لن أحدثكم عن التاريخ الذي درسناه في الكتب المدرسية ولا عن الاتفاقيات والوعود والصفقات أو بل قل الصفعات التي ما زالت اّثارها بارزة على وجوهنا!

كلمتي ستكون أبسط من ذلك بكثير..

قصتي، هي قصة عائلتي التي شردت. والتي تشابه تفاصيلها تفاصيل غالبية ابناء شعبنا الفلسطيني الذي هجر عن أرضه قسرا.... ولأني أحب لهجتي الفلسطينية... اسمحوا لي أن اتحدث معكم باللغة الفلسطينية العامية لتخرج الكلمات من القلب الى القلب.

‎أبوي وامي من الناصرة الله يرحمهم.. ومعاناتنا متل معاناة ولاد هالشعب يلي بلشت بسبب تهجيرنا عام 48.

‎ ابوي من الناصرة تهجر على الاردن بهذاك الوقت. مش لئشي بس لأنوا فلسطيني حب أرض وبلدوا وتمسك بترابها. تهجر أبوي بزمن مختلف تمام عن الزمن الحالي.... كان يحلم بالعودة، لأنوا كان دايما يقول في قرار مضمون من كل العالم قرار قانوني اسمه "حق العودة". وهيك فهمنا!
وبقينا متمسكين بهاذ القرار بكل قوتنا وكلنا أمل انه في يوم رح يتم تطبيق العدالة ورح نرجع ع الناصرة بدون محال.

‎عشنا بالأردن هالبلد الطيب الي احتضننا واعطانا كل فرص الحياة الكريمة، بس طبعا من جواتنا كان عنا شعور بالنقص، شعور طبيعي شعور الحنين للوطن!

في هالغربة بلشت عدوى التهجير تصيب عيلتنا! اخوتي لتنين هاجروا على اميركا ليلاقوا فرص عمل ويعيشوا حياة كريمة في الغربة! خواتي التنتين وعيلهم ما كان قدامهم فرصة الى يسافروا على دبي... وانا وأخوي الحمدالله قدرنا نرجع ونعيش بالناصر، واختي الاخيرة تجوزت وسكنت بالضفة..

‎قصة صغيرة بتحمل في طياتها معاناة كبيرة أكبر من ما تتصوروا!

‎بتذكر في يوم من الأيام قدرت امي تيجي تزورني بالناصرة .... بلدها يلي تهجرت عنها، كانت هاي أول زيارة الها. وأول ما وصلت قالتلي: خذيني ع الحارة يلي عشت فيها ... طلعنا وبلشنا نمشي وهيه ماشية كانت تطلع بعيونها على بيوت الحارة، كانت اتمتم وتقول: الحارة اتغيرت يما!؟ بس أكيد بيتنا بعدو... أنا ما كنت أعرف وين البيت يلي خلقت فيه أمي. وفجأة واحنا ماشيين، وقفت عند بيت وأشرت على عتبته، وقالتلي: هون ... هون بالزبط كنا نلعب واحنا صغار. ... وما قدرت تمسك دموعها!

امي القوية اول مرة بشوفها بتعيط بحرقة.. ودموعها نازلة على خدها. وتقول: يلعن أبو التهجير!

‎ ولسا المعاناة ما خصلت، ابوي وامي سرقهن الزمن وبلشوا يكبروا ... وبلشت الامراض تنهش بأجسادهم واحنا بعاد عنهم! ابوي وامي الي ربونا على حب فلسطين وخلونا كل ليلة انام واحنا نحلم في بيت العيلة الي موجود بالناصرة .... كنا انام ونحلم بحق العودة الي في يوم من الأيام أكيد رح يتطبق ويرجع الغايب لبيتو.!

‎ مرض ابوي وكبر في السن. وتوفى وهو متمسك بحلمه انه في يوم من الأيام رح يرجع ع الناصرة!

‎امي الحنونة مرضت وصابها زهايمر، هالمرض يلي خلاها تنسى كل ولادها ... بس ما في ثانية نسيت فيها فلسطيين! كانت كل ليلة تصحى من النوم تقوم تلم أواعيها اتحطن في "البقجة" وتقول لخواتي: يلا بدي أروح.. خذوني ع فلسطين ... خذوني ع الناصرة.

‎تفاصيل بتوجع القلب عشناها بكل اّلامها وأحزانها، كانت اخرتها قبل كم شهر لما اتوفت امي واخوتي بعاد عنها! بذكر لما اختي رجعت على دبي، وهي مسافرة بالطيارة وقبل ما تقلع الطيارة اتصلت عليها وخبرتها بأنو امي توفت! هاي التفاصيل الي عشناها كلها شو سببها برأيكم؟ لو كنا شعب طبيعي عايش في وطنه حياة طبيعية.. كان يا ترى بتفرقنا الغربة؟ وبنعيش بهالعذاب؟!

‎الاصعب من هاد كله لما تم اعلان صفقة القرن! هاي الصفقة الي طلع فيها الرئيس الامريكي بكل بساطة ووقاحة ع قنوات الاخبار وبعلن فيها انتهاء "حق العودة ".

‎بكل بساطة أعلن انتهاء تفاصيل عشناها كل ثانية! انتهاء احلام ملايين من الناس يلي حاملين مفاتيح بيوتهم. انتهاء قصص وحياة وأحلام وآمال شعب تهجر عن أرضه بالغصب!

تخيلوا قديش شعوري وشعور كل فلسطيني بكون صعب وهو كل يوم بشوف ع الأخبار احتفاء بوصول اعداد من المهاجرين الى "اسرائيل". افراد ما الهم اي صلة بالأرض لا من قريب ولا من بعيد بيجوا ليسكنوا بأرضنا! واصحاب الأرض ما بقدروا ييجوا حتى زيارة!
‎بدي اختم كلمتي بسؤال هل بتعتقدوا انه قرار ترامب أثر فينا؟ هل بتعتقدوا انه فعلا انتهى كل شي بالنسبة النا؟

‎لا! وألف لا.. هاي الاشياء ما بتنتهي بقرار من رئيس أرعن ولا بقرار من كل حكومات العالم! لانه هذا الحلم احنا مآمنين فيو بكل جوارحنا! مآمنين فيو وعايشين تفاصيله ... علشان هيك مافي اي شخص في العالم بيقدر يسرق منا الحلم، حلم العودة. وشو ما صار، رح نقول لكل العالم ما بضيع حق وراه مطالب.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]