شاع القول أن الممرضات هن ملائكة الرحمة، فهن اللاتي يقفن الى جانب المرضى طوال الوقت، هن أول من يلجأ اليهن المريض/ة في حال طرأ تدهور في حالته الصحية، وهن اللواتي يقدّمن العلاج للمرضى بشكل دائم...

يشهد مجتمعنا العربي في السنوات الأخيرة ازديادًا بعدد الممرضات، ولكن ما هو السبب؟ هل هو ظروف العمل الحسنة؟ أم فرص القبول المرتفعة للعمل؟ أم أنه الرسالة وانسانية هذه المهنة التي شغلها في الماضي العديد من النساء تبرعا؟

13% من الممرضين والممرضات، عرب

كل سنة يزداد الى سوق العمل في مجال التمريض حوالي 1600 ممرضة وممرض يحصلون على رخصة مزاولة المهنة. بشكل عام وبحسب معطيات وزارة الصحة 13% من الممرضات والممرضين في المستشفات شتى في البلاد هم عربا، علما أن 88% من العاملين في مهنة التمريض هن نساءً، مما يؤكد ان هذه المهنة لا زالت مهنة نسائية، الا أنها لا تقتصر على النساء فقط.

ورغم الاعتقاد السائد أن المهنة مربحة، الا أن العاملات في هذه المهنة يؤكدن أن الراتب ليس أفضل ما يكون ولا يساوي جزءً من التعب والارهاق الذي تعانيه الممرضة في عملها.

منايا نصّار، رسالة إنسانية

فتقول الممرضة مُنايا نصّار، والتي تعمل منذ سنة وبضعة أشهر في قسم جراحة القلب والرئتين بمستشفى الكرمل، أن السبب الذي دفعها للعمل في هذه المهنة ليس ماديا: "كنت أسمع العديد من الأمور السلبية عن موضوع التمريض، بأنه للممرضة مفهوم وكأنها تغيّر حفّاظات وتتعامل مع شيوخ ومسنين فقط، وكأنه لا تفكير لديها عدا عن هذه الاعمال. بعد أن مرضت جدّتي ودخلت المستشفى وانكشفت لعمل الممرضات عن كثب، احببت الموضوع كثيرًا وشعرت أنه يمثلني ويمثّل شخصيتي، هذه أنا، هكذا أنا أريد مساعدة البشر وانه موضوع انساني من الدرجة الأولى".

أما بالنسبة لعدد الممرضات والممرضين الذين درسوا معها في الجامعة في جامعة تل أبيب، فتقول أن النسبة تصل حوالي النصف: "كنا بالصف حوالي 40 طالبا سنة أولى منهم حوالي النصف عربا، وبالطبع خلال السنوات ترك البعض دراسة المجال، وبقينا حوالي 17 طالبا عربيا أنهينا اللقب من الفوج الذي درست به".

سعاد ابو حميدة، أمي شددت: صيري معلمة

أما الممرضة سعاد أبو حميدة من طمرة التي تعمل في قسم الأمراض الباطنية في مستشفى رمبام منذ 20 عاما، فتقول أنها "درست ممرضة مؤهلة، وأنهت بعدها اللقب الأول، وهذا العام بدأت دراسة اللقب الثاني، خلال الفترة بين اللقب الأول والثاني درست دورات تخصصية في علم الشيخوخة، كونها تعمل في قسم الأمراض الباطنية، فهذا يساعدنا في مساعدة ومعالجة المرضى في هذا القسم".

ولكن اقناع الوالدين بدراسة هذه المهنة لم تكن بالمهمة السهلة، بحيث تقول أبو حميدة: "حتى في المنزل لم يكن من السهل على الاهل فكرة ان أدرس التمريض، فقد "حاربت" الوالدين لأتعلم هذا الموضوع. فقبل عشرين عاما كانت النظرة للمرضة في المجتمع العربي مغايرة عنها اليوم. خصوصا وأن ساعات العمل ما بين ساعات بعض الظهر والليل، كانوا يعتقدون أن ساعات العمل هذه قد تسبب عدم توازن في المنزل، فوالدتي كانت تقول لي أدرسي مهنة التدريس وصيري معلمة، حينها تعودين الى المنزل كل يوم في الواحدة ظهرًا هذا عدا عن العطل الصيفية وبقية العطل. ولكني عارضت هذا الأمر، فإما أن أدرس التمريض وإما لا أدرس أي شيْ. بعد عشرين سنة يمكنني القول أنه مع مرور الوقت تتعمق وتذوّت المهنة في داخلي، أعمل بهذا المجال لأني احب الموضوع".

