مع بداية العام 2010، طالعنا العالمان "ستيفان براون"، المختص بأبحاث الدماغ والأعصاب بجامعة "سيمون فرازر" الكندية، وزميلة "مايكل مارتينز" من جامعة تكساس، بنتائج بحث علمي جديد خلص إلى أن الرقص يقلل من مخاطر الإصابة بمرض نقصان الذاكرة ويساعد على تحفيز المراكز الدماغية المسؤولة عن العواطف ومناطق التعلم والنطق والإدراك. لكن لم يذكر أي من الباحثين عن أي أنواع رقص يتحدثون! وهل الرقص الشرقي من ضمن فئات الرقص المدرجة في البحث أو لا! والسؤال الأهم من هذا هو: هل شملت العينة نساءً ورجالا، أم أنها اقتصرت على جنس دون الآخر؟!

بغض النظر عما إذا كانت الأسئلة الأخيرة تغيّر نتائج البحث أو لا، فإنها بالنسبة لسمير سليمان، ابن سخنين، صحيحة جدًا وتقترب بدقتها من نسبة الـ 100%.

يبلغ سمير الثلاثين من العمر، وهو يحترف الرقص الشرقي، إلى جانب مهنته الأخرى. ونحن عندما نقول "رقص شرقي"، فإن الموضوع يرتبط في أذهاننا بصورة امرأة فاتنة، ممشوقة القوام مرمرية السيقان. وعندما نحاول البحث عن تعريف للرقص الشرقي، نجد أن الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي قد عرّفه في إحدى كتاباته على أنه رقص حسي، يؤكد حضور الجسد الأنثوي بكل ما فيه من مفاتن تصل الإنسان بعالم الأرض وعالم الطبيعة، بشهواته وغرائزه التي تـُقدم أحيانًا بسوقية وابتذال‏،‏ وبتمكن وأناقة‏، في أحيان أخرى.

وبين صحة الجسم، والسوقية والابتذال والتمكن والأناقة‏ نلتقي بسمير، الذي خص موقع "بكرا" بالحديث عن الرقص الشرقي، وعن احترافه الرقص الشرقي ضاربًا بعرض الحائط... رأي المجتمع، العادات، التقاليد والآراء المسبقة عن المهنة.

"خلونا نحكي بالأول عن تاريخ الرقص الشرقي"

تمحور بداية حديثنا مع سمير سليمان، والذي يعمل اليوم كمصور أشعة في مستشفى "هيلل يافية" ويمتهن الرقص الشرقي، حول تاريخ الرقص الشرقي. فسمير يرفض أن يعزل المهنة عن ماض ارتبطت به، بل يؤكد أن ماضي المهنة يؤثر بشكل سلبي عليها ويربطها مع مفاهيم تجعل المجتمع يرفضها.

يقول سمير: "عندما نرتمي بأبصارنا بعيدًا عبر الماضي، إلى ما قبل الميلاد بألف عام، نرى أن العقائد الوثنية كانت تسود ذلك الوقت، وقد كانت هذه العقائد متعددة ومتزامنة في وادي النيل وبلاد الرافدين. كان الناس في تلك العهود يتقدمون إلى الآلهة بأفضل ما لديهم، تقربا وتكفيرا عن الخطايا، وكانت الآلهة بطبيعتها رموزًا لمواطن القوة والغنى والنماء في الطبيعة المحيطة بالإنسان، لذلك فقد تعددت الآلهة عند كل من المصريين والآشوريين والسومريين والإغريق. وكان من أهم العناصر الطبيعية التي سعى الإنسان إلى طلبها على الدوام، الخصوبة والإنجاب والنماء، وبدا من الطبيعي تقديم فتاة عذراء لتصير في خدمة تلك الآلهة كنوع من أنواع التقرب منها".

ويضيف سليمان: "هكذا بدأت ممارسة البغاء في المعابد، حيث جاء واضحا ،في إطار بعض الصور التي جمعها التاريخ من العبادات والشعائر المقدسة آنذاك، أن الفتيات كن يرسلن إلى تلك المعابد من منطلق ديني، تحت مسمى خدمة الآلهة (وهناك تأكيد لهذا في كتابات سقراط)، وقد كن يستخدمن من أجل ممارسة نوع خاص من البغاء يتطبع بطابع القدسية، فضلاً عن ممارسة نوعٍ من الرقص في المناسبات والأعياد والشعائر الخاصة كطقس من طقوس العبادة والتقرب، وكان هذا النوع من الرقص يبرز الجزء الأدنى من البطن أو"الرحم" باعتباره مصدر الخصوبة التي تمنحها الآلهة"!

