المخاض السياسي الذي تشهده المنطقة لا قدرة له على تغيير ما هو ثابت، ولكن يمكنه أن يناور على ما هو متغير.
الثابت هو الشعب الفلسطيني بقوة الحق التي يملكها والصمود على أرضه، الذي لم يعد له بديل عنها، لأن أخطاء الماضي لن تتكرر.
أما المتغير فهو العلاقات السياسية بين دول المحيط ودولة الاحتلال.
كثيرة هي الأفكار السياسية، ومع ذلك فإن محاولات تغيير الثابت فشلت دائماً، ابتداء من رؤية منظر اليمين الصهيوني زئيف جابوتينسكي، صاحب نظرية الجدار الحديدي والدولة اليهودية الممتدة من النيل إلى الفرات، وصولاً إلى نتنياهو «عراب الأفكار الجابوتينسكية» التي ورثها بقوة عن والده صهيون بن نتنياهو، الذي عمل مستشاراً لجابوتينسكي ثلاثين عاماً وكان معارضاً تماماً لإعطاء الفلسطينيين شبراً واحداً من أرضهم.

منذ النكبة حدثت تطورات دراماتيكية في المنطقة العربية، وعلى الرغم من الصدمات المتتالية فإنها لم تغير الثابت في هذه المنطقة الملتهبة.
من الثابت أن السلام فقط هو الذي يعقد مع أصحاب الأرض، أي مع الشعب الفلسطيني، وأن كل محاولات البحث عن السلام الحقيقي خارج إطار هذه الرؤية مجرد أوهام، وهذا ما يؤكده الإسرائيليون الذين استوعبوا الحقيقة.
صحيح أن هناك نشوة إسرائيلية بالمتغيرات في المحيط البعيد، ولكن في حقيقة الأمر، الإسرائيليون متأكدون أن الثابت على الأرض الفلسطينية هو الأهم، أي (الشعب الفلسطيني)، وبقدر النشوة الإسرائيلية كانت هناك صدمة فلسطينية من التطورات غير المتوقعة، على الرغم من المعرفة المسبقة بما هو تحت الطاولة، ومع أن كثيراً منا تعامل مع الواقع كالنعامة التي تضع رأسها في الرمال وتقول لا أرى شيئاً، ولكنها تحس وتعي ما يدور حولها.
خلال الأسبوع الماضي كنا نراقب ردود الفعل على تسونامي سياسي إذا صح التعبير، وتسونامي هي ظاهرة مناخية قد تضرب في أي اتجاه، وفي النهاية تتكسر الأمواج وتعود الأمور إلى طبيعتها رغم الخسائر في قطاعات عدة.
جزء من ردود الفعل غير مقبول ويجب أن نبتعد عنه، خاصة دائرة التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي التي هي ملعب خاص بالمخابرات الإسرائيلية التي تلعب على مبدأ (فرق تسد).
بكل صراحة من حق الإمارات كدولة سيادية أن توقع اتفاقيات مع أي جهة كانت، وفي النهاية هي التي ستتحمل مخاطر هذه الاتفاقات. وعلى سبيل المثال لاحظنا رد الفعل الإيراني الذي لا يعنينا أيضاً كفلسطينيين.
ولكن أيضاً ليس من حق الإمارات أن تتحدث نيابة عن الشعب الفلسطيني أو أن تتدخل في شؤونه الخاصة، على قاعدة أيضاً أننا لنا سيادة. وأن القيادة الفلسطينية ليست قاصرة وهي أدرى بشِعابها.
ما قامت به الإمارات على قاعدة القرار السيادي قد يُستكمل بدائرة أكبر، وهذا يجبرنا على الخروج من ردود الفعل الشاذة والإصرار على حفظ حقنا كفلسطينيين في أن السلام هو صناعة فلسطينية بامتياز.
فريق ترامب على قناعة بأنه دون التوقيع الفلسطيني فإن كل ما يحصل هو حراك في المجال المتغير منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى اليوم. وهذا لا يمنح حقاً ولا يغير ثابتاً، وعلى سبيل المثال من كان يتوقع قبل عشرين سنة أو أكثر ما يحصل اليوم، ومن يتوقع بعد عشرين سنة كيف ستكون الأوضاع.
المهم فلسطينياً أننا نمر بمرحلة صعبة وحرجة. ووحدتنا وصمودنا على أرضنا، هما الضمانة الوحيدة لبقاء ثوابتنا لمائة سنة قادمة.
وحدتنا تكمن في إنهاء الانقسام، وعدم الركض وراء السراب. وإذا لم نقدر على إنهاء هذا الانقسام وتعزيز الوحدة والنضال فيجب ألا نلوم الآخرين.
الصراع الداخلي وما حصل في العقد الماضي داخلياً ربما أخطر بكثير من بعض المتغيرات التي ستذهب عاجلاً أم آجلاً، لأنها صناعة أشخاص وليست صناعة شعوب، وما دام الاحتلال وأميركا ومعهما العالم لم يحصلوا على توقيع فلسطيني، فإن الصراع سيظل مفتوحاً ولن تنعم دولة الاحتلال بأي سلام.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]