وتضيف أبو حميدة في ردها على سؤال أن بعض الشباب والشابات الذين يدرسون المهنة يتعلمونها ليس لأنهن ملائكة الرحمة وانما للربح المادي، فتقول :"صحيح أن هناك نسبة كبيرة من الشابات اللاتي يتعلمن هذه المهنة، ولكني أشعر انهن يدرسن الموضوع ليس كرسالة وإنما لأجل الراتب الذي يعتبر نسبيا جيدا. انا لا اعمم ولكن هناك قسم كبير ألمس أنهم يدخلون هذا المجال كعمل وليس كرسالة، ولا يملكون الحس ان يعطوا كل كلهن لأجل المريض. يمكنني القول أن بعضهن لم يعد "ملائكة الرحمة" كما كنا نقول عن الممرضات في الماضي. وكي أعدل أربط هذا الأمر بالتحضير الذي يتلقونه من الجامعات، فالجامعات تجهزهن كأكاديميات وأنه يجب منح اهتماما اكبر بتحسين الوضع الصحي للمريض، وربما ينسون قليلا العلاقة مع المريض نفسه، فيتجهون نحو العلاج الطبي وليس العلاقة المباشرة مع المريض".

نصّار، نبقى ملائكة الرحمة

بينما ترى نصّار الموضوع بصورة مغايرة فتقول: "رغم كل الأفكار المسبقة في هذه الأيام، نبقى ملائكة الرحمة غصبا عن الجميع! نحن نعمل مع بشر وننقذ حياتهم. في عملي على سبيل المثال في قسم العناية المكثفة، عندما يحضر المريض مع كل الأجهزة التي هو بحاجة لها للحياة، حياته تكون بين أيدي أنا وليس الطبيب، فأنا التي أرافقه 24 ساعة وأتابع أجهزة التنفس على سبيل المثال. نبقى ملائكة الرحمة بغض النظر! وهؤلاء المرضى الذين يصلون الى القسم وأقاربهم الذين ربما تكون لديهم فكرة مغايرة عن الموضوع من قبل، عندما يواجهون هذه المواقف ويختبرونها عن كثب، تتغيّر فكرتهم.. رسائل الشكر التي نتلقاها كثيرة جدا. ان تضحك بوجه مريض أو ان تلاطفه وتساعده، أنت بالتالي تقوم بدعمه كثيرا وتعطيه القوة لمواصلة العلاج".

وتضيف: "بالنسبة لقضية أن البعض يدرس الموضوع ليس كرسالة وإنما لأجل الراتب فقط، قد يكون الأمر صحيحا، وهناك البعض الذين يدرسون الموضوع لأسباب مصلحة فقط، والسبب هو بالأساس أنه في مجال التمريض أماكن العمل تقريبا مضمونة. العلم موّفر ان كان في المركز أو الضواحي، في مستشفيات ومراكز طبية وصناديق مرضى. قد تكون درست مواضيع الهندسة والصناعات العليا، قد تكون خريج تخنيون وما شابه، ولكن في نهاية المطاف قد تجد نفسك معطّلا عن العمل. في مجال التمريض قد يكون هناك نقص في الممرضات وبالتالي دائما تجد مكان عمل في هذا المجال. وهذا يعود لأن هناك ازدياد في عدد السكان والمجتمع يكبر، هناك اكتظاظ في الأقسم، في الماضي اذا كان ابن البشر يتوفى بسن 50 – 60 اليوم هو يعيش حتى سن الثمانين فما فوق مع كل الأمراض، الأمراض نفسها باتت أمراضا سريرية وليست عابرة".

أما عن امكانيات التقدم بهذا المجال، ودراسة اللقب الثاني تقول نصّار: "إحدى أسباب دراستي لللقب الثاني هو أنه يساعدك في التقدم في هرم المناصب وبالطبع أيضا من حيث الراتب، من جهة أخرى قضية التقدم في هذا المجال من حيث المناصب ليس مستحيلا ولكنه أمر صعب، ليس لكوني عربية، فهناك العديد من المراحل التي يجب المرور بها للوصول لدرجة ممرضة مسؤولة عن قسم، يجب ان تخوض دورات ومساقات وإرشادات معينة والتخصص بمجالات معينة وهذا يتطلب وقتا مطولا. ناهيك أن منصب الممرضة المسؤولة عن القسم، لا يتنازلون عنه بالسهل، الا عندما تتقاعد ممرضة مسؤولة حينها يصبح هذا المنصب وافرا للتشغيل، بالاضافة الى أنه يجب أن تكون لديك علاقات مناسبة بالعمل، والرغبة وإثبات نفسك في عملك. لا أرغب بالقول أنه هناك عنصرية، قد تتخذ القومية بالحسبان، ولكن حتى الآن لم أشهد ذلك".

