قبل أيام أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس استعداده للذهاب الى انتخابات إسرائيلية جديدة، رغم ان استطلاعات الرأي تمنحه عدداً قليلاً جداً من المقاعد، وذلك لأنه ضاق ذرعاً بكذب بنيامين نتنياهو شريكه في الحكومة، وبتنصل الليكود مما اتفق عليه حين تم تشكيل الحكومة بين الحزبين، وفي حقيقة الأمر، فإنه على مدار عقود مضت، كثيراً ما تذمر شركاء نتنياهو خصوصاً والليكود عموماً، من انهما لا يلتزمان بما يتم الاتفاق عليه، وانهما لا يظهران أدنى مظاهر الأخلاق السياسية، حتى فيما يخص الجمهور، حيث أظهر نتنياهو استخفافاً بأرواح الناس، من خلال التراخي في إجراءات التباعد الاجتماعي لصالح النشاط الاقتصادي، الذي يدر على الأثرياء مزيداً من الثراء.
ونتنياهو ومعه الليكود لا يختلفان في شيء عن دونالد ترامب الرئيس الأميركي الحالي، وحزبه الجمهوري، أو على الأقل الجناح اليميني المحافظ جداً من الحزب، من حيث اتباع سياسة خارجة عن القانون بشكل عام، ومن تمتع بانحطاط أخلاقي، لا يقيم وزناً لا للاتفاقات ولا القوانين ولا الأعراف، وخير دليل على ذلك اربع سنوات من السلوك العدائي الذي اظهره ترامب في أربعة أرجاء المعمورة، وها هو يختمه تجاه شقيقه الحزب الديموقراطي الذي لا يكف عن وصفه باليساري الراديكالي، وكأن ذلك تهمة او مسبة، وهو قد أظهر نزوعه العنصري بانحيازه للجنس الأبيض داخل بلاده، وأظهر كراهيته للآخرين خارج بلاده على حد سواء.
حين يسجل دونالد ترامب، مثيل نتنياهو في كل شيء، اول واقعة _تقريباً_ في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأميركية، بعدم اعترافه بهزيمته، وهو كان وقبل إجراء الانتخابات بوقت طويل، أعلن أنه إن لم يفز، فإن الانتخابات ستكون مزورة، ويا للعجب، يقول هذا من هو في الحكم، تجاه من هم في المعارضة، وفي دولة المؤسسات الديموقراطية الأميركية، هذا رغم ان خصمه الرئيس المنتخب جو بايدن تفوق عليه بالتصويت الشعبي بفارق خمسة ملايين ونصف المليون صوت، وفي تصويت المجمع بأكثر من سبعين صوتاً، السؤال هنا، ماذا كان سيكون عليه الأمر، لو ان هذه الانتخابات كانت على شاكلة التي سبقتها حين تفوقت عليه هيلاري كلينتون بالتصويت الشعبي، وهو تفوق بتصويت المجمع الانتخابي، أو لو ان الفارق كان بضع مئات كما كان الحال بين جورج بوش الابن وآل غور عام 2000، المهم ان ما يظهره ترامب من انعدام الروح الديمقراطية ومن نزوع مستبد، وحتى بلطجي، انما يعود الى طبيعته الشخصية والى تزعمه للجناح اليميني المحافظ من الحزب الجمهوري.
