نشرت الصحافية الواسعة الاطلاع، ميراف ارلوزوروف، تحليلاً في صحيفة "ذا ماركر" الاقتصادية (11\4) حول أنماط ودوافع التصويت في الانتخابات المنتهية مؤخراً للكنيست، مع التركيز على اليهود المتدينين (الحريديم) والمواطنين العرب.

وفيما يلي ترجمة لما ورد في التحليل حول المواطنين العرب...

من أكتوبر 2000، وحتى اليوم
"عام 1999 تحرك الناخبون العرب، حقاً، نحو صناديق الاقتراع، وكثير منهم منحوا أصواتهم لقائمة "يسرائيل أحات" (التي تشكلت من كتل العمل وغيشر وميماد) برئاسة ايهود باراك. كانت يدا رئيس الأركان السابق (باراك) مخضبة بدماء العديد من القتلى العرب، لكن هذا الامر لم يحل دون تصويت العديد من المواطنين العرب لصالحه. ويعود السبب في ذلك إلى كونه المرشح الاوفر حظاً لتنحية بنيامين نتنياهو-وهذا ما حصل.
"بعد عشرين عاماً من ذلك الحين، عام 2019، لم يحظ ثلاثة رؤساء سابقين لأركان الجيش: بيني غانتس، غابي اشكنازي وموشيه يعلون-بتعاطف المجتمع العربي. ووفقاً لتقديرات وتقييمات الخبراء في شؤون المجتمع العربي في إسرائيل-فان هذا الامر (عدم التعاطف) لا ينبع من النفور من المرشحين المخضبة اياديهم بدماء العرب، بل (ينبع) من الأسلوب الذي اتبعته قائمة "كاحول لافان" ("ازرق أبيض") منذ بداية الحملة الانتخابية، ذلك أنها كررت تشديدها على عدم إنشاء كتلة مانعة بالتعاون مع الأحزاب العربية، بل إن كتلة "يش عتيد-يوجد مستقبل" بقيادة يئير لبيد، صوتت لصالح شطب قائمة "الموحدة والتجمع" ومنعها من خوض الانتخابات.


توسلات

"تبلغ نسبة أصحاب حق الاقتراع العرب (مع استثناء شرقي القدس والجولان) 16% من مجمل أصحاب هذا الحق في إسرائيل عموماً، ما يعني أن من المفترض أن يكونوا ممثلين في الكنيست عبر (19) نائباً.
"يقول الدكتور ثابت أبو راس، المدير المشارك في جمعية "مبادرات صندوق إبراهيم": "يوم الانتخابات، حتى الساعة السادسة مساء، كانت نسبة المصوتين العرب 30% فقط، وهنا لم يتوان النواب العرب عن التوسل للجماهير للقدوم إلى صناديق الاقتراع، وهكذا فعل أئمة المساجد عبر مكبرات الصوت. وفي نهاية الامر ارتفعت نسبة التصويت إلى قرابة 50%، وكان ذلك كافياً لاجتياز قائمة الموحدة والتجمع نسبة الحسم".
وللمقارنة-تجدر الإشارة إلى أن نسبة تصويت الناخبين العرب بلغت في انتخابات العام 2015 قرابة 64%.

تداعيات قانون القومية

"لا شك في أن غانتس، ومعه جميع الأحزاب الصهيونية (ما عدا ميرتس) قد ارتكبوا خطأ استراتيجياً بتنكرهم للناخبين العرب. أما مغازلة غانتس لليمين فلم تجلب لقائمته مصوتين، لكنها أدت إلى فقدانه للقوة الانتخابية الهامة للمواطنين العرب الذين كان يمكن أن يدعموه. لكن هذا الخطأ أيضاً، مهما بلغت فداحته، لا يشكل سوى تفسير جزئي للهبوط الرهيب لنسبة التصويت، الذي أدى إلى ضياع ثلاثة مقاعد، قياساً إلى عددها في الكنيست السابقة، وإلى ضياع مفترض لتسعة مقاعد أخرى للمواطنين العرب.
"تقليدياً، نرى أن نسب التصويت في المجتمع العربي أدنى بالمقارنة مع النسب المعتادة لدى اليهود. لكن في الانتخابات الأخيرة سجل رقم قياسي جديد في إقصاء وتهميش العرب، حين مارس نتنياهو خطاباً مفاده أن أي اعتماد على الأحزاب العربية من أجل إيجاد كتلة مانعة، يعتبر فعلاً غير مشروع يكاد يشبه الخيانة. هذا الامر يضاف إلى الإهانة الكامنة في سن قانون القومية من قبل الحكومة المنتهية ولايتها، الامر الذي أفرز تأثيراً ممهوراً بالإحباط والقنوط. المواطنون العرب يشعرون بأن الديمقراطية الإسرائيلية تلفظهم من أحشائها، فزالت رغبتهم وارادتهم في المشاركة بها.


