أكثرُ من ألفي عائلة عربية وفلسطينية تعيشُ معاناة مستمرة، سَبقت فرض قانون "لم الشمل"، وبسببِ سياسة إسرائيل بالتفريق بين الزوج والزوجة لأنّ أحدهما يحملُ الجنسية الإسرائيلية، والآخر عربيٌ أو فلسطينيٌ لا فرق... ما دامَت إقامتهُ في البلاد ستكلِّف الدولة!!!

رنين وحاتم طبيلي، زوجان، من جانبي الخط الأخضر، التقيا، ذاتَ يومٍ قبل سنوات، فكانَ الحُب والرغبة بالزواج دافعهما الأول والأخير، لكن لم يتوقعا أن تتكلل حياتهما الزوجية بالمتاعِب "غير المحسوبِ حسابها"، ففي كلُ زيارةٍ إلى الأهل كانَ يتعذب أحدهما، حاتم يريدُ زيارة أهله في نابلس، لكنه يواجه جيشًا لا يرحم... وكأنما "يرغبون أن يلمحوا الذُل والقهر في عيون الفلسطيني"، هكذا قال – أما رنين، فكانَ عليها أن تفعل المستحيل مِن أجلِ تثبيتِ زواجها، وإبقاء زوجها إلى جانبها، حرصًا على لم الشمل، واستقرارهما مع الأبناء... رنين ظلّت تنتقل من مكتب وزارة الداخلية في نتسيرت عيليت، الى مكاتب أخرى، من بينها مركز "عدالة" القانوني لتحصيل تثبيتٍ لزوجها، واستطاعا انتزاع إقامةٍ مؤقتة، يتم تجديدها باستمرار، لكن... "تظلُ حياتهما محفوفة بالخطر والتهديد"... طالما أنّ "الوضع السياسي على حاله"، وهما مقتنعان بهذا الكلام عن ظهر قلب.

المعاناة منذ البداية...
يقول الزوج حاتم: كانت الخطوبة في العام 1999، وفي شهر تشرين الأول من نفس العام تزوجنا، وفي بداية العام 2000 قدمنا تصريح "لم شمل" فجوبهنا بطلب الأوراق، والتصريح، والرفض ثم النقاش، وتوجهنا الى المحاكم، وفي 22 تشرين الأول عام 2001 حصلنا على الإقامة، ولغاية اليوم أحيا على الإقامة التي تُجدد لي مرة في السنة، قبل انتهائها بشهر، يجب أن اقدّم طلب تجديد، وأحصل على إقامة مؤقتة من جديد بعد شهرٍ أو شهرين من تاريخ تقديم الطلب.
لاحظتُ أنّ المواطنين داخل إسرائيل يتم التعامل معهم وفق درجات، ففي المرتبة العليا هم اليهود ويأتي العربي الفلسطيني من الداخل في الدرجة الثالثة أو الرابعة، أما نحنُ فلسطينيو الـ 67 فأسفل الدرجات بالنسبة لنظرة هذه الدولة.
وأعرفُ حالاتٍ كثيرة أسوأ من وضعي، السيء، وهناك عائلات لم يحصل فيها رب الأسرة على أي نوعٍ من الإقامة أو التصريح.
بينما واجهتُ أنا شخصيًا المضايقة المستمرة ولا زلت في أماكن العمل، فهناك أماكن ليسَ من حقي الاقتراب منها، خاصة أنني مواطن "غير دائم"، وأن هويتي بلونٍ آخر، تميزني عن أي مواطن اسرائيلي.
كانت لي تجربة مريرة مع الإسرائيليين عندما وقفتُ أمام محكمة العدل العليا ليس أقل من 3 إلى 4 مرات، ويُنظر الينا وكأننا غرباء، وكأنني لاجئ أتيتُ من بلاد غريبة، أطالب بحقٍ ليس من حقي، وفي مرافعاتهم، قالوا بأننا نشكّل خطرًا على أمن الدولة، ومن هنا يجب أن يحذروا مِنا، لكن استطاعَ مركز عدالة، بطاقم محاميه، انتزاع حقي في الحصول على الإقامة المؤقتة، الأمر الذي جاءَ من حظي مقارنة بعائلات فلسطينية كثيرة، لا تزال المحكمة "تمرمرها"، رافضةً طلبات "لم شملها".
يُبدي حاتم "تخوفًا"، رغم مرور أكثر من عشر سنوات على زواجه، لأنّ القانون الصادر عام 2003، بعدم المصادقة على قرار "لم الشمل" الدائم، للعائلات، لا زالَ مستمرًا، ما يعني أنه قد يصدر بحقه أسوة بغيره، "قرار مجحف ومزاجي"، يبعده عن زوجته وأبنائه، ويحرمه من بيته ومن عمله ومن أسباب حياته.

