بشغف وحب واشتياق يتحدث الشاب عمار عبيدات عن "عائلته الثانية"..العائلة المكونة من أربعة أفيال يزن الواحد منها أكثر من ستة أطنان، يلاطفها ويطعمها ويعتني بها، فهمه الأول في حديقة حيوانات المالحة (جنوب غرب القدس) صحة تلك الأفيال ونظافتها وتطورها.

وفي لقاء خاص مع مراسلة موقع بكرا قال عبيدات (33 عاما من سكان قرية جبل المكبر احدى قرى مدينة القدس) أنه بدأ العمل في حديقة الحيوانات منذ ثلاثة عشر عاما محققا حلمه منذ أيام الطفولة والعمل مع الحيوانات.

يقول عبيدات :"حياتنا قروية، كنا كباقي قرى القدس نعتمد على الزراعة وتربية الحيوانات، وكنت أتسابق مع عائلتي لاطعم الخيول والبط والدواجن والاغنام التي نربيها لدينا واعتني بنظافتهم وأضع لهم المياه وأجلس بقربهم..وبقيت على هذا الحال حتى باعها والدي بسبب تذمر الجيران والانخراط بحياة المدينة".

بداية المشوار..

أنهى عبيدات دراسته الثانوية وعمل في عدة مهن ليستطع اكمال تعليمه الجامعي، ودراسته كانت بعيدة جدا عن مجال عمله حيث درس (هندسة سيارات) من كلية أورط بالقدس، وخلال ذلك عمل في حديقة الحيوانات "في البساتين" حيث كان سعيدا من عودته ليكون قرب الحيوانات.. وبقي لمدة 7 شهور في عمله، الى ان تمكن "بعد محاولات عديدة" من لقاء مسؤول الحيوانات بالحديقة خلال محادثة عابرة بالحديقة حيث قال له :"اريد أن أعمل مع الحيوانات، حيث أوضحت له اني كان أعمل بشكل يومي مع الدواجن والخيول خلال تربيتهم في المنزل لكن المسؤول لم يعتبر ذلك شهادة أو خبرة كافية"، ويضيف :"بعد يومين من اللقاء وافق المسؤول على طلبي".

لكن المفاجأه كانت اكبر مما كان يتوقع الشاب عبيدات لان عمله سيكون مع "الفيلة"، هذا الحيوان الضخم ذو الرأس الكبير والذيل القصير والخرطوم الذي ميزه الله فيه عن كافة المخلوقات، حيث دفعته الدهشة والاستغراب في بداية الامر الى الرفض والاعتراض، لكن المسؤول الذي كان مدرب الفيلة وهو الذي احضرهم من تايلاند قال له :"لا تتسرع فكّر وجّرب"!!.

الإصرار والتجربة الفريدة..

التعامل مع حيوان ضخم وبطيء الحركة دفع عبيدات الى القراءة ومتابعة اخبار الفيل وفهم عاداته وتصرفاته..وبعد أسبوع تشجع للفكرة وبات الفيل من اجمل الحيوانات في نظره واقربهم للانسان واحبهم اليه ولأبنائه، ومن خلال الاعتناء بالفيلة والاهتمام بهم أستطاع الدخول الى العالمية...فسافر الى امريكا والمانيا وتايلاند ملتحقا بالدورات المختلفة كما سنحت له فرص عمل متنوعة.

وقال عن بداية التجربة التي وصفها بالمغامرة :"كانت بداية عملي مغامرة، وفي الايام الاولى كانت التجربة صعبة والتأقلم معهم ليس بالسهل، اضافة الى وجود مدربين من تايلاند الذين يتحدثون بلغة مختلفة ولديهم عادات مختلفة.

وبالاصرار والعزيمة تمكنت من التأقلم قال عبيدات، وتابع :"بعد أقل من عام تمكنت من اطعامهم وتنظيفهم الصعود عليهم وفهمهم جيدا، ففي بداية عملي كنت في تحدٍ لاثبات نفسي ووجودي وأؤكد اننا باستاعطتنا العمل والانتاج اذا توفرت الاجواء المناسبة".

حياة الفيلة وأسرارها..