النضال أثمر بزيادة الراتب بعض الشيء

وقد شهد العام المنصرم نضالا للمرضات والعاملين في سلك التمريض العام في المستشفيات في البلاد، والذي أثمر عن زيادة بالراتب بعض الشيء، ولكن الممرضات العربيات يؤكدن أن ذلك ليس بالكافي، بل وان الراتب لا يوازي التعب والارهاق في أعقاب ساعات العمل المطولة والورديات الكثيرة، فتقول أبو حميدة بهذا الخصوص: "تحسّن الوضع قليلا نسبة للاعوام السابقة بعد نضال الممرضات، ولكن الصعوبة التي نواجهها في ورديات العمل والاكتظاظ والزحمة في العمل، لا أعتقد أن هذا يساوي المقابل المادي الذي نتلقاه. لا شك أنه هناك تغيير، وارتفع الراتب قليلا، ولكنه غير كافٍ، لا يوجد عدل بهذا الشأن".

وتستطرد أبو حميدة: "لا زال الاكتظاظ في الأقسام مستمرا. كوني نائبة الممرضة الرئيسية في القسم، فغالبية أوقات عملي في ساعات الصباح، فعمليا من الساعة السابعة وحتى الثالثة ظهرا يخرج بن 2 – 7 مرضى الى الردهة الخارجية، هؤلاء المرضى لا مكان لهم في الأقسام، ولا أحد يهتم بالموضوع. فنضطر الى تسريح مرضى الى بيوتهم كي نخلي أماكن للمرضى الجدد الذين يستقبلهم القسم".

بينما ترى نصّار أن هذه النضالات هي حقة ولكن الأوضاع لم تتحسن كثيرا، وتؤكد أن سبب عدم النجاح بالصورة المطلوبة هو "شو بدهن بالعالم التعبانة"!!! إذ تقول: "النضالات التي خضناها كممرضات هي بالأساس لتحسين ظروف العمل والراتب، اعتقد أن التعب والارهاق بسبب العمل الذي نقوم بها يجب أن يتمثل أيضا بالراتب، كي تكون لدينما حوافز ودوافع لنحضر للعمل. مثال أنظر الى عمال الموانئ وشركة الكهرباء لماذا هم حصلوا على زيادة بالراتب كما يجب؟ أنظر العاملات الاجتماعيات، الفرق بين نضالنا ونضالهن والذي كان أنجح من نضالنا، هو أننا نتعامل مع مجتمعات مستضعفة، والدولة ترغب بمدخول أكبر، العاملات الاجتماعية وعمال الموانئ يدّرون دخلا أفضل على خزينة الدولة من الممرضات! عمليا "شو بدهن بالعالم التعبانة"؟ مع صعوبة قول هذه الجملة، ورغم أنها مؤلمة جدا، الا أنني أرى أن هذا هو الواقع للأسف".

رسالة للمرأة في عيدها

وتوّجه نصّار للمرضات رسالة بمناسبة يوم المرأة قائلة: "الله يعطينا القوة، وبصدق لدينا رسالة وعلينا ايصالها، على كل المجتمع أن يرى كم نحن متعلمات واكاديميات ومثقفات، نحن أول من يكشف حالات تدهور في حالة المريض، نحن معه 24 ساعة، نحن مننحه العلاج الاوليّ. أتمنى أن يعطينا الله القوة، بما اننا أمهات ونعمل في الخارج بالاضافة الى المنزل. وكل عام وأنتن بألف ألف خير".

بينما تقول أبو حميدة بهذا الشأن: "مهنة التمريض مهنة صعبة جدا ومقدسة بنفس الوقت، انا أقدر المراة العربية الممرضة كثيرا، لأنه مع كل الاحترام، عندما نخرج الى العمل لساعات طويلة، ليس هذا أمرا مفهوما ضمنا بل أنه أمر يستحق التقدير، فهو أمر مهم جدا، وهذا نضال للمرأة، كم بالحري أنها تعمل في المنزل وفي الخارج وتقوم بكل التزماتها كأم وكزوجة وكمعيلة. لذلك أحييها وأشد على أياديها، لأن مهنة التمريض مهنة صعبة جدا من ناحية نفسية ومن ناحية جسدية، فقد توفي مرضى بين أيادينا، وبدل ان تكون بالطرف المهدئ، دون السيطرة على الاحاسيس تجد نفسك في بعض الأحيان في الطرف الآخر، فنحن في نهاية المطاف بشر".

ورغم أن غالبية العاملين في سلك التمريض هن من النساء، الا أن رئيس لجنة الممرضات في مستشفى رمبام هو الممرض ريمون شحادة، وعن ذلك تقول أبو حميدة مختتمة حديثها: "قد ما ريمون منيح وحسن وشخص خاص ويملك قدرات كبيرة وأن يحتوي كل الممرضات حوله وأن يراعي كل طلباتنا وشروطنا، فلا يفرق اذا كان رجلا أو امراة، أشعر انه أي امرأة كانت لتكون محله ما كانت لتكون بنفس المقدار من النجاح".

أحببت الخبر ؟ شارك اصحابك 
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]