أرسلت مجموعة قضاة وقاضيات شرعيات من مدينة رام الله الى سماحة القاضي احمد ناطور رئيس محكمة الاستئناف الشرعية سابقا، رسالة يوضحون من خلالها بانه لم يكن لديهم أي علاقة بمقترح تعديل قانون "الأحوال الشخصية" المُطالب بتوظيف وتعيين قاضيات ومأذونات شرعيات في المحاكم الشرعية في البلاد.

وأكدت المجموعة في رسالتها بانه تم زج بعض القضاة الشرعيين في مسودة مشروع لتعديل قانون الأحوال الشخصية الخاص بالمسلمين دخل فلسطين المحتلة عام 48 حيث تمت الإشارة في مسودة المشروع الى انهم أعضاء اللجنة المهنية الاستشارية للمشروع.

ونوهوا في رسالتهم الى انهم ليسوا أعضاء في أي لجنة استشارية لاقتراح التعديل وانهم لم يشاركوا سوى في جلسة واحدة كضيوف وليس كلجنة وغير مسؤولين عن أي مادة وردت في المشروع المذكور.

من ناحية أخرى، فقد لاقى طرح التعديل المذكور سخطًا جماهيريًا واسعًا، مع العلم أنّ الحديث عن تعديل وليس تغيير كما تؤكد لنا مديرة جمعية "نساء وآفاق" التي بادرت إلى التعديل بعد التوجه إلى نواب التجمع الوطني الديمقراطيّ.

ويدعي رافضو التعديل بأنه يعني أن "يتدخل المُشرع الإسرائيلي بنصوص الشريعة الإسلامية، علمًا أن المشرع الإسرائيلي يعتمد على الدين اليهودي، فكيف يمكن فرض قانون يهودي على نصوص إسلامية؟!"- حد تعبيرهم. 

نايفة سريس: لم نطلب ان تنظر الكنيست في مقترح القانون، والمحاكم الشرعية خط احمر

وفي حديثٍ مع نايفة سريس، مديرة جمعية نساء وافاق، المسؤولة عن اقتراح تعديل القانون، رفضت الاتهامات الذي تم توجيهها الى الجمعية معتبرة مسألة تخطي المحاكم الشرعية الى الكنيست الإسرائيلي امر عاري عن الصحة وقالت: لم نطلب ان تنظر الكنيست في مقترح القانون، بل توجهنا الى النائبة حنين زعبي من اجل فتح نقاش جماهيري لهذا الموضوع، وهو حتى الان مجرد مقترح، حيث انه حتى الان مر القانون بمراحل عده.

وتابعت مفصلة مراحل القانون وأوضحت مسألة دعم القضاة الفلسطينيين قائلة: تعديل قانون "الأحوال الشخصية" بدأ كفكرة في الجمعية، وكانت لدينا لجنة تمهيدية تواجد بها أعضاء كنيست عرب، وقاضية من السلطة الفلسطينية، واستمرينا في هذه الجلسات الاستشارية، الى جانب المحاضرات والورشات وابحاث تتعلق بالموضوع، وعندما جهزنا البحث الاكاديمي للموضوع توجهنا الى مختصين مثل القضاة في السلطة الفلسطينية حتى يكونوا البوصلة الشرعية لدينا في هذا الموضوع، حيث اننا لا نستطيع ان نتخطى هذه الأمور او ان نخرج عن السياق الشرعي، وكان هناك لقاءات تشاورية مع هؤلاء القضاة ووصلنا معهم الى مراحل متقدمة من التأصيل الفكري والشرعي، كما عقدنا ورشة اكثر من خمسة أيام مع هؤلاء القضاة والباحثين الذين عملوا معنا في الموضوع، وكوننا جمعية غير مختصة بالشرع فانه لا يمكن ان نمس بالشرع، ووظيفتنا ان نتوجه الى مختصين يعالجون المقترح من جميع جوانبه الفقهية والشرعية، وعندها ننطلق بهذا المشروع، كما ان القضاة من السلطة الفلسطينية دعمونا جدا دون ان يتقاضوا أي اجر.