في حقيقة الأمر هذا هو الثنائي الذي يبدو انه ينتمي الى قرن مضى من الزمان، حين كان العالم يشهد ظواهر النازية والفاشية والأحزاب الشمولية، وكذلك ظاهرة الاستعمار، المعبرة عن العنصرية البيضاء تجاه الملونين من السود والصفر والملونين عموماً، فيما كان يسمى بالعالم الثالث، وبدعوى تحديث ذلك العالم وتطويره كان يجري نهب ثروات بلاده، فحين يضرب نتنياهو وترامب وحكوماتاهما وحزباهما، عرض الحائط بالقانون الدولي، خاصة تجاه الاستيطان، فإنما يعبران عن خروج على القانون الدولي بدوافع استعمارية بحتة وصريحة، فما الاستيطان اليهودي/الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية المحتلة، إلا تعبير فاضح عن استعمار ما زال يمارَس بحق شعب في القرن الحادي والعشرين، وحين يقوم وزير خارجية ترامب ذلك الشخص الذي يرى في نفسه خلفاً لترامب في قيادة اليمين الجمهوري الأميركي المحافظ بزيارة مستوطنة بسغوت في الضفة الغربية، ويعلن قرار إدارته باعتبار سلع المستوطنات صناعة إسرائيلية، عكس كل القرارات الدولية ومنها 2334، الصادر عن مجلس الأمن، فان ذلك يدلل على ان اليمين الأميركي واليمين الإسرائيلي برعايته الاحتلال والاستيطان، انما هو يمين استعماري بكل معنى الكلمة.
في حقيقة الأمر فانه كما يقال عندنا في الموروث الشعبي، بأن الجاهل انما هو عدو نفسه، فان ذلك ينطبق على اليمين الإسرائيلي/الأميركي الراعي للاستعمار الاستيطاني في الأرض الفلسطينية المحتلة، فعالم اليوم فضلاً عن أنه ترك ظاهرة الاستعمار وكذلك التمييز العنصري وراء ظهره، فانه يصبح أكثر تداخلاً وتفاعلاً، فلم يعد بإمكان القوى والأحزاب لا الأميركية ولا الإسرائيلية الديمقراطية والعلمانية وحتى الليبرالية ان تقتنع بان خطر اليمين المحافظ يقتصر على من هم خارج البلاد، فالنار تأكل ذاتها في نهاية المطاف، ومن ينشأ كمتطرف يشكل خطراً على الخارج في بداية ظهوره، يرتد في نهاية الأمر للداخل.
كذلك فانه كما لم يقتصر خطر ترامب على القضية الفلسطينية، فانه وصل لكل أرجاء الأرض. وحتى الحلفاء التقليديون لأميركا من الأوروبيين وصولاً للجار الكندي، أبدوا ارتياحهم لخسارة ترامب الذي لم يأسف على خسارته أحد تقريباً.
ومخاطر اليمين الإسرائيلي واليمين المتطرف من «الليكود» و»يميناً»، لا تقتصر على الشعب الفلسطيني، بل تطال معظم الشرق الأوسط، لذا فإن العالم لا بد أن يضع حداً لهذه الظاهرة، ظاهرة اليمين الاستعماري التي ما زالت موجودة في هذا الزمان، بشكل أو بآخر، ويقيناً بأن المؤسسات الأميركية من الإعلام حتى مؤسسات الأمن قد ساعدت في طرد ترامب من البيت الأبيض، لأنه كان عدواً للجميع.
واذا كانت إسرائيل اليوم عاجزة عن طرد نتنياهو من شارع بلفور في القدس، فإن المحيط الدولي والإقليمي، كذلك كفاح الشعب الفلسطيني المنتمي لعصر تتوافق فيه الشعوب على ما هو انساني، لصالح المساواة بين البشر، سيضعان حداً ليمين إسرائيلي استعماري ما فتئ يمارس سياسة الاستعمار البغيضة بحق الشعب الفلسطيني والأرض الفلسطينية، هذا هو منطق العصر، وهذا هو منطق التاريخ، وعالم اليوم يسير بسرعة الى الأمام، لذا فان كل من ينتمي لماض بغيض مصيره حاوية القمامة، وكما فعل تاريخ البشرية مع طغاة وأحزاب وقوى فاشية معادية للبشرية، بأنه سيفعل الشيء ذاته مع مَن نراهم اليوم قادةً أو حكاماً يقودون دولهم الى حافة الخطر، بالخروج عن الإجماع البشري، فحين ينتمي الشعب الفلسطيني للإنسانية والبشرية، فان المجرمين لن ينجحوا في تبديده ولا في قطع الطريق على تطلعه لأن يكون عضواً فعالاً في رفعة شأن البشرية والإنسانية في هذا العالم الذي لا بد أن يتسع للجميع.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]