ويكمل سليمان حديثه قائلا: "بعد هذا انتقل الرقص الشرقي في أزمنة ما بعد الميلاد وبعد انكماش رقعة الوثنية في المشرق، من طقوس المعابد وشعائر البغاء المقدس، إلى حانات اللهو وأسواق النخاسة، وصار طقسًا من طقوس المتعة التي تقدم للرائح والغادي، لذات المتعة، دون مواربة وذرائع كهنوتية غيبية أو اتشاح بعباءات القداسة الوثنية. كان كأي سلعة تقدم لمن يدفع ثمنها، وكثرت الراقصات بشكل عام في بلاط الملوك، حيث خصص كل ملك له عددًا من الجواري، يعملن على إمتاعه عبر تقديم رقصات متنوعة".

وأضاف: " تفيد المعلومات التاريخية بأن الرقص أكمل مساره إلى (الغجر) - وأصلهم فينيقي -، حيث احترفت الغجريات الرقص لإمتاع الجنود، وقد أطلق عليهن في مصر: (الغوازي)، وقمن بتعليم المصريات الرقص الشرقي الذي نعرفه اليوم.

ويقول سليمان: "هذا التاريخ، غير المشرّف وغير المنصف في آن واحد، للرقص الشرقي، جعل المهنة مرتبطة بالبغاء، بعيدة عن الرقي، على الرغم من أن الرقص هو فن ككل فن. فما الفرق بين رقص "التانغو" والرقص الشرقي؟!"

"هدفي الأول أن أنصف الرقص الشرقي"

ويتابع سليمان محاولا شرح احترافه للرقص الشرقي: "استغرب كثيرًا عندما يتحدث المجتمع العربي عن الرقص الشرقي. فما تقوم به الراقصة (دون الحديث عن الراقص) هو التعبير عن الموسيقى التي في داخلها بالرقص. هي تخرج فرحة داخلها، وتبثها بطريقة خاصة تهدف من خلالها إلى تغيير نفسية ومزاج الآخرين.

هذا ما أفعله أنا، أحاول أن أترجم الموسيقى بطريقتي الخاصة، وهي طريقة معبرة، كحركات الوجه مثلا... بل إنها تكون أحيانًا أكثر قدرة على التعبيرمن حركات الوجه نفسه".

"البداية، أمام المرآة وفي الأعراس والرقص هو تجاوب مع الموسيقى وليس بالضرورة شرقي "

ويكمل سمير قائلا: "أذكر جيدًا طفولتي، عندما كنت أجلس وحيدا في غرفتي، كنت أشغـّل الموسيقى، وسرعان ما أجد نفسي أتمايل على أنغامها، وأنظر إلى المرآة فأقوم بتعديل الحركات حتى أرى أن جسمي يتجاوب بشكل منسجم مع الأغنية، وقتها عرفت أن أذني الموسيقية تدفعني إلى التعبير عن فرحتي لسماع الموسيقى، وكنت أحس أن الموسيقى تدخلني إلى عالم ساحر...لغته موسيقية فقط".

ويضيف سمير: " لم يقتصر الأمر على المرآة فقط. فقد كنت طربًا فرحًا في الأعراس، وعندما تشتعل ساحة الرقص أجد نفسي في وسطها وكل الأنظار موجه إليّ، ولم أهز خصري فقط، إنما كنت أشارك بالدبكة وكافة أنواع الرقصات، وهي بالغالب رجولية بحته".

"الرقص ليس حكرًا على النساء ...ووالدي علمني الرقص"

وعن هوية الرقص يقول سمير: "مشاركتي في الأعراس بالدبكات والرقصات الرجالية تشير بدقة إلى أن محبتي للرقص ليست من منطلقات التشبه بالنساء كما يدعي البعض. فكما ذكرت، أنا أشارك بكافة أنواع الرقصات، وأصلا أنا اليوم أحترف الرقص الصعيدي بالذات، والذي هو رقص رجالي بحت بطبيعته، حيث يقوم الراقص باللباس الصعيدي بمواجه العديد من الراقصين باستعمال عصا تشبه العكاز أثناء الرقص، ويحمل هذا النوع من الرقص نوعا من المبارزة، وهي عادة رجالية بالمطلق".

ويضيف سمير: "أتفهم أن موضوع الرقص، وبالذات الشرقي، ارتبط بالنساء. لكن اليوم، ونتيجة لاعتزازي وللمعزة التي أكنها لهذا اللون من الرقص، أجد نفسي مسؤولا عن الدفاع عنه، فهو يحمل من الرُقي أكثر من الابتذال وهو تعبير عن الذات أكثر مما هو استعراض للجسم. وبمناسبة الحديث عن الرقص واستعراض الجسم، فهنالك ما بات يعرف بالـ"الستربتيز" (التعري)، ولكنه لا يمت للرص الشرقي أو غيره بأي صلة".
ويقول سمير: "نحن في وقت نتحدث به وندافع عن المساواة بين المرأة والرجل، وبات من السهل علينا تقبل فكرة المرأة الطيار، والمرأة المقاتلة والمرأة المكانيكية وحتى المرأة التي تملأ الوقود، ولكننا لم نتحدث عن الرجل إطلاقا. هذا هو دوري، أن نتحدث عن مساواة المرأة بالرجل بكافة المستويات، وكما تقبل المجتمع فكرة المرأة عاملة البناء عليه تقبل فكرة الرجل الراقص".

