ذكريات لن تزول من مخيلة جمال طربيه الذي كان يرأس في العام 1967 مجلس محلي سخنين، وهي البلدة التي انطلقت منها ذكرى يوم الأرض الخالدة، يتحدث عنها لمراسل موقع بكرا في الذكرى، ويقول: أترحم على الرؤساء المخلصين الذين وقفوا دعما للإضراب ورحلوا عنا".

ويتذكر طربيه الفترة العصيبة التي مرت عليه بعد اتخاذ القرار الجريء بإعلان الإضراب الشامل عام 1976 احتجاجا على مصادرة المنطقة المعروفة برقم 9 أو أراضي المل، بحجة التدريب العسكري.

ويقول طربيه: "انتخبت رئيسا لمجلس سخنين المحلي لأواجه سياسة تضييق الخناق علينا، وكان حبي وغيرتي على الأرض والوطن مثل باقي أهل سخنين، خاصة بعد أن عملت السلطة على ملاحقة مصادر معيشة الفلاحين ومصادرة أراضي في سهل البطوف ونهب مصادر مياهه وخيراته، ومن ثم محاصرة سخنين من كافة الجهات والحد من إمكانية تطويرها".

قلنا لشمعون بيرس لن نقبل المساومة بأي شكل

ويقول طربيه "عام 1976 استلم رسالة من وزارة الدفاع بأن منطقة المل المعروفة برقم 9 أصبحت منطقة عسكرية مغلقة ولا يستطيع المواطنون الدخول إليها، والمخالف يعاقب، هذا زادني ألما فعدا عن تحريش الأراضي أو مصادرتها اليوم يأتي قرار إغلاق المنطقة عسكريا، ومن هنا بدأنا نعمل على التصدي لهذه السياسة بدءً من المؤتمرات التي عقدت في سخنين ودعينا العرب في البلاد وبحضور عضو الكنيست توفيق زياد وتوفيق طوبي وغيرهم وبحضور رؤساء البلديات وكان مؤتمرا ناجحا وبمشاركة أكثر من خمسة آلاف مواطن ويومها قلت إننا سنضرب حتى استرجاع الأراضي".

ويشير إلى انه في حينه أصبحت مداولات بين أصحاب الأراضي والحكومة ويومها شمعون بيرس، كما قال أن الأرض صخرية وغير مناسبة للاستعمال فدعاهم إلى تل أبيب وهناك بيرس اشترط أن يتم تقسيم المنطقة إلى ثلاثة أقسام، القسم الأول لا حاجة لتصريح لدخولها، القسم الثاني بحاجة إلى تصريح والقسم الثالث لا يمكن دخولها حتى مع تصاريح، فرد عليه طربيه قائلا: "ونحن ولا بأي شكل نقبل بذلك، ويومها بدأنا الحراك وقلنا له سنقاتل ونموت حتى ترجع الأرض".

هكذا صدر القرار في الثلاثين من آذار

ويتابع حديثه: "دعينا إلى إحدى القاعات لإعلان المؤتمر وإعلان يوم الأرض والإضراب فيه، وفي ذلك اليوم شارك كل من حنا نقارة، صليبا خميس، القس شحادة، توفيق زياد ورئيس مجلس عرابة محمود نعامنة وفضل نعامنة وغيرهم، فكانت مجموعة كبيرة ساهمت في إطلاق صرخة الاحتجاج وإعلان الإضراب، وعملنا من خلال تشكيل مجموعات للدفاع عن الأراضي، وأنا كنت من إدارة لجنة الدفاع عن الأراضي، هذه اللجنة التي ضاعت بعد نبوع الأحزاب، فعندما كان الحزب الشيوعي لوحدة كانت لجنة الدفاع عن الأراضي قوية فدافعنا عن الأراضي من رأس الناقورة وحتى النقب، واليوم ضاعت بفعل كثرة الأحزاب ومصالحها" ويقول انه في هذا اليوم أعلنوا توقيت الإضراب وبدأت السلطة تتحرك لمنع الإضراب لكننا اصرفينا على إن الثلاثين من آذار هو موعد الإضراب.

