يعتبر المخرج خالد يوسف من أهم السينمائيين العرب المتواجدين على الساحة في الوقت الحالي ، ورغم أن البعض يعتبر أنه يقدم نوعا من الدراما التي تمسّ الواقع بشكل مباشر قد يجردها من فنياتها إلا أن أحدا لا يختلف على عمق رؤية خالد يوسف. هذه الرؤية هي التي أهلته لأن يكون المخرج الوحيد تقريبا في هذا الجيل الذي كان سباقا بتقديم أعمال تحولت مشاهد منها إلى واقع يعيشه المصريون حاليا من خلال ثورة الخامس والعشرين من يناير الذي كان هو أحد المشاركين بها ، وهو حاليا يعد فيلما عنها يتحدث عن تفاصيله في هذا الحوار الخاص لـ "النشرة".. ويتحدث أيضا عن نواحي سياسية وفنية كثيرة تشغل الساحة في الوقت الحالي.

مارأيك فيما يحدث حاليا من اقتحامات متوالية لمقار أمن الدولة في كافة أنحاء جمهورية مصر العربية ؟
أي جهاز أمني يهدف إلى قمع الشعوب بالطبع هو محل سخط الجميع ، وليس من المنطقي أن يكون جهاز مثل هذا محل ترحيب وحب من قبل المواطن المصري ، وأعتقد أنه آن أوان حل هذا الجهاز بشكل نهائي ويكفي ما حدث. كما أطالب جميع المصريين بضرورة الاتجاه سريعا نحو بناء الدولة من جديد ، لأن هذا هو واجبنا ، وواجب كل واحد في موقعه سواء كان فنان أو غير ذلك فمصر الآن بحاجة إلى كل فرد من أبنائها. وأنا على ثقة تامة بأن الشعب المصري قادر على تحقيق الحرية الكاملة التي يطمح إليها ، وفي سبيل ذلك من الطبيعي أن يلجأ إلى تطوير كافة المؤسسات .

ما هو رأيك وتقييمك كشخص وكفنان لما يسمى بقوائم العار والقوائم السوداء والتي إنتشرت في الفترة الأخيرة وضمت عشرات الأسماء من الإعلاميين والفنانين الذين هاجموا الثورة المصرية في بدايتها ؟
لا أحد ينكر أنه كان هناك عدد كبير من التصريحات المستفزة والمضللة ، والتي تعتبر تجنيا صريحا على المتظاهرين الشرفاء ، فنحن وجدنا فنانات تطالب بحرقهم وآخرين يعتبرونهم خونة وعملاء لأنظمة أجنبية ، وهذا الأمر كان جارحا جدا ويعتبر تشكيك في الوطنية. لكن مع ذلك لن ننصب لجميع المهاجمين مشانق ، ولن ننصب لهم محاكم ، لكن هناك نقطة مهمة وهي أن هناك عدد من الإعلاميين والفنانين ساهموا بالفعل في زيادة عدد شهداء الثورة ، وأنا على فكرة كنت شاهد عيان على ذلك لأنني كنت أشارك في المظاهرات بشكل يومي ، ورأيت كيف شحنت هذه التصريحات الأمن والجمهور ضد المتظهارين. لذا فأن أعتقد أن هذه الفئة لن يمكن التسامح معها ، أو نسيان ما فعلته ، لأن هؤلاء ببساطة قاموا بتحريض الناس والأمن ضد المتظاهرين ، وهذا أمر غير مقبول بالمرة ، فكيف لنا أن نسامح مثلا من ساهم في إقناع البلطجية بأن ثوار التحرير خونة ويتلقون معونات من الخارج ، وبرغم ذلك أنا لا أعتبر هذا هو توقيت تصفية الحسابات.

بصراحة شديدة هل أنت من سعيت لنشر الخلاف بينك وبين غادة عبد الرازق خصوصا وأن ما قيل هو أنك أغلقت الهاتف في وجهها بعد أن دعتك لتأييد الرئيس السابق محمد حسني مبارك وأن تتخلى عن موقفك المعادي للنظام ؟
من المستحيل أن أكون أنا من سعيت لنشر هذا الخلاف ، بل على العكس أنا كنت قد اتخذت قرارا بأن أجعل الأمر بيني وبينها شخصيا تماما وفي إطار ضيق ، لأنني أيضا اعتبره أمرا تافها مقارنة بما يحدث في البلد حاليا . لكنني مع ذلك فوجئت بأنها هي من أعلنت عن المكالمة التي دارت بيني وبينها بهذا الشأن والغريب أنها هي من كانت تنصحني بضرورة تأييد النظام ، فنصحتها أنا بالمقابل نصيحة ودية وهي أنها يجب أن تكون في صف الناس لأن هؤلاء الناس هم من صنعوا نجوميتها وشهرتها. وهي في المقابل لم تستجب إطلاقا وهذا حقها ولكن أيضا من حق أن الناس أن يسامحوا أو لا يسامحوها فأنا لن أصادر حقهم ، لأن خلافي مع غادة عبد الرزاق أمر غير مهم بالمرة وبأي شكل من الأشكال .

