يعتبر مرض "الفصال العظمي" (Osteoarthritis) أحد المسببات المركزية للآلام ولمحدودية الحركة في الركبة لدى كبار السن، حول العالم. والحقيقة أن الأبحاث ركّزت بشكل دائم على السؤال عمّا يسبب الضرر للغضروف – أما السؤال حول لماذا يظهر الألم عندما يتآكل الغضروف، فقد تم إهماله، حتى قبل فترة وجيزة.

اليوم، بدأت المعرفة في هذا المجال بالتراكم، بصورة تلقي الضوء مجددا على إحدى أهم سمات هذه المشكلة المنتشرة – ألا وهو الألم. 

اتضح أن الكثير من الاوهام حول مرض الفصال العظمي وألم الركبتين، لا ترتكز على أساس متين. وأن إحدى الخطوات البالغة الأهمية من أجل مواجهة هذا الألم، هي معرفة الحقيقة. لذلك، سنقوم نحن باختبار عدد من الآراء السائدة، ونفحص مدى صحتها. 

1. هل يتآكل الغضروف؟

لا يقوم الغضروف بالتآكل عند الإصابة بالفصال العظمي. بل إنه يصاب بالضمرو، ويبدأ بالتساقط. تمام كما يحصل عن الإصابة بالصّلع. فالصلع ينتج عن حالة من الضمور تصيب الخلايا المنتجة للشعر الموجودة في مسام الجلد، فيؤدي الأمر لتساقط الشعر. في حالة الغضروف، تتضرر الخلايا المنتجة للمادة الغضروفية، مما يؤدي مع الوقت إلى تفتت أجزاء صغيرة منه. 

2. هل الألم ناتج عن احتكاك العظم بالعظم؟

أظهرت الكثير من الأبحاث السابقة، أنه حتى عندما يتضرر الغضروف في الركبة، فإننا لا نشعر بالألم دائما. واليوم، بتنا نعلم انه ليست هنالك علاقة بين مدى خطورة ضمور الغضروف والألم، والأمر يختلف من شخص لآخر. والنتيجة الطبيعية التي نتوصل إليها، هي أن الألم ليس ناتجا عن احتكاك العظم ببعضة. عمليا، فإن سبب الألم لم يتضح بالكامل بعد: يبدو أن وجود حالة من الضمور في الغضروف، تكون بالعادة مصحوبة بتطور حالة من فرط الحساسية في جهاز الاعصاب. هذه الحساسية، تؤدي إلى ترجمة أي حركة أو ضغط إلى إشارات ألم، وتؤدي إلى معاناة لا تتعلق بما يحصل فعليا في الركبة. يشبه الامر إلى حد كبير، ميكروفون مكبر للصوت تم توجيه زر قوّة الصوت فيه إلى الحد الأقصى، فيحوّل كل همسة خفيفة إلى صوت شبيه بصوت الرّعد. ليس من الواضح ما الذي يسبب هذه التغييرات العصبية، لكن الأمر المؤكد هو أنها لا تعكس بالضرورة حقيقة وضع الغضروف. من الممكن أن يكون الألم غير قابل للاحتمال، بينما يبدو الغضروف في حالة جيدة، بينما هنالك من يقوم بلعب التنس، وهو لا يملك غضروفا بالمطلق.

3. هل يعتبر تآكل الغضروف دليلا على التقدم بالسن؟

غالبا ما يظهر الألم المرافق للفصال العظمي عند الاقتراب من جيل الـ 65، الذي يبدأ فيه سؤال إن كنا قد بدأنا بالتقدم بالسن، بإشغال بال الكثيرين منا، سواء كانوا يشعرون بالألم أو لا. يعتقد الكثيرون أن ظهور الألم هو دليل على بدء عملية ليس منها طريق رجعة. إلا أنه كما أن الصّلع لا يعتبر دليلا على التقدم بالسن، فإن الفصال العظمي ليس دليلا على التقدم بالسن أيضا. فهو يظهر حول جيل الـ 65، لكن انتشاره لا يزداد مع التقدم بالسن. كل ما يعنيه الامر هو أن الألم يدل فقط على أنك اقتربت من هذا الجيل، ولا شيء غير ذلك. 

4. هل سيتفاقم الوضع؟

من يبدأ لديه الفصال العظمي، ويعاني من الألم، فإن وضعه سيستمر بالتفاقم، إذا لم يتم وقف الفصال – يتعلق هذا الخطأ الشائع بالنظر إلى الجسم على أنه ماكنة. ينظر الكثيرون منا إلى الركبة على أنها "محور ميكانيكي"، وانه عندما يتآكل، فإن "الماكنة" لن تعمل كما يجب. وفعلا، فإننا عندما نتحدث عن محور ميكانيكي، فإن تفاقم الوضع قد لا يكون بالإمكان منعه. لكن الجسم ليس ماكنة، إنما كيان بيولوجي بالغ التعقيد. وكما أسلفنا، فإنه بالإمكان العيش بصورة رائعة دون وجود الغضروف (كما بالإمكان العيش بدون الزائدة الدودية، دون كلية واحدة، دون رئة واحدة، دون جزء من الكبد، دون طحال، ودون العديد من الاعضاء الأخرى التي تبدو للوهلة الاولى ضرورية لأداء "الماكنة")، والألم ليس سببه الضمور نفسه، إنما سيرورة أخرى. هذه السيرورة منفصلة عن حالة الغضروف، الذي من الممكن أن يتفاقم أو يتحسن، دون أن يؤثر على الألم. وقد أظهرت الأبحاث أن الألم يتفاقم خلال السنوات لدى عدد قليل فقط ممن يعانون من الفصال، كما أنه من الممكن ان يتحسن في عدد غير قليل من الحالات، حتى دون علاج. يشير بحث جديد إلى أن أهم العوامل التي قد تساعد على الوقاية من تفاقم آلام الركبتين على مدى السنوات، هو إيمان من يعاني من الألم أن باستطاعته السيطرة عليه. يطلق على هذا الإيمان، باللغة المهنية، اسم "النجاعة الذاتية"، وهنالك اليوم عدد من طرق العلاج التي تعتمد بالأساس على تحسين هذا الإيمان كوسيلة لمواجهة الألم.