كل رئيس عارض الإضراب خرج بحماية المصفحات والجيش


وعن محاولات كسر الإضراب يؤكد أن حاولت الحكومة كسره عندما دعت رؤساء السلطات المحلية العربية وبعد إن دعت رؤساء المجالس الدرزية معلقا على ذلك قائلا: "الدولة أصبحت تعتبر الدروز عرب في تلك الفترة ودعتهم إلى الاجتماع وكنا 46 رئيس بالقاعة وكان مع الإضراب 11 رئيس والباقي مع الإضراب، واقترح التصويت السري لكننا رفضنا ذلك، وحاولوا الاعتداء علينا لكن الجماهير خارج القاعة حمتنا من الاعتداء علينا، فأصبح موقفنا مشرفا والجماهير وقفت إلى جانبنا وكل من عارض الإضراب خرج من الاجتماع بمصفحات ودروع الجيش منعا للاعتداء عليهم".

وبعد إن اقترب تاريخ الإضراب بدأت السلطة تعتقل وتلاحق كل من يدعو إلى الإضراب ويعمل على إنجاحه وطالبوا إخراج كافة المعتقلين وفي ليلة الثلاثين من آذار عاد طربيه إلى سخنين من مركز الشرطة ووجد إن الشوارع أصبحت مغلقة بالحجارة الكبيرة ويتابع: "تركنا السيارة ومشينا على أرجلنا حتى منطقة البركة في سخنين وبدأنا نسمع إطلاق الرصاص في عرابة ودير حنا واندلعت المواجهات وشهدت هبة جماهيرية غير مسبوقة في مثلث يوم الأرض وجرى قتالا عنيفا استعد الشباب له جيدا لينتهي هذا اليوم ويحين وقت الثلاثين من آذار يوم الإضراب الشامل..."

يتذكر طربيه أيضا انه صباح يوم الثلاثين من آذار استلم أمر منع تجول إلا إن الجماهير لم تلتزم وخرجت لهم بالحجارة ومن الساعة التاسعة صباحا
حتى الساعة الثانية عشر ظهرا سقط ثلاثة شهداء وأصيب العشرات في المواجهات. ويومها اتصل طربيه برئيس الحكومة وعبر عن سخطه وقال له "إذهب وقابل القائد رفائيل إيتان في منطقة المل فأنا أعطيت الأوامر بانسحاب الجيش من المنطقة". ويتابع حديثه: "التقيت مع أيتان وطلبت منه الخروج وقلت له إن الجماهير لا تمتلك السلاح مقابل إن الجيش دخل بالدبابات وقال الضابط انه لو استمر الوضع على ما هو عليه فسيدخل سخنين بالدبابات، لكنني طالبته بالخروج وانه استلم اوامر من رئيس الحكومة بالانسحاب، فطلب الضابط مني إن أخفف من سخط الجماهير في سخنين، ويومها حملت مكبرات الصوت وأبلغت أهل البلد بنية خروج الجيش مقابل الهدوء".

انتهت المعركة وبدأ الهم بلملمة جراحنا وجرحانا..

خرج الجيش وبدأ في سخنين الهم، هم الجرحى والمعتقلين والشهداء، استشهد في سخنين رجا أبو ريا، خديجة شواهنة وخضر خلايلة، فكانت واقعة أليمة على طربيه، يوما عصيبا صعبا إلا إن المعنويات عالية، والناس هتفت بالله أكبر، إلا إن الشعور النخوة كان ملحوظا، فالكبت منذ عام النكبة حتى 1976 تبدد وحول النفسية من نفسية النكبة والإحباط إلى نفسية ثورية متفائلة

وأشار طربيه إلى إن إحداث يوم الأرض علمت الجماهير بالحفاظ على الأرض والوطن وتقدير الشهداء والجرحى والمعتقلين، ويقول أنهم نجحوا بإخراج كافة المعتقلين في يوم الأرض فكانت أجواء ثورية بكل معنى الكلمة، ونجحت الجماهير بتخليد يوم الأرض الخالد عندما رفضت إن تكون جنازة عادية للشهداء، وهتفوا بالروح بالدم نفديك يا شهيد..

بدأ طربيه بفكرة بناء النصب التذكاري وعندما شرع بناؤه في المقبرة قامت الشرطة باعتقاله وفي التحقيق قالت الشرطة له: "أنت تبني من دون ترخيص، فكان ردي باستهزاء، لا حاجة لرخصة للبناء بالمقبرة وكان المستشار القضائي أكد انه لا حاجة لرخصة في المقبرة".

وعن يوم الأرض قال انه علم الجماهير العربية كيفية الدفاع عن الأراضي ودعوه إلى روسيا عام 1976 وشارك في الإذاعة الروسية في موفد بمشاركة القس شحادة وغونين وغيرهم، وانتسبت إلى الجبهة بعد يوم الأرض الخالد، كما وأصبح ليوم الأرض أهل وجماهير وقيادة، وبل وأصبح يوما عربيا تحييه شعوب العالم العربي.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]