يجد المتابع لتحليل نتاج الحركة التشكيلية الإماراتية، أن الرسم والتصوير يتفوقان على إنتاج المنحوتات، وهذا لا يخص التشكيل الإماراتي فقط، لأن النحاتين كانوا قلّة عبر التاريخ قياساً بعدد الرسامين.

وقد يبرر هذا بسبب طبيعة التعامل مع النحت والتحديات الكثيرة التي يواجهها النحات، مثل صعوبة التعامل مع الخامات المستخدمة، والمكان الذي يجب أن يكون واسعاً في معظم الأحيان لاستيعاب ضخامة الأعمال المنتجة.

من وحي البيئة

يعدّ الدكتور الفنان محمد يوسف، خريج كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، من الفنانين القلائل الذين استمروا بتقديم أعمالهم النحتية، منذ بداية تجربته الفنية عام 1978 وفي تقليده الخاص استخدم لتنفيذ أعماله مواد من البيئة المحلية، ضمن دراسة له تراوحت بين البر والبحر، واستخدم في أحيان أخرى الخشب أو الحجر، وذلك من منطلق قناعته بأن النحت من الفنون الأكثر بقاءً من غيرها.

ومواد البيئة المحلية بقيت حافزاً للفنانين حيث استخدمتها مصممة المجوهرات الفنانة عزة القبيسي التي قدمت أكثر من عمل نحتي، واعتمدت خلال تنفيذه على «الكربة» وهي الجزء الأملس من سعف النخيل، الذي يعتبر واحداً من الرموز المحلية الإماراتية.

ومن بين أعمالها هذه مجسم «أبجدية الحياة» الذي يصل ارتفاعه إلى 4.5 أمتار، وقطره 3.5 أمتار، ومشكل بأسلوب حلزوني يعكس حياة الناس وتطورها، كما استخدمت القبيسي في عملها هذا إلى جانب «الكربة» الحديد لأن لونه يتغير مع الزمن وهو ما ينسجم مع إيصالها لفكرة أن هذا التغير يصيب أشكال الناس أيضاً.

كما سطع اسم الفنان الراحل حسن شريف في عالم النحت، إلى جانب إنتاجه للعديد من اللوحات، وقدم منحوتات لم تخلُ من أسلوبه المفاهيمي الذي ميز تجربته، حيث يصبح كل شيء خامة ممكن أن يستعين بها لتنفيذ مجسماته، منها المجسم المعنون بـ «عقد» والذي كان قد نفذه بالأحبال القطنية وقطع الفولاذ المقاوم للصدأ بحجم 380 × 350 سم.

تحديات متنوعة

الفنان عبدالرحيم سالم، الذي تخرج في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة منذ بداية ثمانينات القرن الماضي، اشتغل بالنحت البارز «بارليف» ولكنه لم يستطع الاعتماد عليه بشكل كلي في تجربته التشكيلية المتميزة، فقد صرح ذات مرة بأنه غير قادر من خلاله على إيصال أفكاره التي يريد طرحها، ولهذا كانت مساحة اللوحة كافية لتفاعله ولاستيعاب أفكاره التي يريد إيصالها للمتلقي.

ولكن بريق النحت يبقى جذاباً، لأي فنان رغم صعوبة التعامل معه والتكلفة المادية التي يستلزمها حتى يكمل العمل ومن هذا المنطلق فإن الفنان جلال لقمان الذي اشتهر كأول فنان إماراتي ينتج لوحات بواسطة «الفن الرقمي» قد أنتج خلال تجربته منحوتة عملاقة شَكلها من الحديد، حيث عمل على التمثال لمدة 8 أشهر بشكل يومي ما بين 8 و10 ساعات.

وفي أثناء تنفيذ العمل لبس الخوذة ليقي نفسه من نثرات الحديد المؤذية وهو ما يعيدنا إلى فكرة أن النحت يحتاج إلى تعامل خاص ويحتاج إلى جهد عضلي أحياناً كثيرة، وقد يكون هذا هو السبب الذي يقف وراء عدم وجود فنانات على مستوى العالم عملن بمجال النحت إلا فيما ندر.

كتاب

أما الفنان علي العبدان، الذي اشتغل بالنحت، فقد تناول الحركة التشكيلية في كتاباته، وتحدث في كتاب يعده عن فن النحت عن وجود فنانين هجروا النحت رغم تخصصهم الأكاديمي في هذا المجال، لأن النحت لم يلقَ الاهتمام المناسب، إلى جانب صعوبة إنتاجه وعدم توفر الأدوات المساعدة على النحت مثل مصاهر البرونز.

4500

يعد النحت أحد أنواع الفنون التشكيلية، ويرتكز على إنشاء مجسمات ثلاثية الأبعاد، على عكس الرسم الذي ينتج بطريقة ثنائية الأبعاد، ويمارس هذا الفن على الصخور والمعادن والخزف والخشب ومواد أخرى. ومارس الإنسان فن النحت منذ عصور قديمة تعود إلى نحو 4500 عام قبل الميلاد.

المصدر : البيان 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]