"نظرة استعلائية وعنصرية"
إذا كانَ اليهود في هذه الدولة ينظرون الى العربي، نظرة ثانية، مسيئة، فكيفَ سينظرون إليّ، إنها نظرة احتقار واستعلائية وعنصرية.
ويضيف حاتم: "كُنا في زيارة إلى نابلس لمدة ثلاثة أيام، على المعبر "المحسوم" قاموا بتفتيش الهدايا التي أخذتها معي في طريق العودة، وقال لي الجندي الروسي "غير مسموح لك بالشراء من الضفة الغربية"، أليست هذه إهانة؟!! هو من حقه أن يفعل ما يشاء، ثم سألوني كم مرة زرت نابلس؟! فقلتُ ثلاث مرات، فأجابوني: بل 6 مرات، والتواريخ مسجلة لدينا.

الزوجة رنين: لا زلنا مهددين!
حاولت رنين، كما تقول، أن تظهر بكامل قوتها، لتؤكد لزوجها أنها تقف إلى جانبه، ولن تتنازل عنه، لكن الأمر " صعبٌ جدًا"، "تظلين تحيين في خوف، وإذا لم يكن لديك نفسٌ طويل، فستصلين الى مرحلة اليأس وتسلمين بما يفعلون، حتى لو أبعدوكِ عن رب العائلة".
"لكنني لم أندم على زواجي من حاتم، فزوجي طيبٌ ووالد أبنائي، هو بحاجة لهم وهم بحاجةٍ له، ومن حقنا أن نعيش في جوٍ أسري كالآخرين، هذا ما كنتُ أتمسك به طوال الوقت، زوجي من الضفة، لكن من حقي أن أعيش أينما اريد، هي أرضي، ويجب عليّ البقاء، وهذا الايمان، منحني القوة أن أحافظ على عائلتي".
وأضافت: "فكرتُ أن لا فرق بيني وبين امرأة يهودية، تريد أن تأتي بشريكها إلى البلاد، وهي لا تنتظر موافقتهم، بل على العكس، تأتي لتجد بطاقة الهوية ومعاملة قدومه الى البلاد جاهزة، بانتظاره".
"وماذا بشأني أنا، ألا يكفي أن الأرض سُلبت عُنوة، وندفع لكم كافة الضرائب المستحَقة؟!، وقبِلنا، أما أن نخرُج مِن هُنا، فلن يكون هذا... بل على العكس، فأنا أشجع كل فلسطينية تريد الزواج من فلسطيني أو عربي، أن تأتي بِه الى البلاد، حتى يلم شملهما، ويكونا أسرة، وهذا ما لا يريدونه هم".
وتتابع رنين: "أعرف أنّ هناك ما يقارب الألفي عائلة، تعيش هذا الوضع المأساوي، بسبب القانون العنصري، ألفي شخص، يأتون إلى هنا مع الأبناء ، نكون عائلة جاثمين على صدورهم، وهذا ما يخيفهم ".
تضيف رنين: "باختصار واجهت صعوبات، وتمييز حتى في مسألة الحصول على منحة ولادة، وحتى في مخصصات التأمين، وتسجيل الأبناء، وكل ذلك لكي يجعلوني ضعيفة ويائسة، لذا كان علي أن أملك النفس الطويل، وأستغل الثغرات القانونية الموجودة لأحصل على حقي في البقاء مع عائلتي وفي أرضي".

