ جدًا.
عندما عاد إلى البيت ضرب الكرة ضربة خفيفة بقدمه حتى وصلت إلى آخر الدرج من الأعلى ثُم صعد مُسرعًا وسبق الكرة إلى أول الدرج واستقبلها ودخل إلى البيت.

كيفَ اقتحم محمد عالم الموسيقى؟!

أن تكون من أصحاب الاحتياجات الخاصة، فهذا أمرٌ يسهُلُ تخطيه، لكن أن تكون محتاجًا ولا تملك قدرة المحاولة، فهذه قمة المأساة...
وللاحتياج في عالمنا معانيه، فقد تكون من المعافين، لكنك لا تملكُ حلمًا كي تصبح شيئًا ما في عالمك... وستكبرُ وتكبرُ وتظلمُ على الهامش...
أما الطفل الذي يستحق أن نسميه معجزة "محمد حسن"، فهو من ذوي الاحتياجات الخاصة، لكنه اختارَ أن يحوِّل الحلم إلى حقيقة... صارَ فنانًا... بل مبتكرًا... بأصابع رجليه أصبحَ عازفًا، ورغم صغر سِنِه، الا انه أبدعَ لغةً جديدة، قد تدخلُ قاموسُ الموسيقى، فتتوارثها الأجيال.
ولِم لا... خاصةً أننا نتحدث عن طفلٍ كانت بدايته صعبة... لم يلتفت اليه جدًا... لكنّ مدرسًا ومعالجًا بالموسيقى، أنصتَ لمحمد، واحتضن حلمهُ الصغير بأن يعزف على العود... ثم تحوّل الحلم واقعًا.

الثنائي الجميل، محمد حسن وجورج قندلفت، الطالب والاستاذ ابتكرا معًا لغةً موسيقية جديدة... لغة الاحساس، وهي لغةٌ لا تعرف الحواجز ولا المستحيل... تحاكي العالم أجمعه.

محمد حسن، يقول بكل ثقة: "أنا أفضل من كثيرين، أنا أملك حلمًا جميلاً، وسأكبر وأصبح موسيقيًا كبيرًا... وأنا... أنا لدي إرادة".
وكطفلٍ صغير، يملك أحلاما صغيرة بأن يلعب مع أترابه، أن يغني معهم، أن يعزف لهم... أن يفرح مثلهم بَما أعطاهُ إالله، من موهبة ثمينة.
أما الاستاذ جورج قندلفت، فيذكر تماماً، أولُ لقاءٍ له بطالبه محمد، يومها التقى بِه بعد الحصة الأولى في بداية السنة الدراسية: اتجه نحوه، قبل صعوده الى سيارته، استوقفه وقال له: استاذي، اريد أن أتعلم العزف على العود...
يومها باغته طلب الطفل فقالَ لهُ كيفَ يكونُ ذلك؟!

ردَ عليه محمد: لستُ أدري؟!
فعادَ قندلفت ليقولَ لَه: سأفكّر وأردُ عليك...
وحين فكّر، وجد الحل... صعبًا، لكنهُ غير مستحيل... العزف بأصابع الرجلين... وهكذا بدأت رحلة الألف ميل... ولم تعد مجرد حلمٍ، صارَ محمد حسن: عازف عودٍ ينتظره مستقبل زاهر...

اختيار شجاع لآلة عزف مُعقدة..!

لصديقنا الطفل النبيه حسٌ مُرهف، فهو يُحب الموسيقى، وبدأ يتدرب في بداية الأمر العزف على الدربكة، ولكنه انتقل لاحقًا للعزف على العود، والعود آلة عزف مُعقدة جدًا وفيها أوتار دقيقة وقريبة من بعضها البعض، إلا أنه لا يعرف صعبًا ولا مُستحيلا وقرر أن يعزف على هذه الآلة بقديمه،ويقول الطفل محمد: "عندما بدأت العزف على الدربكة وجدت أنها آلة موسيقية غير لطيفة، لم أحبها، إنني أحب الموسيقى الهادئة التي يُمكنني الشُعور بها، لذلك انتقلت إلى العود ولقد شجعني على ذلك أهلي وأستاذي الموسيقى الذي أحترمه وأحبه جدًا، والأستاذ جورج قندلفت".
عزف عدة معزوفات وكان عزفه رائعًا ومهنيًا.. وهو يدخل إلى حالة تركيز شديد عندما يمسك العود.

مشكلة في الظهر والرقبة..!

الطفل المُتحدي هو من الأوائل في صفه.. وتخطيطه (حتى الآن) أن يُصبح عازفًا مشهورًا على العود وأن يعمل في مجال الاستيراد والتصدير وأن يُصبح عالم دين (وطلب أن أشدد على أنه يحلم أن يُصبح عالم دين).

شنطة المدرسة الثقيلة وجلوسه بشكل غير عادي، يُلائم حركة قدميه أدى إلى نشوء مُشكلة لديه في الظهر والرقبة، وهو اليوم يُعاني من اعوجاج في العمود الفقري، على الرغم من أن مرافق له من قبل بلدية الناصرة يُساعده على حمل الشنطة عند العودة من المدرسة، وقال محمد: (أشكر صديقي عرفات عُثمان الذي يساعدني على حمل الشنطة عند العودة من المدرسة.

والمبلغ الذي يحصل عليه من التأمين الوطني بسبب وضعه متواضعٌ جدًا إذا ما قورن مع حاجياته.

للتغلب على مشكلة آلام الظهر الطفل محمد حسن بحاجة إلى كُرسي خاص تصل تكلفتها إلى نحو ألفي دولار، كما أنه لا يملك حاسوبًا شخصيًا، ويقول أنه "يحلم" أن يُصبح لديه حاسوب متنقل.

في موقع بُكرا قررنا أن نفتح باب المساعدة والتبرع للطفل محمد ولنُحقق له حلمه المتواضع بشراء كرسي خاص وحاسوب متنقل.
من يُريد المساعدة وتقديم التبرع لجمع المبلغ لشراء هذه الحاجيات التواصل مع موقع بكرا على أحد العناوين التالية:

04.6452191
0506347744
في نهاية اللقاء سألته سؤالا افتراضيًا وقلت له: "إن أحضرت لك الآن ذراعين هدية وقلت لك خذ هاتين وضعهما بشكل طبيعي هل ستلبسهما؟ فأجابني، نعم، ولكن لأبدو طبيعيًا كالبقية ولست لأنني بحاجة لهما..!!

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]