"السياسة لا تهمني"

" يعتقد البروفيسور أمل جمال، المحاضر في موضوع العلوم السياسية في جامعة تل ابيب بأنه "تبين بشكل عبثي أن سن قانون القومية قد أفاد نتنياهو مرتين: الأولى، أن هذا الامر قد جلب له دعماً من اليهود، والثانية، أن هذا القانون قد أصاب الناخبين العرب باليأس فلم يتوجهوا إلى صناديق الاقتراع".


" ويشار إلى أن استطلاعاً أجرته جمعية "مبادرات صندوق إبراهيم" قبل الانتخابات قد توقع تراجعاً في نسبة التصويت لدى المواطنين العرب إلى حدود 51%، فيما السبب الرئيسي لذلك هو اللامبالاة، إذ أعلن معظم المشمولين في الاستطلاع أن "السياسة لا تهمني". ومعنى ذلك هو أن الناخب العربي قد يئس من التفكير بتحسن أوضاعه عن طريق المشاركة في الانتخابات.
"لكن ليس اليهود وحدهم مذنبين في هذا الامر، بل ان جانباً كبيراً من هذه القضية نابع من مشاكل واشكاليات داخلية في المجتمع العربي، ومن انعدا ثقة الناخبين العرب بممثليهم في انعدام الكنيست. عن ذلك يقول رون غيرلتس، المدير المشارك في جمعية "سيكوي": "المواطنون العرب يميلون إلى تصديق وسائل الاعلام اليهودية، أكثر من تصديقهم لوسائل الاعلام العربية: فالإعلام اليهودي يكرر الأكاذيب الزاعمة بأن أعضاء الكنيست العرب ينشغلون فقط بالنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني بدلاً من انشغالهم بالشؤون والقضايا الداخلية للمواطنين العرب في إسرائيل. ولقد أثبتت الأبحاث الاكاديمية أن هذا كذب، وأن النواب العرب منشغلون معظم الوقت بالقضايا الاجتماعية-لكن ذلك الكذب تغلغل في وعي الناخبين العرب".


محاسبة الذات...

"والانكى من ذلك هو الضرر الذي جلبه تفكيك القائمة المشتركة. وعن ذلك يقول البروفيسور أمل جمال: "الجماهير العربية سئمت من قياداتها، فرجال السياسة يقولون إن الساعة ساعة طوارئ-وإذا بهم يفككون القائمة المشتركة بسبب انعدام التوافق فيما بينهم".
"خيبة الامل والاغتراب حالا دون خروج المواطنين العرب للتصويت. يقول أيمن سيف، الرئيس السابق لسلطة التطوير الاقتصادي للمجتمع العربي في مكتب رئيس الحكومة: "أطلقنا النار على أرجلنا، وبعد ذلك نجد أنفسنا مشتكين من أن الكنيست تسن قوانين عنصرية تودي بنا نحو الاقصاء والتهميش".

"وهكذا، نجد في إسرائيل فئتين من الأقليات، تتبعان نمطاً متناقضاً: الأقلية التي تضم اليهود المتدينين (الحريديم)، التي ترفع من شأن قوتها بواسطة نسب التصويت العالية، وتصبح بيضة القبان. ثم الأقلية العربية، الأقل مشاركة في التصويت، والتي ترفض التحالف مع الأحزاب اليهودية، وتبقى عاجزة، لا حول لها ولا قوة.
"هنالك من يأمل في أن يؤدي الهبوط بنسب التصويت-إلى دفع الأحزاب العربية إلى إجراء حساب للنفس، وربما إلى صعود حزب شاب فتي أكثر ضلوعاً وتداخلاً في قضايا وهموم المواطنين العرب. ربما يحدث هذا في الكنيست القادمة"!

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]