عدالة: تفاؤل محفوف بالقلق من الوضع السياسي!
خاضت عدالة نضالاً طويلاً ولا تزال في الدفاع عن العائلات العربية التي فيها أحد الطرفين من فلسطينيي الداخل، ولا بُدّ أن نذكُر بالاسم المحاميتان سوسن زهر واورنه كوهين، وسائر طاقم عدالة، الذين تابعوا باهتمامٍ قضايا العائلات الفلسطينية، التي زادَ عددها عن الفي عائلة، وقد عاش أفرادها ولا زالوا يحيون "حياة قلقة، غير مستقرة"، بسبب قانون "لم الشمل"، الذي حرمهم من الإيمان بـ"غدٍ أفضل"، على حدِ قول كثيرين منهم وقالوا أنّ ما يجري هو "تقطيع أوصال".
وتقول المحامية عبير بكر: إنه أكثر قانون عنصري في إسرائيل، وبعد بحوثٍ يتضح أنه لا يوجد قانون عنصري كهذا في الدول الديمقراطية في العالم، ويأتي ليمس بحقوق أساسية ودستورية بالأساس بالمواطنين على أساس عرقي وقومي، ويقول القانون للمواطنين العرب "لن نسمح لكم بالزواج من أي فلسطيني بل من أي عربي"، نتحدث هنا عن الدول العربية التي تعتبر دولة عدو بالأساس، لذلك فالطرح الأساسي للموضوع هو على أساس عنصري، وهو لا يميّز فقط ضد العرب، وإنما هو ينتزع حقوق أساسية من العرب، ينتزع حق العربي في اختياره لشريك حياته، سيما انّ الحديث عن شعب واحد يريد الحفاظ على الروابط الأسرية والثقافية والعائلية مع الفلسطينيين بشكلٍ عام وكذلك مع العرب في الدول العربية".
تضيف المحامية بكر: "نتحدث عن حوالي مئتي عائلة، مبنية على زواجٍ فلسطينيين مع مواطنين من دول عربية، واستطعنا من خلال هذه الملفات أن ندحض ادعاء اسرائيل أنّ هذه العائلات تشكّل خطرا على أمن الدولة".
وتتابع بكر: "إنّ مدى عنصرية هذا القانون تصل إلى حد أنه يتعامل مع شعبٍ كامل كعدو، ولا يوجد مثل هذه الصيغة في العالم، قد تكون دولة معادية ومعرّفة كدولة عدو، لكن هذا لا يجعل الشعب الذي ينتمي إلى هذه الدولة شعب عدو، كم بالحري حينما نتكلم عن شعب الذي يوجد بينه وبين فئة كبيرة من مواطني الدولة (العرب)، رابط مشترك، هو رابط القومية والثقافة والتواصل البشري التلقائي والعادي".

المحامية بكر: قانون يقطّع الأوصال ويدفع الى الطلاق
تقول بكر: "ننتظر الآن قرار المحكمة العليا ضد هذا القانون حتى الآن اجيز لحالات قليلة في البقاء داخل اسرائيل، بموجب هذا القانون لكن بتأشيرة زمنية، في حالة عائلة طبيلي القانون يسري عليها ولكن ما يميّزهم هو أنه لم يتم طرد الزوج من شفاعمرو وانما منحه تأشيرة مؤقتة للمكوث، من ناحية هذا جيد، لكن يجب الانتباه أنّ هذه التأشيرة ستبقى مؤقتة بموجب هذا القانون، وعائلة طبيلي لا تشعر بالاستقرار ولن تشعر به طالما هذا القانون موجود، فالشخص (الزوج) يحرم من حقوق اجتماعية، التأشيرة لا تمنح المقيم المؤقت حياة اجتماعية عادية، مثل تأمين صحي، وامور اخرى عديدة بحاجة لها، ليمارس حياته العادية والطبيعية، عدا عن الشعور أنه قد يُطرد في أي وقت إذا لم يتم تجديد تأشيرة المكوث، أشير هنا إلى ان غالبية هذه العائلات، يتم فيها طرد الشريك العربي أو الفلسطيني من الـ67، وبالتالي يتم الحديث عن قانون فيه قطع أوصال العائلات وتشريدها، هناك حالات طلاق أيضًا سمعنا عنها بسبب هذا القانون، وتُحرم الزوجات المقيمات الدائمات من مُعيل لهن، ناهيك عن الفلسطينيين الذين يعيشون في الداخل دون تأشيرة إقامة، أي بشكلٍ غير قانوني، ما يجعل العائلات تعيش حالات رعب بشكلٍ يومي، خوفًا من سجن الأب أو الأم أو طرد أحدهما".

