خلفّت جريمة القتل هذه... نهاية مأساوية لحياةٍ حُلوة عاشتها أسرة... جاءَ المُجرم ليفرّق بين مُحبيْن، وليمحو ابتسامة الطفولة من شفاهِ ثلاث طفلاتٍ... لا ذنب لهن سوى انهُن بناتُها... قصة واقعية لأسرةٍ من نحف، قُتلت خلالها سيدة في السابعة والعشرين من العمر، أما القاتل فهو قريبُ العائلة.

„حياة بسيطة وهادئة”...

كنتُ أعتقد أنّ منتصف تموز 2001، هو أهمٌ تاريخٍ في مفكرتي، لكنّ الرابع عشر من كانون أول 2009، صار هو التاريخ المحفور في ذاكرتي... يومَ فقدتُ أحبُ امرأةٍ إلى قلبي...
في لحظةٍ شيطانية قرّر الجاني أن يضع حدًا لحياةِ زوجتي فادية، وليحرم بناتي من فرحةِ احتضانِ والدتهن صباح مساء.
تزوجنا عن حبٍ ورضى، عشنا خمسُ سنوات في بيت أهلي... وخلال هذه الفترة عملتُ أنا وفادية معًا في مصنع „دلتا”، لتترك هي العمل، بعد أن نجحنا في بناء بيتنا بتعاوننا المشترك... فقررنا أن نشكر الباري، متوجهين لتأدية العُمرة...
لم يكن يعكرُ صفاءنا شيء... قامت فادية بافتتاح بوتيك للملابس استمرت تعملُ به لسنة ونصف، لكن الحال لم يتيسر كما يجب، فأغلقناه... كُنا نستقبل الحياة بابتسامة، سعِدنا ببناتنا الثلاث (أسماء 9 سنوات، الصف الثالث)، (مَلك 5 سنوات، في صف البستان)، (سنا 4 سنوات، في الروضة).
تجاوزنا ضغوطات البناء والعمار والديون، لنبدأ حياة جديدة أكثر استقرارًا، لذا قررت فادية أن تذهب الى التعليم، قررت أنها في صيف عام 2010 ستبدأ الدراسة في كلية سخنين... كلُ شيءٍ كانَ جميلاً... وبلا عقبات.... حتى جاءَ 14 كانون أول، نهاية العام الماضي.
خرجتُ من بيتي، متوجهًا لعملي في دلتا، في السادسة والربع صباحًا، أيقظت فادية البنات وأخذتهن الى المدرسة، ثم عادت الى البيت، ليأتي سائق الروضة، لينقل الصغيرة سنا الى صفها.
وفي الشقةِ المقابلة لبيتنا، جارُنا وزوجته... اتصلوا بي ليعلموني أن فادية „الله يرحمها”... القاتل بنفسه اتصل بي ليعلمني بمقتل زوجتي.. لم أستوعِب ما قيل، ولم أعرف الجاني... تشوشّ فكري، بصعوبة وجدتُ نفسي خارج المصنع... قدتُ سيارتي الى البيت... شاهدتُ زوجتي... قتيلة... رحمها الله... صمتُ طويلاً... الشرطة التي كانت في المكان أخذتني الى التحقيق... وسألتني عن علاقتنا وعن أشياء كثيرة... اعتقلوا جاري، قريب العائلة... أما أنا فعدتُ بسرعة الى بناتي... كُنّ في بيت ابنة خالي (خالة زوجتي)، عَلِمْن من معلمتهن، ومن الآخرين: العاملة الاجتماعية في المدرسة، المُعالج النفسي في الشؤون الاجتماعية بالمجلس، وآخرين، وأبلغتُ بناتي أنّ والدتهن كانت تعاني من أوجاع وتوفيتْ... انتقلت الى السماء، عند الله.