في حديقة الحيوانات بالمالحة يعيش 4 فيلة، ذكر وثلاث اناث، ويوضح عبيدات بعضا من حياة الفيل :"هذا الحيوان اجتماعي يعيش في مجموعات من الاناث فقط، وتجتمع مع الذكور للانجاب وذلك باخراج الانثى هرمونات معينة للتزاوج، ثم يعود الفيل للعيش بمفرده، وقد تصل مجموعة الفيلة الى 50 انثى شريطة أن يكنّ من الاقرباء -اخت وبنات اخت- ولا تقبل أي فيلة بالانضمام اليهن من خارج اطار العائلة".

وقال عبيدات :"قبل 5 سنوات قمت بارسال فيل ذكر الى تركيا بعد ولادته ورعايته في حديقة حيوانات المالحة لانه أصبح في عمر ترفضه مجموعة الاناث، حتى لو كانت من بينهن والدته.

ويضيف :"الفيل حيوان ذكي بمستوى الشمبانزي لكن وزنه الذي يصل الى 6 أطنان يمنعه من الحركة بخفة"، مشيرا ان الفيل حيوان بري غير مفترس نباتي وهو نوعان فيل آسيوي وآخر إفريقي.

وأوضح أن العمل مع الفيلة في حديقة الحيوانات متنوع، فتوزيع الوجبات يكون صباحا البرسيم ثم الفواكة والخضار بعد ذلك، وقال :"نحن نحرص ان نقدم لهم الوجبات بطرق مختلفة "وملتوية" ليحرك الفيل عقله ويفكر بالطريقة التي سيحصل عليها الى طعامه، حتى لا يصاب بالملل"، مشيرا أن الفيل يحب الفتسق بشكل كبير، حيث يوضع مع مجموعة من الكرات وليبحث عنها ويتعب في الوصول اليها..كما يعلق له الطعام على جذع شجرة عالية ليرفع رأسه.

وقال عبيدات :"نحرص أن نمشي الفيل في الحديقة صباحا قبل افتتاحها لمدة ساعتين فمن المعروف ان طبيعة حياة الفيل هي التنقل والمشي المستمر في الغابات، علما ان المساحة في الحديقة المخصص للفيل تبلغ دونم"، ومضيفا :"صحة الفيل أهم بالنسبة لي من جذب السياح للنظر اليه".
ورغم أن الفيل أليف وهادئ لكنه خطير أذا شعر بالخوف حيث يقول عبيدات :"الفيل خطر واذا خاف يهيج، وخلال عملي معهم كانوا يبتعدون عني في هذه اللحظات وأنا كذلك، وفي هذه الحالة يركض الفيل ليكسر جذع شجرة .."!!.

حادثة قاسية

وخلال عمل عبيدات في الحديقة حصلت حادثة صعبة ومؤثرة حدثنا عنها واصفا ذلك كأنها حصلت بالامس القريب :"كانت هناك فيلة عمرها ثلاثين عاما جاءها المخاض وبقيت تلد لمدة أربعة أيام لكنها توفيت مع جنينها، ولم نتمكن من انقاذ حياتها رغم تدخل أطباء من المانيا ومحاولة اجراء عملية جراحية لها، حيث توقف الجنين في منتصف الجهاز التناسلي".

وأضاف :"لقد عانت الفيلة اثناء الولادة كثيرا ولعلنا نحن المسؤولون عن ذلك، فعلمياً يجب أن يكون الحمل الاول للفيلة في سن 12 عاما، لكن هذه الفيلة قصيرة القامة والحجم كان عمرها 28 عاما عندما حملت، وولدت بعد عامين، ولعل ذلك كان السبب في صعوبة الولادة.

وأكد عبيدات أن تلك التجربة كانت من أصعب المواقف التي حصلت معه وقال :"كانت من اصعب التجارب التي خضتها خلال عملي لثلاثة عشرة سنة في الحديقة، وكانت صدمة حقيقة لاني كنت على يقين بداخلي ان الفيلة ستعيش هي والجنين".

موعد ولادة الفيلة يعرفه عبيدات من خلال فحوصات الدم التي تجرى لها في الشهر الاخير من الحمل، ويتم اعطائها الدواء المساعد للولادة "الطلق الاصطناعي" اضافة الى التدليك.

وقال أن حب الفيلة انتقل الى اطفاله الثلاثة حيث يأتون اسبوعيا الى حديقة الحيوانات، وبالتأكيد تكون وجهتهم الاولى الى موقع الفيلة. فهم يحبونهم بشكل كبير.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]