5. النشاط الرياضي يزيد من التآكل والألم؟

هذا خطأ خطير! فقد أظهرت نتائج بحث شامل أجري حول المخاوف المتعلقة بالنشاط الجسماني – الرياضي، ان الخوف غير المبرر من الأضرار الممكن حصولها، يؤدي في كثير من الأحيان إلى محدودية أكثر خطورة من الألم نفسه. إن الامتناع عن أداء النشاطات الرياضية قد يؤدي لحصول حالة من ضمور العضلات، للإضرار بالتوازن، ومع الوقت، لأضرار غير قابلة للإصلاح في مختلف أجهزة الجسم. كذلك، يتضح من نتائج تقرير شامل نشره البروفيسور "جدعون" من المركز الطبي "مئير"، أن هنالك دلالات واضحة على أن النشاط الرياضي يؤثر إيجابا على الغضروف. كذلك أظهرت أبحاث أخرى أن وضع خطة وبرنامج للنشاط الرياضي لعدّة أسابيع، من الممكن أن يؤدي إلى التخفيف من الألم، وهو تخفيف قد يستمر إلى ما بعد سنة ونصف من التوقف عن النشاط الرياضي.

6. يجب معالجة المشكلة، وليس الأعراض؟

هذا أيضا خطأ شائع. في كثير من الأحيان، نسمع بعض المرضى يقولون: "أنا أستطيع أن أتعامل مع الالم وأواجهه"، أو "لا أريد أن آخذ الادوية جزافا"، أو "أريد أن أحل المشكلة جذريا". لكننا إذا تعمقنا في هذه الأقوال، يتبين لنا، أنه في حالة الإصابة بالفصال، تكون الأعراض، هي المشكلة ذاتها. لا يقتصر الأمر اليوم على عدم وجود علاج يعيد الغضروف إلى حالته السابقة، إنما نحن نعرف أيضا أن المشكلة الأساسية هي الألم، وليس الضرر اللاحق بالغضروف. يجب أن يكون الهدف الأول والأساسي لمن يعانون من آلام الركبتين، هو تحسين قدرتهم على النشاط والحركة، والتمتع بهما. والحقيقة أن محاولة "علاج" الغضروف في الركبة، من الممكن ان تؤدي لإساءة الوضع أكثر.

العلاج

يتضمن علاج المشكلة استخدام عدد من الوسائل التي تقوم بتحسين وضع الركبة على المدى البعيد. وليس أقل أهمية من ذلك – اتخاذ بعض الخطوات من أجل تقليل الألم على المدى القصير، وبصورة ذكية. الوسيلة الأساسية لعلاج ألم الركبتين على المدى البعيد، هي النشاط الجسماني العلاجي. وحين يعيق الألم هذا النشاط، من المحبذ في بداية النشاط استخدام واحد، أو أكثر، من وسائل العلاج الأربع المخصصة للمدى القصير: مرهم تخفيف الألم مثل فولتارين أمولجيل، الذي يحتوي على مادة فعالة تتغلغل بسرعة إلى داخل أنسجة العضلات أو إلى المفصل، ويقلل من الالتهابات والألم. قرصين من مسكن آلام على أساس مادة الباراسيتامول، والتي تؤثر مباشرة على جهاز الأعصاب المركزي. تسخين منطقة الركبة بواسطة وسادة ساخنة أو بواسطة قارورة ماء ساخن، وطبعا تمارين تقوية الركبة.

وأخيرا، لا بد أن نتذكر: ثبت بما لا يقبل الشك، أن إيماننا بأننا قادرون على السيطرة على الألم (النجاعة الذاتية) يزيد من احتمال حصول هذا الأمر فعلا. وبكلمات أخرى: أثبت العلم صحة مقولة "تفاءلوا بالخير... تجدوه".

د. أمير روبين، طبيب العظام المختص بالعلاجات غير الجراحية لآلام الركبتين. مدير مشروع الفصال في الركبتين في صندوق المرضى "كلاليت – خدمات صحية" في لواء القدس.

الإضافة التي بإمكانها المساعدة

من أجل التخفيف من أعراض الفصال العظمي، بالإمكان الاستعانة بالإضافات الغذائية. "تثبت الأبحاث أن عناصر الجلوكوزامين والكوندروئيطين سولفات، تتسم بفاعلية إيجابية بالنسبة لغضاريف المفاصل"، تقول يوخي عزيز، مختصة العلاج الطبيعي في شركة الفيتامينات "سولجار" وسوفاراف. 

"نحن نتحدث عن عنصرين طبيعيين يعتبران من العناصر الهامة في تركيبة أنسجة الغضروف، ولذلك فإنها ضرورية لبنائه". من المحبذ أن يقوم الأشخاص أصحاب التاريخ الطبي أو الجينات الوراثية التي تحتوي على آلام المفاصل، وكل من يمارس الرياضة، بتناول إضافات تحتوي على هذه العناصر من أجل الحفاظ على الغضروف. فقد أثبتت الأبحاث في هذا المجال أن تناول الجلوكوزامين والكوندرو ئيطين سولفات لمدة طويلة، يساعد في كثير من الاحوال يمنع تفاقم الأصابة بمرض الفصال العظمي.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]