يتميَّز وادي المالح في الأغوار الشمالية بالمناخ الدافئ ووفرة المياه والعيون الدافئة ذات المياه الحارة، كما أنه من المناطق الزراعية والرعوية المرغوب فيها لدى كثير من المزارعين في محافظة طوباس، وينحدر أهالي هذه المنطقة من عائلات مدينة طوباس وطمون، مثل عائلات بشارات وضبابات وضراغمة.
 

خمس بلدات، وسبع مستوطنات!!!

يحتوي الوادي على خمس خرب وتجمعات بدوية؛ هي: خربة الفارسية، وعين حلوة، وحمامات المالح، وخربة سمرا، وخربة الحمة.
يقول خالد ضبابات أحد سكان هذا الوادي: "تشكل المغتصبات ومعسكرات جيش الاحتلال -والبالغ عددها في منطقة واد المالح سبع- كابوسًا يؤرق المواطنين، وهي: مغتصبة "شدموت مخولا"، ومغتصبة "روتم"، ومغتصبة "مسكيوت"، ومعسكر "ناحال"، ومعسكر "سمرا"، ومعسكر "بيلس"؛ حيث تحيط بأراضي وادي المالح".

عين الحلوة.. قرار الموت
وقال محمد دراغمة الذي هدم منزله في وادي المالح: "إنه في 29 نيسان (أبريل) 2010 سلم جيش الاحتلال أهالي التجمع البدوي عين حلوة في الوادي إخطارًا عسكريًّا يتضمن تحويل المنطقة إلى منطقة عسكرية مغلقة يحظر على الفلسطينيين وحتى السكان البدو القاطنين في المنطقة التجول فيها أو حتى الاستفادة من أراضيها".
وأكد أن هذه الخطوة جاءت كردٍّ انتقاميٍّ على إخلاء المغتصبين من الخيمة التي وضعوها بالقرب من بيوت تجمع البدو الموجودة في عين الحلوة قبل ذلك بأيام؛ مما يعني إغلاق ومصادرة 3000 دونم من أراضي الأغوار في منطقة عين حلوة، وتشريد السكان البدو منها، على الرغم من أنهم يمتلكون وثائق رسمية تثبت ملكيتهم الأراضي الزراعية في المنطقة قبل وجود الاحتلال.
ونوه بأن جيش الاحتلال سبق أن حوَّل 70% من أراضي وادي المالح إلى مناطق تدريبات عسكرية، بالإضافة إلى مناطق مزروعة بالألغام الأرضية التي باتت تنتشر بين ثنايا بيوت ومزارع البدو البسيطة، والمصنوعة في الأصل من الصفيح والخشب محولة المنطقة إلى ما يشبه الثكنة عسكرية.
وكانت قوات الاحتلال هدمت قبل عدة أيام عددًا من مضارب البدو في منطقة عين الحلوة التي ما أن يبني سكانها ما يهدمه الاحتلال حتى تشرع جرافات الخراب بهدمه مرة أخرى.