الهدف هو الضغط علينا لاجل حسابات او مآرب شخصية

واسهبت: وفي مراحل متقدمة عندما تمت صياغة المشروع بعد فحصه من كافة جوانبه وتعديله عدة مرات، قمنا بتقديمه للنائبة حنين زعبي التي التزمت معنا وحضرت عدة جلسات في الأمور الاستشارية المتعلقة بهذا الموضوع، حيث اكدت انه يجب فتح باب النقاش على الموضوع الى نقاش وطني جماهيري لانه يحتاج الى اجماع وطني، ولا يمكن ان نعطي للمشرع الإسرائيلي ان يسن أي قانون يخص المسلمين، وهو امر مستحيل، كما اننا في البداية المحكمة الشرعية طلبت منا ارسال مقترح التعديل بعدها عام 2015، وكان الحديث في البداية على اننا بحاجة الى تغيير، لكن يجب ان نبحث الية للتغيير، وعندما ارسلنا المقترح للمحاكم الشرعية ارسلنا أيضا اللوائح التفسيرية والاستنادات، ونحن اكثر ناس حريصين على المحافظة على مؤسسة المحاكم الشرعية في البلاد لانها الوحيدة المتبقية للمجتمع المسلم والشريعة هي خط احمر لا نستطيع ان نتخطاه.

ونوهت قائلة عن شرعية القانون: لا يعقل بان يقوم قضاة من السلطة الفلسطينية بدعمنا اذا كان القانون يمس بالشريعة الإسلامية، يكفي استخفاف واستهتار بعقول الناس، اطلب من الجميع ان يرى التأصيل حيث ان الموضوع لا يستحق هذه الضجة، الهدف هو الضغط علينا لاجل حسابات او مآرب شخصية.

القاضي احمد ناطور: نص مشوه مليء بالمغالطات والاخطاء فيه ضررا فادحا على الناس

من ناحيته القاضي احمد ناطور عقب قائلا لـ"بكرا" في هذا السياق: انا لم اعلم بهذا المشروع الا بعد ان ارسله الي الشيخ كامل ريان قبل أسبوع، ما فهمته من مشروع القانون هذا انه سيقدم للبرلمان الإسرائيلي من اجل الغاء قانون حقوق العائلة الإسلامي، واذا لم يكن الامر كذلك فما معنى تعديل قانون ومن الذي يعدل في العادة اذا لم يكن البرلمان، ثم ان المشروع نفسه ينص في احد بنوده انه يلغي قانون حقوق العائلة الإسلامي والذي يلغي القانون هو الكنيست معناه انه معد ليصل الى الكنيست.

وأضاف ناطور لـ"بكرا": اذا كان الامر كذلك فمعناه منح إسرائيل طوعا حق تشريع المسلمين في أمور دينهم وهذا خط احمر لا يجوز تجاوزه لان معناه تهويد الشريعة واستبدال مصادر التشريع للكنيست ونوابها وقوانينها، كما ان صياغته باللغة العبرية معناه ان العبرية ستكون الملجأ للتفسير وليس مصادر التشريع واقوال الفقهاء الاجلاء والعياذ بالله.

وتابع مفسرا: يعلم الجميع ان المحاكم الشرعية تقوم منذ عقد ونصف بعملية اصلاح شامل وفقا لقواعد الاجتهاد الشرعي حيث تأتي الرحمة للناس من الشريعة ذاتها وفقا لاحكام الشريعة وليس من الكنيست الإسرائيلي، اذا قدم هذا المشروع الى الكنيست سيكون هذا اعتداء على الدين والدنيا على الإسلام والمسلمين وعلى عرب البلاد اجمعين، علاوة على انه من حيث المضمون هو نص مشوه مليء بالمغالطات والاخطاء والاهم من هذا ان فيه ضررا فادحا على الناس، أي انه جلب للمفاسد وليس درءً لها، بخلاف القاعدة الشرعية لذا أتمنى على من يقف وراءه التراجع في اسرع وقت ممكن لان الاعتراف بالخطأ افضل من التمادي به.

ونوه: اذكر ان هذه الفكرة كان قد طرحها مرارا هارون لايش ، وهو صاحب فكرة قانون أملاك الغائبين السيء الصيت، وهو الذي أتاح لإسرائيل نهب الأوقاف الإسلامية واملاك اللاجئين، ويبدو انه لا زال يجتهد في تحقيق هذه الفكرة، وانا لا أتصور ان يقوم من بيننا من يطلب من الدولة اليهودية ان تشرع باحكام الحلال والحرام للمسلمين، وان يطلب استبدال مصادر التشريع الإسلامية من قرآن وسنة بقوانين إسرائيل.