ويكمل سمير: "قناعاتي لا تأتي من فراغ، ولا هي غير مدعمة، فرقصي في الأعراس كان بدعم من والدي، الذي أحب هو الآخر الرقص كثيرً. فهو بالإضافة إلى عمله كممرض احترف الرقص. وفي المدرسة الثانوية انضم لفرقة راقصة. بناء على هذا، لست مهتمًا فعلا بالمجتمع ومتقييمه، لأني لاقيت الدعم الكافي من والدي رحمه الله، ناهيك عن أننا في المنزل (طبلة تدق ووسط يهز)".

"أمي تحيك لي الثياب..."

ويضيف سمير: "أكثر ما يشجعني على احتراف الرقص هو دعم والدتي لي، فهي اليوم المصمم الأول لملابسي الراقصة".

وعن الملابس يقول سمير: "لكي تكون راقصا ماهرا عليك إبراز حركات جسد متناغمة مع الموسيقى بشكل عال ودقيق. ولفعل ذلك، من المهم جدًا اختيار الملابس المناسبة، فلا يليق أبدًا أن تلبس تلك الملابس التي تختفي تضاريس جسدك.

ويكمل: "أنا لا أقوم بلبس بدلات تعري جسدي، فعلى الأغلب لباسي هو صعيدي أو بدلة شهريار، وهي بدلات يجب أن تكون لامعة، واللمعان يظهر الحركات ويركز عليها جيدًا".

"احترفت الرقص بعد أن تعلمت وعملت بتصوير الأشعة، وحاليًا أنا رقم 2 في البلاد"

ويقول سمير: "دعم أهلي يأتي لمعرفتهم بمدى جديتي في الحياة، فأنا إنسان مثابر، أحب الحياة، لكن في ذات الوقت آخذها بجدية كبيرة".
ويكمل: "حتى فترة تعليمي الجامعي، كان الرقص بالنسبة لي موهبة وهواية فقط، واعتدت الرقص خلف الكواليس، وفي الحفلات. لكن بعد أن أنهيت تعليمي الأكاديمي، بدأت بالعمل في مستشفى "هيلل يافية" في الخضيرة، وقد عرضّت علي زميلة لي في العمل أن أذهب معها لدورة رقص شرقي اشتركت بها في نادٍ للرياضة في الخضيرة".

ويضيف سمير: "لكثرة حبي للرقص، لم أتردد، وذهبت إلى الدورة وشاهدت الرقصات من بعيد، حتى عرضت صديقي على المدرسة أن أترجم بعض الحركات معهن. إتقاني للحركات فاق إتقان المدربة لها، الأمر الذي أثار دهشة جميع الفتيات، ولم يكن أي مشارك ذكر بها. هناك، بدأت الاحتراف، وبدأ مشواري المهني".

ويقول سمير: "بعد اللقاء الأول، أعتدت المثابرة على الدرس، حتى قامت المدربة بإيكال بعض المهام لي، وقمت فيما بعد بتدريس الرقص والتعلم على رقصات مختلفة".

ويضيف: "مما زاد مهنيتي في الموضوع، هو مشاركتي في ورشة عمل كبيرة جمعت ما يقارب الـ 3000 راقص في إيلات، قمت من خلالها بتطوير مهاراتي في الرقص وتدعيمها نظريًا أيضًا".

ويكمل: "بعد ورشة إيلات وتعرّف الراقصات علي، انهالت علي العروض، وبدأت شهرتي تزداد يومًا بعد يوم. أما اليوم، فأنا بصدد افتتاح دورات للرقص الشرقي في البلدات العربية على الرغم من أن الموضوع ليس سهلا بالمرة".

جوائز...ومفاجئات المستقبل

حاز سمير على المرتبة الثانية بالرقص الشرقي في البلاد، وعن هذا الموضوع يقول: "بعد اشتراكي بإيلات، نظمّت في إسرائيل مسابقة قطرية للرقص الشرقي، وقد اتصل المنظمون بي واقترحوا علي أن أقوم بالمشاركة، وفعلا شاركت وقدّمت استعراضًا شيقا جعلني أفوز بالمرتبة الثانية".
وعن المفاجئات التي يحملها لنا سمير خلال المستقبل القريب يقول: "صحيح أني أعشق الرقص، لكن بالإضافة لذلك، أنا أكتب الأغاني، ألحنها وأغنيها، وأقدّم حفلات كبيرة وضخمة، في المستقبل القريب سأقوم بإصدار 3 أغان عملت على تلحينها وكتابتها، كما سأشارك في مهرجان ضخم في العيد في سخنين".

ويختم سمير حديثه الموجه لجمهور القراء قائلا: "الأهم من كل هذا هو ما لن أكشفه لكم اليوم... تابعوا أخباري من خلال موقع بكرا، ولربما تجدوني في أحد المسلسلات العربية مثلا...."

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]