هل ترى أن هذا الكم الكبير من السيناريوهات التي يتم إعدادها حاليا لتتناول ثورة 25 يناير شيئ إيجابي أم أنه يجب الإنتظار بعض الوقت لأن العمل الفني يختلف كثيرا عن العمل الإخباري الذي يتطلب سرعة التناول والتعليق؟
أنا أعتقد تماما أن هذه الثورة تحتاج بعض الوقت لفهما وإنجاز عمل مهم حولها ، لكن أيضا في نفس الوقت لايمكننا بأي شكل من الأشكال أن نحكم على سوء مستوى الأعمال التي ستنجز حولها سريعا لأن الشباب يمكنهم أن ينجحوا في صنع أشياء كثيرة جيدة في وقت قصير ، لكن هذا لا يمنع أيضا أن هناك أعمال كثيرة هدفها فقط ركوب الموجة وتحقيق الربح وهؤلاء سوف يحكم الجمهور عليهم بالتجاهل لأن الجمهور المصري واعي جدا لما يقدم ، وعموما أنا لدي فيلم سوف يتناول أحداث الثورة ، وهو فيلم تمت صياغته منذ عدة أعوام ، ولكننا غيرنا اسمه وسوف نعدل في أجزاء كثيرة من قصته لتتماشى مع الأحداث فأنا اعتبر الثورة المصرية "25 يناير" أهم حدث في تاريخ مصر على الإطلاق .

حدثنا بصورة أكثر تفصيلا عن الفيلم وهل ستجري تغييرات شاملة في قصته ؟
الفيلم مكتوب منذ فترة طويلة وتحديدا منذ فيلم " هي فوضي " الذي شاركت في اخراجه مع استاذي الكبير الراحل يوسف شاهين ، وكنت بالفعل أنوي تقديم الفيلم هذه الأيام لكن بعد أحداث الثورة اضطررنا إلى تغيير كبير في قصته ، كما غيرنا اسمه من " الشارع لمين" إلي "الشارع لنا ". وفي النهاية نحن نطمح لأن نقدم الأفضل ، وقد أشارك مع صديقي السيناريست ناصر عبد الرحمن في كتابة سيناريو الفيلم ، لأن كل ما يهمني هو أن أقدم عملا مهما وكبيرا مهما استدعى ذلك من توقيت ، فالوقت لا يهمني على الإطلاق. فقد يستغرق الأمر شهورا أو حتى سنة بحسب ما يقتضي الأمر ، وعموما أنا اعتبر نفسي شاهد عيان علي أحداث الثورة وبالتالي سوف أخص ناصر عبد الرحمن ببعض من مشاهداتي سواء شاركت في كتابة السيناريو أم لا لأني لم اتخذ حتى الآن قرارا نهائيا بهذا الشأن .

وفيما يتعلق بفيلمك " كف القمر " المفترض عرضه خلال الأسابيع القليلة المقبلة .. هل تعتقد أنه سوف يلاقي إقبالا جماهيريا كبيرا خصوصا وأن البعض قد يرى أن فكرة انجازه قبل الثورة قد اضرّت به كثيرا ؟
هذات غير صحيح لأن الفيلم بالرغم من أنه تم انجازه بالكامل قبل انطلاق المظاهرات لكنه مع ذلك يحتوي على جانب كبير من احداثه ، وهذا لا اعتبره تنبؤا ولكنها كانت رؤية فنية وواقعية لما سيحدث ، لذا فأنا أرى أنه سوف يكون على تماس بشكل كبير جدا مع ما حدث ، وسوف يفاجأ المشاهد بالفيلم ، لذا أعتقد أنه سوف يحقق نجاحا وقبولا لدى المشاهد ، وعموما موعد العرض المبدئي للفيلم سوف يكون في شهر أبريل المقبل ، لكن هذا الموعد قابل للتغيير إذا كانت هناك أية مستجدات على الساحة المصرية تحول دون عرضه .

بعودة إلى أفلام سابقة لك مثل "حين ميسرة " وأيضا "هي فوضى " الذي شاركت في اخراجه مع معلمك يوسف شاهين وكذلك "دكان شاحتة" البعض يرى أن هذه الأفلام كانت تتماس كثيرا في احداثها مع وقائع كثيرة تشهدها مصر في الوقت الراهن .. ما تعليقك ؟
رغم أن كثيرين جدا من المتابعين لأعمال اعتبروا هذا بمثابة التنبؤ لكنني لم أسميه بهذه التسمية ، لأنه فقط مجرد رؤية سينمائية واقعية ، وأي فنان محتك بواقعه سوف يصل لهذه الرؤية بسهولة ، وعموما وبالرغم من كل هذا فإن الشعب المصري كان أرقى من كل تنبؤ أو رؤى فهو فاجأ الجميع وكان أرقى من الكل باختياراته وبتعاملاته مع الأحداث وابتعاده عن الهمجية في ادراة التظاهرات ، وأيضا في التوقيت الذي اختاره لانطلاق مظاهرات الثورة .

في النهاية ما رأيك في الدعوة التي أطلقها السينمائيون مؤخرا والمتعلقة بضرورة إلغاء هيئة الرقابة على المصنفات الفنية ، وهل تعتقد أن هذه الدعوة سوف تجد صدى لها خصوصا وأن المجتمع به تيارات محافظة ؟
بغض النظر عن هذه التيارات فمن غير المنطقي أن يتخيل السينمائيون أن معركتهم سوف تكون سهلة مع الرقابة خصوصا وأن هناك كثيرون سوف يعتبرون هذه الدعوة تعديا على العادات والتقاليد وهذه الفئة ينبغي أن نوضح لها الكثير من الحقائق أولا ، ومع ذلك أن أدعو السينمائيين إلى التمسك بمعركتهم تماما لأن الرقابة من الواجب إلغائها .

 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]