طالعتنا وسائل الإعلام الدوليّة قبل 4 أيام على خبر قد يبدو في واقعنا الحالي استثناءً، حيث اشارت إلى تسجيل أول وفاة بسبب جائحة الكورونا في نيوزيلندا بعد 102 يومًا من النجاح بالقضاء على تفشي الوباء. وإن كان الحديث عن وفاة إلا أنها وفاة واحدة مقابل معدل 8 وفيات في إسرائيل بشكل يوميّ خاصةً مؤخرًا، وإذا ما تطرقنا إلى الوضع بصورة عامة ففي إسرائيل تخطت الوفيات الألف فيما وصلت في نيوزيلندا إلى 24 حالة فقط.

تقود نيوزيلندا نخبة نسائية، على رأسهم رئيسة وزراء امرأة، جاسيندا ارديرن، والتي وفق وسائل الإعلام قسمت مخاطر تفشي الوباء إلى عدة مستويات، لتعلن وفق عدد الحالات في البلاد على المستوى الذي يجب على السكان العمل به، حيث يحمل كل مستوى عدد من الشروط والتقييدات.

قبل أن أكمل بمديحي إلى القيادة النسائية في نيوزيلندا من المهم الإشارة إلى أنّه يعيش في نيوزيلندا قرابة الـ 4,7 مليون شخص، وينقسم غالبية سكان نيوزيلندا إلى مجموعتين ثقافيتين، هما الماوريين الذين ينحدرون من المستوطنين البولينيزيين، والمجموعة الثانية هي السكان المنحدرون من أصول أوروبية. المجموعتان اللتان تعيش في نيوزيلندا مختلفين، ووفق التقديرات فأن مستوى انصياع مجموعة معينة – للقوانين والتعليمات- يفوق المجموعة الأخرى.

إسرائيل، تقريبًا، تعد بحجم نيوزيلندا من حيث عدد السكان، كما وأنها مُركبة من مجموعتين ثقافيتين تدعي القيادة الإسرائيلية أنّ مجموعة معينة أكثر انصياعًا من الأخرى، لكن مع ذلك، وبخلاف نيوزيلندا، سجلت إسرائيل هذا الأسبوع أعلى مرتبة في نسبة تفشي المرض مقارنة بعدد السكان.

قد نتفق او نختلف مع الادعاء أن مجموعة معينة في إسرائيل أقل انصياعا للأوامر، لكن بالمحصلة وقبل الحكم علينا أن ننظر إلى الصورة السياسية بشكل عام، فمؤخرًا وبعد تسجيل أعلى نسب وفيات وأعلى نسب تفشي المرض تحاول إسرائيل فرض اغلاق وتقييدات جديدة، إلا أنّ هذه التقييدات لا تخرج إلى حيز التنفيذ أو جزء منها على الأقل، فالأزمة ليست صحيّة فقط، إنما سياسية، حيث نجد تدخلات سياسية وضغوطات على الحكومة بدلت في الأيام الأخيرة القائمة للبلدات المصنفة على أنها حمراء أكثر من 3 مرات!

عدم الانصياع للقوانين والتعليمات هو ليس حصرًا على العرب فقط، وان كنت لا أنفي أنّ هنالك سلوكيات نقوم بها كمجموعة سكانية قد تؤدي بنا إلى الهلاك، وهي ليس مقتصرة على أعراس مع أعداد هائلة، وصلت في شفاعمرو إلى 5000 مشارك، ايضًا العنف المستشري هو سلوكيات نقوم بها نحن، لكن لا يمكننا تحميل مجتمعنا العربي المسؤولية لما يحدث من تفشي المرض، فالقيادة التي تفشل بفرض قرارات مهمة، لا يمكنها أن تشكل نموذجًا يحتذى به، وعدم الانصياع للقوانين والتعليمات يبدأ من المستوى السياسي، الذي يصدر للمواطن أزمات مصالحه الشخصية، الأمر الذي ينعكس ايضًا على سلوك الأفراد، فأذا كانت القيادة السياسية تفكر مصالحها، لماذا على المواطن أن يفكر بصورة مغايرة، لماذا عليه أن يلغي فرحًا أو يدعو إليه 50 شخصًا علمًا أنّ عدد المدعوين هو مؤشر "للنقوط" وقدرة أهل العريس أو العروس على تغطية مصاريف العرس وتكاليفه؟!

لا ابرر تصرفات مجتمعنا وتجاهله للتعليمات، وايضًا لا يمكنني الحديث عن مجتمع تام يتجاهل هذه التعليمات، فهنالك من يلتزم بها، لكن ما يثير الحفيظة والغضب هو نقد المؤسسة الإسرائيلية لسلوكيات العرب وقت الكورونا وايضًا الجلد الذاتي الذي نسمعه من أبناء شعبنا عن سلوكياتنا، وصراحةً بت لا أعرف من يغذي من.

المطلوب أن نكف عن تغذية هذا الخطاب والاتهام، على الأقل من جانبنا، من خلال الالتزام للتعليمات والقوانين، وليس من باب فرضة "هيبة سيادية" لإسرائيل، إنما حفاظًا على أمن من نحب، على إحبابنا وعلى كبار السن والمرضى منّا. كمجموعة تعاني التمييز والتهميش والإقصاء بصورة ممنهجة وبكافة مجالات الحياة، نتصرف وكأن هذه القوانين فرضًا إداريًا اضافيًا علينا من قبل مؤسسة نحن لا ننتمي إليها، لكن على الأقل دعونا ننتمني إلى أنفسنا وإلى الحيز والمحيط الذي نعيش به، ونلتزم. 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]