الفارسية.. لا نمل حتى تملوا
وفي موقع صمود آخر في وادي المالح تظهر خربة الفارسية التي تردد اسمها كثيرًا في وسائل الأعلام في الأيام الأخيرة. وتقع خربة الفارسية في الجزء الشرقي من وادي المالح على بعد 20 كيلومترًا عن مدينة طوباس؛ حيث تمتد أراضي الخربة من حاجز التياسير غربًا وحتى نهر الأردن شرقًا.
وقال سالم مخامرة أحد سكان الخربة: "إن عدد سكان الفارسية الآن يبلغ 241 نسمة؛ علمًا أن عددهم قبل الاحتلال في عام 1967 كان يزيد عن ألف نسمة؛ يعتمدون بشكل أساسي في حياتهم الاقتصادية على الزراعات الحقلية وتربية المواشي. وينحدر أهالي الخربة من عائلات بشارات وضبابات وضراغمة من مدينة طوباس وبلدة طمون. ويسكن أهالي الخربة في بيوت من الشعر أو الزينكو".
وأضاف أن قوات الاحتلال حوَّلت قسمًا كبيرًا من أراضي خربة الفارسية إلى مناطق عسكرية مغلقة، بالإضافة إلى سيطرتها على كافة عيون الماء المنتشرة في المنطقة لصالح مغتصبتي 'شيدموت مخولا' و'مسكيوت' اللتين تشهدان انتعاشًا ملحوظًا بسبب سرقة ماء المنطقة.
كما حوَّل الاحتلال الجزء الشرقي من أراضي خربة الفارسية إلى مناطق ألغام تشكل تحديًا جديدًا لأهالي المنطقة؛ حيث بات وجودهم في المنطقة يشكل خطرًا حقيقيًّا على حياتهم في ظل غياب القوانين والأعراف الدولية التي تحظر تحويل المناطق السكنية والزراعية إلى مناطق عسكرية ومناطق مزروعة بالألغام.
وكانت قوات الاحتلال قد هدمت الفارسية ثلاث مرات خلال الأيام العشرة الماضية، وفي كل مرة كان الأهالي يقومون بإعادة بناء ما هدمه الاحتلال، ولسان حالهم يقول: "لن نرحل عن أرضنا مهما فعلتم".

"استيطان اقتصادي"...
يذكر أن ثمة خطورة مضاعفة تتضمَّنها العملية "الاستيطانية" في منطقة وادي المالح، تكمن في أن النشاط "الاستيطاني" يتعدى كونه عملية بناء وتوسيع حدود للمغتصبات، بل يصل إلى عملية نهب للثروة الوطنية في الأغوار؛ فهو يجسد "الاستيطان" الاقتصادي الذي يدر على المجالس "الاستيطانية" أموالاً ضخمة توظفها في بناء المزيد من الوحدات "الاستيطانية"، ويُترَك الفلسطينيون محرومين من أبسط مقومات الحياة.
وتسيطر سلطات الاحتلال بشكلٍ كاملٍ على برك تجميع المياه والمصبات المائية لوادي المالح في الأغوار الشمالية والمخصصة لحجز المياه من سطحها حتى جوفها، وتحرم الفلسطينيين الذين يعيشون على الزراعة من استخدامها؛ مما أدى إلى جفاف أراضيهم ومزروعاتهم.
ويقول المواطن وليد دراغمة: "إن وادي المالح جزء من المشكلة المائية التي تعاني منها منطقة الغور التي تسيطر سلطات الاحتلال على مواردها، وإن الزراعات المروية في المنطقة انتهت بالنسبة للفلسطينيين، وتبدو المفارقة على بعد أقل من نصف كيلومتر من مزارعهم اليابسة التي تلاشت فيها الحياة شيئًا فشيئًا؛ حيث تنمو الأشجار في المغتصبات التي تبدو خضراء؛ لأن سلطات الاحتلال تسحب مياه طبريا عبر أنابيب ضخمة تحت الأرض وتوصلها إلى هذه المغتصبات".
وأضاف أن "المنطقة التي تنبع منها عين المياه المعدنية الوحيدة، والتي كانت تزخر بالحياة؛ باتت تعاني الجفاف".
وقال سامي داوود مدير مجموعة الهيدرولوجيين في شمال الضفة الغربية (وهي مؤسسة تعنى بقضايا المياه): "إن الفلسطينيين في الغور لا يستفيدون حتى من مياه الينابيع الصغيرة؛ فعندما حاول المزارعون سحب المياه مئات الأمتار من نبع قريب جاءت قوات الاحتلال واقتلعت الأنابيب البلاستيكية من جذورها".
ويضيف أن "قوات الاحتلال جاءت في وقت سابق وردمت عين الماء الرئيسية في أعالي الوادي لتجفف منابع المياه المعدنية الحارة، ومنعت الأهالي من إجراء صيانة فنية أو بناء جدران استنادية للينابيع أو سحب مياهها، بينما تحت الأرض بحر من المياه يتم جره إلى مغتصبة "روتم" ويحرم الفلسطينيون من الحصول على مياه الشرب منها.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]