„أعيشُ على الذكريات”

عملي في دلتا تكستيل، ساعدني كثيرًا، مُنحتُ إمكانية العمل بنصف وظيفة، حتى آخُذ بناتي الى صفوفهن، عند الثامنة صباحًا، وأعيدهن الى البيت في الواحدة والنصف... وعند الساعة الرابعة عصرًا أذهب الى عملي في „الإحصاء”، وظيفة اخرى وجدتها بعد الذي جرى، لأضمنَ معاشًا يغطي المصاريف.
هاأنذا أسكنُ في البيت الذي وقعت فيه الجريمة، ولا أحتاج لمن يذكرني بزوجتي فادية، فالوجعُ يوميٌ بالنسبة لي، يرافقني الى كُلِ مكان... كيفَ أنساهُ وبناتي في حضني، يسألنني عن امهن؟!! أفكرُ بيني وبين نفسي، أنّ فادية لم تعُد ترافِق بناتها، لم تعد تسرِّح شعرهن، وترتّب ملابسهن... وتبتسم لهنّ. الألمُ يوميٌ... لا انتظر من يذكرني به.

"أسماء، مَلَك وسنا... نورُ عيوني!"

تسألني بناتي، وبينهن مَلَك، التي سألتني أينَ أمي: قلتُ لها، أنسيت أنها صعدت عند الله، فقالت: الله يرحمها.
أما الكبيرة، أسماء، فيسرح خيالها كثيرًا... أقطع وحدتها، أريدها أن تتكلم بصوتٍ عالٍ، فآخذها الى أمها، تقف قبالة قبرها، أنشغل بزيارة قبر والدي... أريدها أن تُسِّر للمرحومة بما يجول في فكرها.
أما أنا... فأعمل على ألا أنكسر... إيماني ودعم الراحلة لي، وصبرها الذي عايشته، يمنحني القوة على الاستمرار... ولولا فضلُ الله علي لما كنتُ استطعتُ مواجهة الواقع...
الراحلة فادية... كانت نورُ البيتِ وصفاءه، الآن... بناتي هُنّ نور عيوني... ورغم قساوة قصتي، إلا أنني أحاول أن أستقي منها الإيجابيات... أنا لا أهلوِس، فخلفَ هذا الحادث المأساوي هناك بقعةٌ خضراء، يانعة، فأنا رجلٌ مؤمن، ولأنّ المرحومة كانت مؤمنّة ومحبّة وتقرأ „القرآن الكريم” باستمرار، وذات خلقٍ فربما اصطفاها الله بهذه الصورة، ليكون لَهَا مكانٌ في الآخرة.... أو انها تُحتسب عند الله شهيدة... وللشهداء مكانة عظيمة عند الله... وتشفعُ بفضلها لأهلها وأحبائها... الله أعلم.

„الرجل يبكي أيضًا”

أنا رجُلٌ... والإنسانُ بطبيعته ذو شعورٍ وأحساس، وأنا ابكي... كثيرًا، لكنْ ليسَ كلُ ليلة... لكنني كلُ ليلةٍ أتألم. أحاول قدر المستطاع أن أكون قويًا... لكي لا أزيد الآخرين ألمًا... على قسوة المصاب. أحاول ألا أسير وراء عواطفي كي لا أكسر المحيطين بي... أنا قوي أو هكذا أحاول أن أكون خاصة أمام بناتي.

„علاقتي ببناتي توطدت أكثر

ما يُسعدني هو أن أرى ابتسامة البنات، ويبدو أنهن سعيدات بقربي منهن أكثر من أيِ وقتٍ مضى، صرتُ „الأب والأم معًا”، أحاول أن أدعمهن وخاصة الكبيرة، لأنها متأثرة أكثر من شقيقتيها بوفاة والدتها، فهي تسرح قليلاً، لذا اريد ان اكون بقربها أكثر.
الوقت يُخفف من حدة الألم، فالصدمة بدأت كبيرة الآن صارَ بالإمكان استيعابها أكثر، أحمدُ الله انّ بناتي لم يكن في البيت لحظة وقوع الجريمة، فماذا كان سيكون حالي الآن؟!!
„الحمد لله”، الأيام ستمر ومعي ثلاثُ زهراتٍ يانعات، أجملُ ما في حياتي.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]