"الحجة... أمن دولة إسرائيل"!
تفصّل لنا عبير بكر قانون "لم الشمل" منذ بدايته، فتقول: جاءت التقييدات على الفلسطينيين داخل الخط الأخضر مع شركائهم من الضفة والقطاع او من الدول العربية قبل سن القانون، أي قبل العام 2003، قبل هذا التاريخ كانت هناك صعوبات عديدة، وأحيانًا تعجيز ولكن استطاعت عدالة ومعها مؤسسات حقوق انسان اخرى، أن تُنجز نجاحات في لم شمل بعض العائلات، بعدها تمّ حظر لم الشمل، وقيل آنذاك انّ الحديث عن شيء مؤقت، لكن قرار الحكومة تحول الى قانون صادقت عليه الكنيست عام 2003، وهنا بدأت المعركة القانونية الحقيقية منذ ذلك الوقت، أي 7 سنوات يتم فيها الحديث عن قانون مؤقت ولكن يتم تجديده كل فترة زمنية معينة بادعاء انّ موضوع دخول الفلسطينيين يشكّل خطرًا على أمن الدولة، وأكثر من ذلك وبتناقضٍ واضح، اسرائيل تعترف انّ الالاف من الفلسطينيين يحرمون من لم الشمل، قد يكون ظلمًا، على الرغم أنهم لا يشكلون خطرًا على أمن الدولة، لكنها لا تستطيع أن تفحص ملف كل فردٍ، ومعرفة ان كان يشكّل خطرًا على أمن الدولة، لكن يتضح انها تسمح لـ20 ألف فلسطيني بالدخول للعمل في اسرائيل، في هذه الحالة تستطيع أن تفحص إن كان الفلسطيني يشكّل خطرًا على أمنها أم لا، إذًا فمنطق اسرائيل أنّ أهدافها الاقتصادية تجيز لها إدخال الفلسطينيين الى البلاد، لكن نظرتها للم الشمل هي ليست نظرة أمنية، وإنما القضية هي "التخوف الديموغرافي"، وازدياد الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، وما يُسمى ممارسة "حق العودة" بطريقة غير مباشرة، وهذا السبب السياسي الذي يقف من وراء هذا القانون العنصري".

موقف عدالة القانوني!
تقول المحامية عبير بكر: "استطاع محامو عدالة تفنيد ادعاءات النيابة، والموقف القانوني يقول استنادًا على قوانين اسرائيلية وقرارات محكمة عليا وقرارات دولية هذا القانون يجب ان يكون لاغيًا، ونذكر ان المحكمة العليا آنذاك لم تُلغِ القانون ولكنها قالت انّه غير دستوري، وأعطت الكنيست مجالاً للتفكير مجددًا في صياغة القانون، الكنيست لم تجدّد ولم تقلّل من حدة وعنصرية هذا القانون، فبالتالي أنا متفائلة من ناحية الوضع القانوني ولكنني متشائمة من ناحية الوضع السياسي والعنصرية المتفشية التي قد تؤثر أيضًا على اعتبارات المحكمة العليا وتشجعها على رفض التماساتنا".




 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]