لا يجوز لسلطان غير مسلم ان يتدخل بالتشريع للمسلمين

وبالنسبة للرسالة التي وصلته من مجموعة قضاة فلسطينيين الشرعيين من رام الله يعلنون براءتهم من مشروع القانون مؤكدين بانه تم زج أسماءهم في مسودة مشروع لتعديل قانون الأحوال الشخصية عقب قائلا: بعد اطلاعي على الأسماء التي وردت في مقدمة هذا المشروع اردت ان اتأكد هل فعلا يقف كجزء من اللجنة الاستشارية للمشروع بعض قضاة فلسطين، فطالبت من دائرة قاضي القضاة إيضاح الامر، اذا كانوا قد شاركوا ام لم يشاركوا، فجاءني هذا الكتاب بالرد الذي يبين انهم لم يكونوا أعضاء في هذه اللجنة الاستشارية بل زج باسماءهم كما هم يقولون بأنفسهم.

وأوضح: عندما يكون الحديث حول تعديل قانون او صياغة قانون جديد من يسنه هو السلطة التشريعية والسلطة التشريعية في هذه البلاد هي سلطة يهودية اسمها الكنيست، وبالتالي الأصل ان تقوم المحاكم الشرعية بنفسها بعملية الإصلاح من الشريعة ذاتها اذا كان هناك ضرورة وفقا لاحكام الاجتهاد من الشريعة ذاتها لا من القانون الإسرائيلي، كما اننا لا نريد الكنيست ان تتدخل فينا وبتشريعتنا، نحن لنا ديننا وعقيدتنا ولا يجوز لسلطان غير مسلم ان يتدخل بالتشريع للمسلمين.

مؤسسة ميزان: نرى وجوب التصدي لهذا الاقتراح بكل الوسائل المشروعة

وفي ذات السياق أرسلت مؤسسة ميزان لحقوق الانسان بيانا لوسائل الاعلام المختلفة عبرت عن استنكارها ورفضها لاقتراح القانون وذلك بعد دراسة عميقة لمسودة اقتراح قانون الأحوال الشخصية، مشيرة الى انها ستتصدى لهذا الاقتراح بكل الوسائل المشروعة.

ونوه القيّمون على مؤسسة "ميزان" انّه قد جاء في مسوغات الاقتراح أن القانون المقترح لا يخالف الشرع، وفي ذلك مغالطة كبيرة اذ ان القانون المقترح يحوي في طياته مواد مخالفة للشرع بشكل واضح إضافة الى إن مجرد الاعتقاد أن أحكام الأحوال الشخصية، مثل أحكام الزواج والطلاق والميراث والوصاية والنفقة وغيرها، خاضعة لقرارات الكنيست الاسرائيلي، هي بحد ذاتها مخالفة واضحة للشرع، إذ أن مصدر التشريع لدينا هو القرآن والسنة ثم إجماع العلماء، أما هذه المسودة فإنها تعطي للكنيست الاسرائيلي صلاحية تشريع القوانين وتعديلها متى شاء ووفقا للظروف المرحلية، وشتان ما بين الشرع الرباني والتشريع الوضعي.

كما اكدت ميزان في بيانها إن مسودة القانون المقترح تحوي في طياتها ترجمة خاطئة من اللغة العربية الى اللغة العبرية، لمصطلحات شرعية وفقهية مثل مصطلح "الولي" و"الوصي" وغيرها دون التفريق بينهما مما يعطي حق تفسير المصطلحات الشرعية للكنيست الاسرائيلي او للمحاكم المدنية الاسرائيلية كل حسب نظرته وميوله الشخصية. الى جانب إن القانون المقترح الذي وضع باللغة العبرية يمس بمكانة محاكمنا الشرعية وباستقلاليتها ويقيد القضاة الشرعيين في التعامل مع القضايا المطروحة امامهم بحيث تكون للمحكمة الاسرائيلية الكلمة الفصل في كل مسالة يتم الاختلاف عليها، حيث ستفسر هذه المحاكم القوانين والاحكام وفق القوانين المنصوصة باللغة العبرية التي شرعها الكنيست الاسرائيلي.

ومما جاء في البيان أيضا: إن القانون المقترح فيه مس صارخ بلغتنا العربية حيث ستصبح محاكمنا الشرعية ملزمة بالتداول باللغة العبرية.إن القانون المقترح يفسح المجال لتشويه صورة تعاليم ديننا الحنيف ويتيح الفرصة للتدخل في تعاليم ديننا من قبل غير المسلمين في الوقت الذي تحفظ فيه خصوصيات التعاليم الدينية اليهودية والكنسية والدرزية.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]